د. كمال اللبواني
بدأت روسيا بتطبيق خطتها الجديدة في سوريا ، والتي تشمل مرحلتين وخيارين :
الأول هو الضغط العسكري والسياسي على المعارضة لاجبارها على قبول ورقة ديمستورا التي صاغها بالتفاهم مع روسيا وأمريكا وايران والتي تشمل بقاء الأسد ولا تتطرق للوجود الإيراني ، ستطبق على مدى ثلاثة أشهر .
إذا فشلت هذه الجهود خلال تلك المدة فالخيار الثاني سيطبق في الثلاث أشهر التالية المتبقية من عهد أوباما وهي ستشمل اتخاذ اجراءات تقسيم نهائية لسوريا عبر اقامة الدولة المفيدة في الساحل والوسط . أي التقسيم والتقاسم وكل واحد وشطارته .
ستشن روسيا من الجو وايران من البر حملة عسكرية واسعة لإجبار الفصائل على الرضوخ للورقة التي أعدها الروس وايران وديمستورا ، تترافق سياسيا بإجبار هيئة الرياض على إجراء تغيير في تركيبها وقرارها ، يشمل طرد الفصائل التي ترفض الورقة التي وافق عليها الائتلاف ويحاول تسويقها بالتدليس وبالتعاون والتنسيق مع حزب الإخوان بكامل تعبيراته السياسية التمويهية (معتمدين على الرعاية التركية و علاقاتهم التاريخية مع النظام الإيراني وارتباطاتهم الاستخباراتية مع أجهزة عالمية ) مع العلم أن معظم أعضاء الهيئة التفاوضية (من دون ممثلي الفصائل) يوافقون عليها ضمنا ، والتي لو انسحبت منها الفصائل لن يبقى فيها غير فلول حزب البعث العربي الاشتراكي وفلول الحزب الشيوعي السوري، والتي اعترضنا بشدة على تركيبتها شكلا ومضمونا عند انشائها لما تحتويه من ألغام ستتفجر تباعا في الوقت المريب .
في صورة هذا الحل ايران تصر على بقاء الأسد شخصيا لوجود برامج سرية مشتركة بينهما منها مشاريع لانتاج أسلحة غير تقليدية ، والروس يفضلون بقاءه، لكنهم لا يمانعون في رحيله إذا ضمنوا بقاء النظام ، بينما تركيا لم تعد تمانع أي حل سياسي في سوريا يضمن لها عدم قيام دويلة كردية . وهذا ما توافقت عليه مع ايران وروسيا ، وأمريكا مستعدة لبيع ورقة الاستقلال الكردية أيضا وتقليصها لفيدرالية محدودة ، في حال نجح الحل السياسي الروسي ، وإن كانت تتوقع فشله وتقسيم سوريا دون أن تظهر هي كمدبر لذلك .
في حال فشلت الحملة العسكرية في إخضاع الفصائل وفرض حل سياسي يبقي سوريا موحدة بقيادة الأسد مع تعديلات دستورية تحولها لدولة مكونات طائفية وعرقية ، ( وهذا أمر وارد جدا بسبب التفوق في الروح المعنوية وارادة القتال لدى المعارضة والشعب السوري) عندها ستعتمد روسيا خطة بديلة هي التقسيم واقامة دولة مفيدة بقيادة الأسد تحت رعاية ايرانية ، و تتغاضى عن هيمنة تركيا الكاملة على حلب وادلب التي ستصبح دولة إخوانية ، وتسهل لأمريكا وألمانيا إعلان دويلة كردية في شمال سوريا . بينما تضم الصحراء السورية لصحراء العراق لتعطى كترضية لدول الخليج العربي ، وتقيم اسرائيل في فيما تبقى من الجنوب منطقة نفوذ خاصة بالتعاون مع الأردن ، يلعب الدروز فيها دورا مميزا إذا فك المهيمنون على قرارهم ارتباطهم بإيران . وبهذا الشكل سيعتبر كل طرف أنه حقق مكاسب … من اقتسام الجبنة السورية . وتضيع فقط على الشعب السوري الذي توزع بين شهيد ومحاصر ومهجر .
أعتقد أن هذا السيناريو هو ما توافقت عليه كل من روسيا وأمريكا ممثلة بادارة أوباما منذ عام 2013 ، وأنه الأقرب للتحقيق من الخيار الأول ، حيث لا تسمح التفاهمات الإيرانية الأمريكية بدخول الجيش النظامي الإيراني للحرب في سوريا بموجب ملحقات الاتفاق النووي بينهما . أما خيار اسقاط الأسد ومحاكمته وطرد المحتل الإيراني ، والحفاظ على وحدة سوريا وهويتها العربية ودولتها المدنية الديمقراطية التي تحترم القيم الاسلامية ( أي خيار الثورة ) فقد أصبح من الخيال بعد التغيرات التي حدثت في الثلاث سنوات الأخيرة ، أي منذ انطلاق مسيرة جنيف التي اديرت خلالها الأحداث لتنتهي بهذه الطريقة المفجعة ، وغدا عندما تصل محطتها الأخيرة سيصدر الروس والأمريكين قرارا بالاعتراف بواقع التقسيم في سوريا ، ويفرضون وقف إطلاق النار دوليا لتثبيت الحدود الفاصلة بين المتحاربين لضرورة حفظ السلام العالمي ، ومنع قيام حرب اقليمية .
