د. كمال اللبواني
النظام وايران لهم مصلحة حقيقية في تدمير كل المدن السورية السنية وتهجير أهلها ، فهذا معروف وليس مستغربا ، لكن أن يقف العالم متفرجا أو مرحبا بما يحدث في حلب فهو المستغرب خاصة من بعض الدول العربية والاسلامية … وأن تقوم دولة عظمى كروسيا بالمشاركة الفاعلة في ارتكاب جريمة حرب بهذا الحجم دون ردود فعل حقيقية عليها من قبل بقية الدول المتنافسة ، فهذا ما نبحث عن جوابه .
بغض النظر عن تسريبات الإعلام عن احتمال دخول الحرب من قبل أوروبا التي لا تمتلك حتى جهاز شرطة ، وعن مسرحية القرارات المعطلة بالفيتو ، والتي كلها لا تهدف إلا لذر الرماد في العيون والتنصل من المسؤولية الدولية عن تدمير مدينة حلب التاريخية وقتل وتهجير ملايين البشر وبدم بارد ، فإن روسيا تفعل ما تفعل برضى وتواطؤ أو صمت غربي كامل وخاصة أمريكي … فالوزير كيري قد نجح في توريط روسيا بالمستنقع السوري وتكليفها بالمهمة الصعبة أي القضاء على الثورة السورية بعد أن تحولت لثورة اسلامية تتبنى بدرجات مختلفة فلسفة مختلفة عن الأهداف التي انطلقت بها ، وذلك نتيجة سلسلة تحولات فرضتها الظروف ، خرجت بنتيجتها الثورة عن هدفها الأول وهو اسقاط النظام والاستبداد واقامة دولة الحرية والكرامة ، لمحاربة الكفر والصليبية وبقية الشعارات الدينية التي تعتبر أن المسلمين في حالة حرب وجودية مع العالم والتي تتوجها نظرية ابن لادن في ضرورة ضرب الغرب في مفاصله الحيوية وتقويض قوته لكي يتمكن الاسلام من البقاء … حيث بكل أسف عززت الظروف التي مر بها الشعب السوري القناعة بصحتها عند نسبة كبيرة من السوريين ، وهذا ما ساهمت به السياسات الأمريكية والأوروبية ذاتها التي تدافع عن أمنها بقتل الشعب السوري على يد روسيا ، وتسليم سوريا لحزب الله والمليشيات الإيرانية ، لذلك وضمن هكذا سياسة فعلية يجب أن يتوقع الغرب وجود سوريين يردون عليهم بطريقتهم وبذات سويتهم القيمية …
الوحيد الذي نصح بخصوص حلب هو دي مستورا الذي طالب المعارضة بإخراج جبهة النصرة منها ، حيث يعلم أن بوتين سيستمر بقصفها برضى أمريكي وسكوت دولي كي لا تتحول لقندهار أو كابول جديدة بحسب وجهة نظر وتصور الغرب والشرق … لكن المشكلة هي من يأمر هذه الجبهة ، وكذلك اندماجها مع بقية الفصائل وضياع الحدود بينهما ، والمشكلة الثانية والأخطر أن عملية الخروج هي إخلاء لحلب من المقاومة وتسليمها لقمة سائغة لحزب الله وإيران … الذين سيفعلون بها مافعلوه في الفللوجة … وهذا الإشكال يتحمل مسؤوليته المعارضة السورية السياسية التي تلهت في بداية الثورة وامتنعت عن تنظيم صفوفها وعقيدتها وتحصين مقاتليها ، وراحت تلهث وراء الكاميرات في حين تغلغلت الآيديولوجيات الاسلامية بالتدريج واحتلت الساحة بترحيب وتمويل اخواني وخليجي ودعم تركي ، لتصبح هزيمة المنظمات الاسلامية هزيمة للثورة وقضاء على الوجود العربي السني في سوريا … وهذا الخطأ السياسي يتحمل مسؤوليته بشكل عام المجلس الوطني وخليفته الائتلاف ، وبشكل شخصي ثلاثة أشخاص هم برهان غليون ومعاذ الخطيب وأحمد الجربا ، الذين انتهى وتقوض الجيش الحر على زمنهم وأيامهم وهم عنه شاغلون ( بل عليه متواطؤن ) … يضاف اليهم بالطبع من ساندوهم مثل رياض سيف وفاروق طيفور و سهير الأتاسي وميشيل كيلو . وبقية العشرة الذين احتكروا قرار الثورة وما يزالون بحجة الاعتراف الدولي بهم شخصيا .
في يوم ما لا بد من محاكمة مرتكبي ومتسببي جريمة تدمير حلب ، النظام وايران وحلفائهم ، وروسيا وأمريكا والأمم المتحدة ، لكن تلك المحاكمة لن تكون عادلة ما لم تشمل المتسببين من طرفنا أيضا من سياسيين والتي يجب أن تشمل كل هؤلاء جميعا … فما حدث ويحدث يستحق أن تعقد من أجله المحاكم ، لأن الخطأ السياسي هو كالخطأ الطبي يتسبب في قتل ومعاناة الناس ، والعمل في السياسة هو مسؤولية وأمانة تتعلق بمصائر الشعوب ، وليس سياحة وتسلية ولعب أطفال ، فبدل أن ينهال علينا الائتلاف بهذا الكم من البيانات كان عليه أن يسأل نفسه ماذا فعل بالرقة وادلب وحلب بعد حمص وريف دمشق ودرعا وهو المعترف به كممثل شرعي وحيد للشعب السوري أي يتحمل وحده كافة المسؤوليات السياسية التي يستوجب التنصل منها المحاكمة الجنائية .
أن نشتم بوتين ، ونلوم حزب الله شيء واجب وسهل ، لكن أن نعترف بالأخطاء التي يسرت لهم فعل فعلتهم فهذا هو الممنوع في ثقافة التعصب والدوغمائية ، فالسياسة موضوع تفاعلي يقوم على الفعل ورد الفعل ، وموضوعاتها يسأل عنها كلا الطرفين وليس طرف واحد ، ومساهمة المعارضة في تدمير حلب وغيرها لا يجب أن تغفل أيضا .