د. كمال اللبواني
دأبت أمريكا على فرض قيود صارمة على تسليح المعارضة السورية خوفا من أن تقع في الأيدي الخطأ .. تقصد التطرف الاسلامي … بينما كان الفارق في التسليح والعتاد بين جيش النظام والثوار يعطي الأرجحية لآيديولوجيا الجهاد القادرة على تعوض الفارق التكنولوجي بالبسالة والشجاعة ، متغلبة على الجيوش المنظمة ، فالفارق الحاسم هو ارادة القتال الطوعية عند كل مقاتل في هذه المجموعات ، بينما تتحرك الجيوش ضمن مؤسسات تنتظر الأوامر من قادة بعيدين يسكنون في مكاتبهم ، وتنفذ فقط ما تراه مضمون النتيجة وقليل الخسائر فالجندي في النهاية هو موظف براتب، ولهذا فالعنصر الأهم في أي حرب هو الأيديولوجيا القادرة على تحريك المقاتلين …
وبعد أن جاء الروس بهذه الصفاقة ، وبعد هذا التخاذل والتواطؤ في التصدي للعدوان السافر على الوجود العربي السني في المنطقة … أضحت أيديولوجيا القاعدة هي الوحيدة القادرة على تفعيل الجهاد الديني في وجه الغزو الهمجي الطائفي الذي يستهدف حياة ووجود عشرات الملايين في بلاد الشام ، وأصبحت دعوة الجهاد العالمية هي التي تحقق الامداد الكافي بالمقاتلين ، و توسع دائرة المعركة لتستنزف الخصم الذي سيضطر لدفع الكثير من المال وتحمل ما لا يقدر عليه من خسائر بشرية نتيجة عدوانه وطمعه الذي يجره للخسارة …
ونظرا لهذه الميزة فمجموع العرب السنة الذين هم ضحايا لهذا العدوان السافر الذي شنه النظام ، ثم ساندته ايران ، والآن جاء دور روسيا … ولأنه لا أحد يأبه لمعاناتهم ، فهم مضطرون للسير خلف القيادة الوحيدة القادرة على ادارة وادامة عمليات المقاومة بعد سقوط المعارضة السياسية الأخلاقي والوطني ، وفشلها الذريع في كل الصعد وابتعادها عن الشارع وولعها في خدمة الأجنبي ، الذي انتظرت تدخله ليحملها للسلطة ، بما فيها الإخوان المسلمين الذين يمثلون بنظر الغرب الجناح المعتدل المقبول .
أيضا بقية الدول المتضررة ، من الحلف الشيعي الشيوعي أصبحت هي الأخرى مضطرة لتقديم الدعم للمجموعات العاملة فعلا على الأرض ، والتي أصبحت في معظمها تسير في ركب التطرف السني بعد خفوت صوت الاعتدال بمقدار الخذلان واليأس …
ولكي تستنزف أمريكا خصومها الذين جذبهم ولع السيطرة وحب النفط والغاز كما جذبها سابقا ، والذين شعروا أن المنطقة فارغة بسبب تخليها العملي عن مساندة حلفائها ، أصبحت هي الأخرى مضطرة لأن تزود هي بنفسها ومن الجو مباشرة الأيدي الخطأ بالسلاح النوعي ، وأن تسمح لبقية الدول بفتح بوابات الدعم الذي وصفه بوتين بالقرار الخطير …
وهكذا وكما يقولون فإن التدخل الروسي قد خلط الأوراق وأطال أمد الصراع ، فلكي يتجنب الغرب اشتباكا مباشرا مع الروس عليهم دعم الثوار الجهاديين ، ومرة أخرى تتحول خطوط أوباما الحمراء لخضراء ، مما يعكس مدى ضحالة وعيه السياسي … وتبخرت أحلام وزيره كيري بجنيف وديمستورا والحل السياسي ، الذي فلقنا به رموز المعارضة ومتشدقيها وسخفاء الدول ، الذين لا يفهمون منطق التعامل مع القتلة والمجرمين من نمرة نظام بشار ونظام خامنئي ونظام بوتين … وأصبح الحسم العسكري هو الحل الوحيد ، والذي جرى تأخيره بكل غباء لمدة خمس سنوات دفع بها المواطن والعالم أفدح الأثمان …
ولكن وبعد حرب ضروس بين الجهاد العالمي وبين الحلف الشيوعي الشيعي ، والذي سينتهي حتما بانتصار من نذر روحه في سبيل دينه وأرضه … واندحار الغزاة والمعتدين …. وعندما يبدأ الروسي بالتراجع سيكون عموم الشرق الأوسط الكبير ممتنا للجهاديين الذين دافعوا عن وجوده وحريته … وهكذا ستكون النتيجة حتما لصالح أعداء أمريكا التي ستصبح متخوفة أكثر من التورط في المنطقة بعد أن لقن الاسلام روسيا والعالم درسا لن ينسى.
كان على أمريكا والعالم أن تتعلم هذا الدرس من دون المرور بهذه التجربة المريرة ، وكان عليها أن تفهم كيف تتعامل مع الشعوب والديانات والثقافات باحترام ومن دون معايير مزدوجة ، وأن تفهم أنه لكي تبقى هي دولة عظمى عليها أن تتصرف كمسؤولة ، وأن تحترم التزماتها وتعهداتها وتحترم القيم التي قامت عليها الحضارة، لا أن توظفها لخدمة مصالحها الخاصة الضيقة والأنانية ، وأن تدرك أن مصلحة أمريكا الأهم هي القانون الانساني العالمي وليس عقود الغاز …
وهكذا تؤدي السياسات الخاطئة لنتائج عكسية ، ويضطر الغبي لدفع ثمن غبائه مرتين .. وهكذا نتعلم من التاريخ أن أدواته لا تكون عادة متناسبة مع غاياته … ونقتنع أكثر وأكثر بأنه لكل زمان دولة ورجال ، أي لكل ظرف أيديولوجيا مناسبة له … ونشعر أن أيديولوجيات الديمقراطية والعلمانية والمدنية قد أصبحت سخيفة بالنسبة لشعب يقتل ويهجر ، ونشاهد تحالف دولي يخوض حربا عالمية على الاسلام ، ونشهد احتدام المعارك والصراع من شرق العالم الاسلامي حتى مغاربه ، ويتركز الآن في قلبه ووسطه … ونشهد سقود الدول والحدود السياسية … وكل هذا هو من أساسيات فكر القاعدة … لذلك نرى أن الظرف السياسي مناسب تماما له ، وأن هذا الزمان هو زمان القاعدة … ليس لأن أهل السنة ارهابيين بتكوينهم ، بل لأن الدول العظمى باغية وحقيرة وبلا أخلاق ولا قيم وبلا عقل ، واضطرتهم للتطرف في مواجهة خطر الفناء ، فأمدهم الاسلام كعادته ببعض من فضله عليهم …