العناصر المفتاحية :
- – تخلي هيئة الرياض عن تمثيل الفصائل سيعني فقدانها لعناصر قوتها وشرعيتها ، ويعني نيتها السير في سياق القبول بالأسد ، بينما تستمر الفصائل في القتال بدعم شعبي ، وهذا يعني عمليا ليس نجاح الخيار الأول بل الانتهاء للتقسيم وفقا للخيار الثاني ، وقيام دولة عربية سنية تحدد حدودها قدرة هذه الفصائل على التمسك بالأرض ( الصحراء السورية ) .
- – التحول التركي خطير وقد غير موازين المنطقة ، وأضعف كثيرا الموقف العربي الذي خذل تركيا عموما ، بل تآمر بعضهم عليها . ولا يمكن مطالبة تركيا بسياسة خارجية هجومية وهي تعاني من تعقيدات داخلية كبيرة وتآمر خارجي أكبر . مع العلم أنه لو نجح الانقلاب فيها لكانت الثورة السورية قد خسرت بالضربة القاضية.
- – الروس يتلاعبون بالجميع وهم الرابح الأكبر ، كونهم كانوا خارج اللعبة في الشرق الأوسط واستطاعوا التحول لمهيمن فيها ، كبديل عن الولايات المتحدة المعتلة وأوروبا الهرمة .
- – تحالف روسيا مع ايران استراتيجي وأقوى من كل تحالفاتها الأخرى ، ومن الغباء التعويل على فكه .
- – ايران قبضت ضمانات روسية قبل سماحها باستخدام مجالها الجوي وقواعدها … ولابد أن ذلك يضمن لها السيطرة على سوريا أو قسم منها في حال تقسيمها …
- – الثقة بين روسيا وتركيا مهزوزة والتحالف بينهما ليس أكثر من هدنة وسحابة صيف .
- – تواصل الروس مع المعارضة السورية هو في سياق تأمين فريق من المعارضة يقبل بورقة ديمستورا للحل التي وزعها سرا ، ويتكتم الفرقاء عليها قبل حصول هزيمة عسكرية للمعارضة ، تسمح لهم بعرض شروط الاستسلام للنظام على الشعب السوري.
- – روسيا بالتوافق مع ادارة أوباما ستحسم الوضع في سوريا سياسيا وعسكريا لصالح الأسد عبر فرض الاستسلام على المعارضة العسكرية وما تبقى من معارضة سياسية ، وإذا فشلت ستفرض واقع التقسيم كأمر واقع على الإدارة الأمريكية الجديدة ، والسقف الزمني لهذه الخطة هو ستة أشهر.
- – المشكلة الكبيرة هي في حدود الدولة المفيدة ، هل ستشمل دمشق وحمص وحماه والسويداء ، وهل ستكون علوية كما يدعون أم شيعية ايرانية … بعد أن استخدمت ايران العلويين في مذبحة سورية- سورية لتحقيق مآربها .
- – الدول العربية متضررة استراتيجيا من هذه الخطة ولا بد لها أن تعمل على افشالها
- – اسرائيل متضررة من تحول ايران لدولة عظمى ، وتعتقد أن هذه الخطة الروسية ستنتهي لهيمنة ايرانية مطلقة في الشرق الزوسط ، في حين أن النفوذ الروسي مؤقت وعابر مرتبط بتواجد سلاح الجو ، ولذلك تعتبر من الغباء القبول بنفوذ في الجنوب السوري سرعان ما يزول ، في مقابل تهديد استراتيجي مستمر وخطير راسخ في عموم المنطقة ، لذلك ستناور وتعمل على افشال هذه الخطة ، بانتظار ادارة وقرار أمريكي جديد .
السؤال المطلوب الإجابة عليه هو كيف نحن كسوريين سنعيق ذلك في هذه الستة أشهر القاسية والحاسمة ؟
- – يجب دعم الصمود السياسي للفصائل ودعم تمثيلها في هيئة الرياض ورفض ازاحتها من قيادة التفاوض ، والتأكيد على تمسك الهيئة بشرط موافقة الفصائل والشعب السوري على أي حل ، وعدم التهاون شكلا ومضمونا في ذلك … فهل هذه الهيئة قادرة ومهيئة لذلك ؟ أنا شخصيا لا أثق بقدرتهم على الصمود جملة . فالأغلب أن بعضهم ممن بقي لديهم ضمير حي سيستقيل احتجاجا ، ثم تسير العربة في الطريق الذي شكلت من أجله . فهي عربة تفاوض مع الأسد على بقائه شكلت بنتيجة بيان فيينا لتكون أداة تنفيذه .
