في أعقاب حملة عسكرية روسية – سورية على محافظة درعا في جنوب سوريا هي الأعنف من نوعها، أجبرت المعارضة على قبول الشروط التي فرضتها موسكو خلال جولات المفاوضات، وكان آخرها يوم الجمعة، حيث حقق النظامان السوري والروسي تقدماً على المعارضة المسلحة في ريف درعا الشرقي، وجرى الاتفاق على تسليم السلاح الثقيل ومعبر نصيب الحدودي مع الأردن إلى الشرطة الروسية وقوات النظام السوري، وتعبئة مقاتلي المعارضة ضمن «الفيلق الخامس» الذي شكلته موسكو لموازنة نفوذ الميليشيات الإيرانية على الأرض، فيما ينتظر ريف درعا الغربي وقرى القنيطرة المحررة القريبة من الحدود من إسرائيل، مفاوضات منفصلة ستحدد مصيرهما، وسط الحديث عن مشروع إسرائيلي لتأسيس منطقة عازلة بعمق 40 كيلومتراً بهدف تأمين حدودها في الجولان المحتل.
المتحدث الإعلامي باسم غرفة العمليات المركزية في الجنوب، حسين أبو شيماء، قال لـ«القدس العربي» ان وفدي التفاوض الروسي والسوري المعارض، اتفقا على وقف إطلاق النار في ريف درعا الشرقي وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط تدريجياً، مقابل انسحاب قوات النظام من أربع قرى هي المسيفرة والسهوة والجيزة والكحيل.
من جهته قال عدنان المسالمة المنسق العام لفريق الأزمة في تسجيل صوتي وصلت نسخة منه إلى «القدس العربي» إن المعارضة توصلت إلى اتفاق مبدئي مع الروس على بقاء ريف درعا الشرقي ضمن منطقة حكم ذاتي مؤقت تحت وصاية روسيا ووجود الشرطة العسكرية على مناطق العبور، وضمانتها لحين الحل السياسي. وأضاف: ستبقى هذه المناطق تحت سيطرتنا وسيطرة المجالس المحلية والهيئات المدنية، وسيمنع دخول قوات النظام السوري إلى المنطقة، مشيراً الى السماح بدخول مؤسسات الدولة للعمل في المنطقة.
كما وافقت المعارضة على تسليم الطريق الحربي الممتد ما بين السويداء ومعبر نصيب، إلى النظام السوري، أما ما يخص قوات الجيش الحر في المنطقة الشرقية من درعا فهي أمام خيارين حسب المصدر، إما «تسوية أوضاعهم» مع انخراط الراغبين في متابعة العمل العسكري في صفوف الفيلق الخامس الذي تقوده روسيا، او الخروج إلى المعقل الأخير للثوار في إدلب، وهي مرحلة سيتم الإعلان عنها بعد الفراغ من تسليم المعارضة للسلاح الثقيل. وأضاف المتحدث إن وقف إطلاق النار في ريف درعا الشرقي تم العمل به منذ بدء العملية التفاوضية ظهر يوم الجمعة، كما أنه من المفترض حسب الاتفاقية أن يتبعه تسليم السلاح الثقيل ثم المتوسط.
وقال، الناطق الرسمي باسم «غرفة العمليات المركزية في الجنوب» إبراهيم الجباوي لـ«القدس العربي»: «المرحلة الأولى لتسليم مواقع المعارضة وسلاحها، تشمل، من حدود السويداء إلى معبر نصيب، وهي قد تمت أمس. المرحلة الثانية تشمل من نصيب حتى تل شهاب، يمكن أن تتم اليوم أو غداً، المرحلة الثالثة من تل شهاب باتجاه الشمال حتى حدود مدينة نينوى، ستحصل في الأيام المقبلة».
وحول ما نص عليه الاتفاق من أن روسيا ستضمن عودة النازحين الذين خرجوا من درعا نتيجة قصف النظام، أوضح أن المعارضة: «لا تثق بروسيا، روسيا قاتلة محتلة مجرمة، لا يمكن الوثوق بها، ولكن لا خيار أمام المعارضة أما أن أقتلكم أو أن تستسلموا».
وحمّل الجباوي مسؤولية ما حدث للولايات المتحدة الأمريكية، «هي التي كانت ترعى الجبهة الجنوبية وهي التي غررت بها وخدعتها، وكذلك لإسرائيل التي تآمرت عليها بعد أن أخذت الثمن من بشار الأسد، وكذلك، روسيا التي كانت أداة تنفيذية وهي قوة احتلال مجرمة».
وكالة النظام السوري الرسمية «سانا» أعلنت رفع علمه فوق معبر نصيب الحدودي في ريف درعا الجنوبي على الحدود مع الأردن. من جانبه أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس تنفيذ «الطائرات السورية والروسية أكثر من 600 ضربة جوية بين غارات وقصف بالبراميل المتفجرة منذ ليل أول أمس، واستهدفت بشكل خاص بلدات الطيبة والنعيمة وصيدا وأم المياذن واليادودة الواقعة في محيط مدينة درعا قرب الحدود الأردنية».
العميد أحمد الرحال قال لـ «القدس العربي» إن ما حصل في الجنوب السوري كان معركة مختلفة، فيها فوارق عسكرية واختلال في توازن القوى، وخاصة بعد الغطاء الذي حصلت عليه موسكو، بتعاونها مع تل أبيب وواشنطن، معرباً عن وجود اتفاق دولي لإعادة الجنوب للأسد، وإعادة سيطرته على كامل المنطقة.
وفيما يخص المنطقة المتبقية من محافظة درعا قال الرحال هناك اتفاقيات دولية وعلى الأرض، حشود عسكرية للنظام السوري وإيران، وتغطية جوية من المقاتلات الروسية، مما يجعل الخيارات أمام المعارضة ضيقة، وتتمحور حول «الموت أو الاستسلام». ما يتوجب اليوم عمله وفق رؤية العميد الرحال، هو البحث عن مخرج، وليس عناداً باستمرار القتال، خاصة أن الخيارات المقدمة يتساوى فيها الموت مع الاستسلام.
وينقل استراتيجيون غربيون وأردنيون عن قيادات سورية الإشارة إلى أن «استعادة وتحرير الجنوب» سيعني لاحقاً الانتقال لمستوى التوسيع الجغرافي لرقعة ما يسمى بمعسكر «المقاومة والممانعة» في ظل تقارير أردنية مغلقة عن مشاركة «خفية» تم رصدها لمستشارين من حزب الله اللبناني في العمليات العسكرية في درعا خلافاً للشرط المتفق عليه بين الأردن وروسيا، حيث ينتظر ريف درعا الغربي وقرى القنيطرة مفاوضات منفصلة، بحسب خبراء ومحللين، وسط الحديث عن مشروع إسرائيلي لتأسيس منطقة عازلة بعمق كيلومترات عدة لتأمين حدود الجولان.
القدس العربي