التدخل الروسي وزيارة نتانياهو

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

لندع عواطفنا الجياشة جانبا ونفكر في واحدة من أصعب المسائل السياسية المطروحة هذه الأيام : وهي فهم المتغيرات الدولية الكثيرة والسريعة والتعامل معها وتوظيفها  … مع العلم أن أسهل الحلول لهذه المسألة هو  اعتبار الجميع أعداء يتآمرون ، فذلك يعفي من البحث عن التباينات في المصالح والتناقضات بين الفرقاء والمتدخلين … وما أكثرهم في منطقة حيوية جدا تتوسط العالم القديم …

الموقف الروسي حظي بما يستحق من الادانة لأنه جرى تحت عنوان الحفاظ على الأسد الذي يمعن في قتل شعبه بالسلاح الروسي … ولكن لم يسأل أحد نفسه هل كان من الممكن أن يتم تدخل روسيا من دون هذا العنوان … كيف سيسمح الإيراني المسيطر على قرار الأسد بالتدخل الروسي من دون هذا العنوان … وكيف ستتدخل روسيا من دون طلب النظام والمعارضة الوطنية الممثلة بهيئة التنسيق ، ومن دون استخدام مبرر آخر هو تدخل التحالف الدولي الذي سبقه للحرب على ( الارهاب )؟ فروسيا دأبت على دعم الأسد رغبة منها في اجبار الغرب على الاعتراف بنفوذها وحصتها في الشرق الأوسط ( بعد اخراجها من العراق وليبيا ) ، وليس حبا بهذا الرئيس الذي لم يذهب لموسكو قبل أن يطرده الغرب من لبنان ويظهرون له العين الحمراء ، وهم يتدخلون في الساحل ليس حبا بالعلويين بل بالنفط والغاز في المتوسط وبالقاعدة البحرية على شواطئه .

لكن السؤال بعد هذه الإدانه هو : هل التدخل الروسي الجديد يخدم المشروع الإيراني  أم يحصل على حسابه ، ألا يعبر عن فشل ايران في حماية الأسد من السقوط ، ويعبر أكثر من ذلك عن فشل الأسد في حماية المصالح الروسية ، بل و فشل ايران أيضا في الحفاظ على دور الشريك والوكيل مع روسيا في المنطقة ، خاصة بعد تقاربها الخسيس مع عدوهما التاريخي (أمريكا ) وخيانتها لحليفها الروسي  … وفشل التحالف في اضعاف تنظيم الدولة أيضا ، والذي يتزايد فيه عدد الروس المسلمين ويشكلون قوته الضاربة .

وهل دخول الروس على خط القتال مباشرة بقوتهم العسكرية يغير ميزان القوى وقوانين اللعبة كما يتوهم أتباع النظام ، أم أنه يغير تحركات اللاعبين على رقعتها … ولماذا يسرع نتانياهو (المهزوم في أمريكا) نحو الروس ، وقد سبقه العرب أيضا … وماذا سيبني مع الروس من تفاهمات ، وعينه مسلطة مباشرة على التهديد الإيراني الذي يعتبره التهديد الأخطر والأهم … وما هي اهتمامات روسيا ومخاوفها في المنطقة، وهل يتناقض تدخلها مع مصالح اسرائيل … وكيف يمكن لنتانياهو أن يبني تفاهماته مع روسيا لتكون على حساب النفوذ الإيراني الذي يستشعر فيه الخطر ، وهو بذات الوقت الحليف غير الموثوق لروسيا … أسهل جواب أن نقول أن الشرق والغرب والروس والأمريكان والصهاينة والصفويين قد انهوا خلافاتهم واتفقوا على سحق العرب السنة في المنطقة … وأصعب جواب هو أن نرى مواطن الضعف والتناقضات بينهم وتوظيفها ، ضمن مفهوم غير اضطهادي لا ينبع من عقلية المؤامرة التي يشعر بها كل من تتابعت عليه المصائب :

بالنسبة لاسرائيل انتهت الوسائل الديبلوماسية في التعامل مع الملف الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي ، الذي تعتبره غير كاف لضمان عدم حصول ايران على سلاحها النووي ، زيادة على أنه يقوي مشاريعها للهيمنة على المنطقة عبر زرع الفوضى فيها . وعليه فإن الخيار العسكري هو الخيار الوحيد المتبقي ، والذي يهدف لقصقصة أجنحة ايران في الحدود الشمالية لاسرائيل الذي قد يرافقه أو يتبعه توجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني الذي يستكمل قسمه العسكري فوق الأراضي السورية … فهذا الخيار لم يعد موضوع جدل وانقسام في اسرائيل … خاصة بعد تزايد التأكيدات والأدلة على امتلاك حزب الله لمنظومة متكاملة لسلاح الدمار الشامل فوق الأراضي السورية ، واقترابه من تنفيذ تجارب نووية أولية على السلاح النووي في البادية السورية … وهو الموضوع الأهم الذي سيناقشه نتانياهو في روسيا التي تخشى التطرف الإسلامي على أمنها بينما تخشى اسرائيل بدرجة أكبر وأكثر خطورة تسلح حزب الله وايران الذي يضعها أمام تهديد وجودي جديد .

وبالنسبة لاسرائيل فقدت ايران وحزب الله أهم حليف في المنطقة بحكم الثورة السورية التي طالت وطالت حتى استكمل تدمير جيش سوريا تماما وانهار نظامها وسادتها الفوضى … وفقد حزب الله أي تعاطف من الشعب السوري واللبناني والعربي ، وأنهك في صراعه مع متطرفي السنة خاصة النصرة … كما أن دخول الروسي بسلاحه وجنوده لا يشكل سندا مباشرا لحزب الله ، ولا يتوقع لروسيا أن تتورط في حرب مع اسرائيل إذا كانت هناك تفاهمات متبادلة مسبقة … كما أن الدول العربية ستكون هذه المرة راضية عند حرب اسرائيلية مع حزب الله … وحتى تركيا لن تعتبره عدوانا على الأمة الاسلامية ، لأنها صارت تصنف حزب الله كجماعة ارهابية في المنطقة … أي أن اسرائيل تشعر أن يدها مطلقة في تدمير هذه المليشيا وإلى الأبد ، واجبارها على تسليم سلاحها للدولة وبضمانات دولية واقليمية … وهذا لن تعترض عليه الإدارة الأمريكية ، ولم تتفاهم عليه مع ايران ، بل بالعكس طلبت منها أن تسلك سلوكا بناء ،  وهي لا تستطيع أن تغض النظر عن متابعة المشروع النووي العسكري الإيراني  في سوريا وبيد حزب الله الذي هو امتداد للنظام الإيراني الذي يكون قد احتال على الغرب بهذه الطريقة …

وهكذا سيكون حزب الله هو الخاسر الحقيقي من التدخل الروسي الذي سيقدم للنظام والعلويين ما يسمح لهم بالتخلي عن الإيراني وعن الحزب الذي لم يظهر جدية في الدفاع عنهم بقدر ما ورطهم واستخدمهم لحساباته ، وبالتالي فإن هذا التدخل لصالح العلويين هو ليس لصالح ايران ،خاصة إذا حصل تعاون بين روسيا واسرائيل لتمرير مصالحهما معا في المنطقة ، التي خرج منها الأمريكي والأوروبي فتسلمها الإيراني في ظل الغياب العربي الكامل وحلول منظمات التطرف مكانه …

فالروسي يجد عدوه الأول في المنظمات الجهادية السنية التي تخطط للانتقال مجددا للجمهوريات الاسلامية في الجنوب الروسي ، واسرائيل ترى عدوها الأشد في التطرف الشيعي المتمثل بحزب الله والحرس الثوري الذي يحضر الأسلحة النوعية لتهديد اسرائيل وابتزاز الغرب بها … وهذا يجعل من مسار الدولتين متوازيا وليس متعارضا ، وبالتالي يمكن لهما أن يسيرا به معا … وتستطيع اسرائيل تقديم الأدلة الكافية لتورط ايران في دعم التطرف السني خاصة القاعدة وداعش ورعايتها لهم واستثمارهم في مشاريعها ، وكذلك عدم جديتها في التخلص منهم عمليا .

واضح أن المنطقة تسير نحو حرب اقليمية وربما أوسع من اقليمية لكن من نوع فريد … وفي هذه الحرب التي سيدخلها أعداء وحلفاء كثر سيكون القضاء على التطرف بشكليه الشيعي والسني هدفا أساسيا من أهدافها  … وستكون جبهاتها مختلطة ومتداخلة أشبه بالسيرك الروماني الذي يقاتل فيه كل فرد على حدة وضد الجميع معا … فهذه الحرب لن تكون فيها جبهات واضحة واصطفافات تقلدية ثنائية، كما أن الرابح من هذه الحرب هو الخاسر ذاته أي الشعب السوري الذي وقع بين فكي التطرف والصراع الإقليمي ، وحان الوقت لكي يندلع الصراع المباشر بين الأصلاء لكي تتقوض رغباتهم في المزيد من التورط فيها، بعد أن ماتت سوريا وتشرد شعبها وأصبحت غنيمة ظنوا أنها سهلة ومجانية ….

لننتظر ونرى عام 2016 الذي سيكون عام الحرب الاقليمية التي يدخل فيها الأعداء والأصدقاء حربا ضمن اصطفافات جديدة وعديدة ( التحالف ضد داعش ، الترك ضد الب ك ك والنزعة الكردية للانفصال ، الثورة السورية ضد النظام وداعش وحزب الله ، روسيا ضد داعش والثورة ، اسرائيل ضد حزب الله ، الأردن والسعودية ضد داعش وايران ، ايران ضد الشعب السوري والعربي واسرائيل … دول الخليج العربي ضد ايران ) ، وهكذا من تراه عدوا اليوم قد تجده غدا يقاتل عدوك أو يقف في خندقك … إنها المصارعة الرومانية ذاتها على سيرك همجي كان اسمه سوريا … التي قدرها أن تقع في منطقة لم تشهد الاستقرار عبر التاريخ …

أمام الروسي والاسرائيلي فرصة واحدة  لتجنب الحرب الإقليمية الطاحنة ، ولعب دور ايجابي في المنطقة هو السعي معا مع بقية الدول الاقليمية والغربية لإخراج ايران ومليشياتها التي تزرع الفوضى في المنطقة ، واحداث انقلاب داخلي يطيح بالأسد وينقل السلطة لجهة جديدة تعلن وقف اطلاق النار وفتح طاولة المفاوضات … وهذا هو الطريق الوحيد لكسب الشعب السوري وتوظيفه في مكافحة التطرف واعادة الاستقرار والسلام للشرق الأوسط … هذا إذا كانوا قد توصلوا لقناعة أن تفتيت المنطقة سيجعلها حاضنة للتطرف والارهاب من كل نوع ومذهب وقومية ، وأن رحيل بشار وعصابته ، وخروج الإيراني هو شرط لمباشرة عملية سياسية تنهي هذه الحرب ، وتسحب البساط من تحت التطرف …

أما لو تغلبت عند الروس والاسرائيليين مشاعر الكراهية للعرب والاسلام على العقلانية السياسية … وهذا مرجح ، فإنهم سيجدون أنفسهم في افغانستان جديدة وكبيرة جدا ، ومتورطين في مواجهة طويلة وقاسية مع شعوب المنطقة التي ستصبح بمجملها مجبرة على احتضان التطرف كوسيلة وحيدة متبقية للدفاع عن النفس ، والتي ستكون نتيجتها لمصلحة الشعوب وليس لمصلحة الاحتلال ، مهما بلغ من قوة ومهما استخدم من أسلحة الإبادة ، خاصة وأن الكثير من الدول القريبة والبعيدة ستقدم الدعم له ليس حبا به ، بل أيضا رغبة في استنزاف روسيا وغيرها.

آعتقد أن روسيا وايران يسعون بجدية لحراسة أمنهم لا أكثر ، و لا أعتقد أن أي سياسي عاقل في روسيا أو اسرائيل يريد ويخطط لحرب على الاسلام والعروبة معا في عقر دارهم وبهذه العلانية … وبالتالي يجب عليه أن يتقدم بمشروع يحترم وجودهم ودينهم وهويتهم … لكي يضمن هو أيضا مصالحه في المنطقة … أما الحماقة بعينها والتي تنبع عن الحقد الأعمى والكراهية العنصرية والدينية فهي القيام بدفع مئات الملايين من البشر للإنغلاق والتعصب والقتال الانتحاري دفاعا عن وجودهم .

وعليه نحن ننتظر لقاء موسكو لنرى أي نوع من السياسيين هم … لأن قناعاتهم وخططهم ستعكس فقط قدرتهم على فهم الواقع ، الذي لن تغيره ارادتهم مهما توهموا من قوة …  فالاسلام والعروبة لن يهزم ويحذف من الوجود … حتى بحرب عالمية نووية . أما الارهاب والتطرف فهو أيضا غير قابل للهزيمة من دون مشاركة المسلمين أنفسهم وقناعتهم بضرره وليس بفائدته ، على هذا الاجتماع سيتحدد مسار أحداث العام القادم : هل سنشهد حربا اقليمية وربما كونية يستخدم فيها السلاح الفتاك والشامل ، أو بداية حلحلة أزمات المنطقة ؟ …

طبعا أهمية اجتماع موسكو تعني ضمنا أن الغرب قد استقال من مسؤولياته والتزاماته في المنطقة بسبب ضعفه وتراجعه وميلان شمسه نحو المغيب ، وقد يكون هذا هو السبب الذي يدفع أوروبا العجوز للانتقام من الدب الروسي الذي ضربها في أوكرانيا ، بتشجيعه على السقوط في الحفرة السورية والدخول  في صراع مع الاسلام لا يخرج منه سالما … وقد تكون وراء التدخل اغراءات عربية أو عبرية في توظيفه منافسا للهيمنة الإيرانية ؟؟؟ …

ترون ! … كم هي معقدة فعلا تلك الصورة التي يبدو عليها الشرق الأوسط هذه الأيام !!!!…

مقال ذو صلة : حقائق هامة وخطيرة عن المشروع النووي الإيراني في سوريا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.