- – الضرب بيد من حديد على كل الخونة والعملاء والانتهازيين من مدعي السياسة الذين يشكلون حصان طروادة لتمرير الحل الروسي ، فيتواصلون مع هذا وذاك بصفتهم ممثلي المعارضة ، من دون تفويض ولا تكليف ، لذلك سيكون من الضروري بكل أسف محاكمتهم شخصيا من قبل الجاليات السورية المتواجدة في كل مكان ، والتي يباع ويقسم وطنهم على عينك يا تاجر ، فالقضية تخص عموم الشعب السوري في صميم وجوده ومصالحه وليست مجرد حرية رأي وموقف شخصي ، ومثل ذلك السلوك الشعبي مبرر أخلاقيا وقانونيا . فمن لم يحصل على تفويض من الشعب عليه التزام حده وعدم العبث بالمصالح الوطنية.
- – تأمين الدعم الشعبي والمشاركة الشعبية في القرار السياسي لتحصينه وحصره في جهة واحدة (سعينا مرارا لتكون منتخبة ومراقبة من الشعب ) .
- – تقديم كل أشكال الدعم للفصائل التي تتمسك بأهداف الثورة وترفض المشروع الروسي . وبشكل خاص الحشد الجماهيري وراءها . ودراسة امكانية فرض التجنيد الإلزامي في المناطق المحررة والمخيمات .
- – تأمين شبكة تحالفات مع الدول المتضررة والمتخوفة من التغول الإيراني في المنطقة ، ومحاولة تأمين ما أمكن من العتاد والمساعدات اللوجستية للفصائل العسكرية من هذه الدول ولو كان بطريقة براغماتية تبيحها الضرورة .
- – التواصل مع النخب السياسية الأمريكية لتضييق الخناق على الإدارة الحالية وضمان سلوك سريع ومؤثر للإدارة القادمة، يعيد التوازن للشرق الأوسط .
- – تشجيع التحالف والتعاون التركي العربي لمنع مزيد من التنازلات التركية لإيران وروسيا ، على حساب التراب السوري . والاستمرار بالتواصل مع الحكومة التركية أملا في تثبيتها عند وعودها السابقة ، وتذكيرها بالخيارات الأخرى التي يجب العمل عليها ، وهي حلف اسلامي واسع يغني عن التحالف مع هذا وذاك .
- – الضغط على الروس من قبل العرب والدول الاسلامية وتخييرهم بين التحالف مع ايران أو امعهم . وبشكل خاص في صعيد الاقتصاد .
- – تشجيع اسرائيل على الضغط على الروس للجم دعمهم للإيرانيين … وتشجيع اللوبي المؤثر في أمريكا على انضاج تغيير في الموقف الأمريكي المخزي أيا كان الفريق الفائز . عبر احياء مبادرة السلام العربية .
- – تأمين أكبر حشد وطني للحفاظ على وحدة التراب السوري وفي صعيد كل المكونات . وبشكل خاص عند الوطنيين الكرد والدروز … وتشجيع عودة مكثفة لسكان الجزيرة حتى لو كان تحت حكم قوات سوريا الديمقراطية .
- – الوقوف بشكل حازم في وجه عمليات التغيير الديموغرافي التي يقوم بها الإيراني وحزب الله وحزب البي واى دي .
- – تغيير التكتيكات العسكرية بما يتناسب مع توقي الهجمة الجديدة وبشكل خاص اعتماد حرب العصابات المتحركة ، والاغتيالات داخل المدن …
- – زعزعه أمن واستقرار المدن السورية التي بيد النظام . وبشكل خاص دمشق التي يجب أن يعود النشاط لجبهاتها بدعم عربي فوري وعاجل . فاستقرار الدولة المفيدة يجب أن يكون مستحيلا بشكل عملي .
- – رفض وقف اطلاق النار على أي جبهة ورفض سياسة الهدن في كل الظروف وفي كل المناطق ، واعتبارها خيانة وطنية تستوجب العقاب .
- – توحيد الموقف السياسي للفصائل ، والغاء التمييز بين فصائل اسلامية وجيش حر ، فالكل مستهدف بسبب موقفه السياسي (كإرهابي) ، والكل يدافع عن حياته ودينه ووطنه وشعبه .
إذا مرت الستة أشهر القادمة من دون نجاح الخطة الروسية ، فستكون بداية النهاية للأزمة السورية حيث سيكون خيار الثورة هو الخيار الوحيد الذي فرض نفسه ، واستنزف الجميع ، وسيكون مسعى الدول عندها لتعديلات فيه وعليه ، بعد أن فشلوا في فرض الاستسلام على الشعب السوري العظيم المجاهد … نصره الله وأيده وثبته على طريق الحق والخير والإيمان .
{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }