كما كان متوقعاً، تصدر ملف محافظة إدلب شمالي سوريا، مباحثات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، التي جرت في أنقرة أمس. وكشفت تفاصيل جديدة عن رؤية البلدين لمستقبل المحافظة التي باتت أمام سيناريوهات عدة، يطغى على أغلبها الخيار العسكري.
وعلى الرغم من عدم احتواء تصريحات الوزيرين على مفاجآت جديدة، إلا أن تأكيدهما على بعض النقاط وبشكل مباشر في هذه المرحلة، كشف المواقف النهائية للبلدين حول مستقبل المحافظة التي باتت الملف الأبرز على أجندة روسيا والنظام السوري الذي يهدد بالسيطرة عليها، وبدأ فعلياً هجوما عسكرياً على أطرافها أوقع في الأيام الأخيرة عشرات القتلى والجرحى.
أبرز ما أكد عليه أوغلو ولافروف هو «وجود تنظيمات إرهابية في إدلب يجب محاربتها»، وأن اتفاق أستانة ونقاط المراقبة التركية مهمتها «تحديد الإرهابيين وتحييدهم»، وهو ما يؤكد على وجود توافق تركي روسي على إنهاء وجود هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقاً – ولكن الاختلاف الوحيد بين الجانبين حول الآلية التي يتوجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف.
فبينما تدعم روسيا تحركاً عسكرياً كبيراً نحو إدلب بحجة القضاء على هيئة تحرير الشام التي تتهمها بتنفيذ هجمات من إدلب، لا سيما من خلال الطائرات بدون طيار، تسعى تركيا لحل سلمي أو عمليات عسكرية محدودة، وهو ما دفع أوغلو، الثلاثاء، للتحذير من أن «قصف إدلب بذريعة وجود إرهابيين يعني ارتكاب مجزرة».
وفيما اعتبر الوزير التركي في تصريحات غير مسبوقة من حيث الوضوح أن «المجاميع الإرهابية تشكل تهديداً ليس فقط على المدنيين في إدلب، بل حتى على فصائل المعارضة أيضاً»، كشف أن «ما ينبغي القيام به بسيط للغاية، وهو القيام بعمل استراتيجي مع روسيا بمشاركة أجهزة استخبارات، والقوات العسكرية من البلدين، والشركاء لتحديد الإرهابيين وتحييدهم».
وفي إشارة روسية واضحة أيضاً، أكد لافروف أن «المحافظة أدرجت ضمن مناطق خفض التصعيد وفق شروط معينة»، لافتاً إلى أنه «وفق هذه الشروط فإن وقف إطلاق النار لا يشمل الإرهابيين، وعليه فإن الجماعات المسلحة الراغبة في البقاء خارج هذا التصنيف عليها أن تفصل نفسها عنهم»، مشدداً على أن «أهم أهداف روسيا في سوريا القضاء على جبهة النصرة».
وكان لافتاً أن تركيا لم تعاود الحديث عن انسحابها من مباحثات أستانة في حال تم شن عملية عسكرية على إدلب، وهذا مؤشر على خيارات أنقرة الضيقة في ظل الظرف الحالي الذي تمر به، وفق رؤية الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، الذي قال إنه وبالرغم من المصالح التركية الواسعة في منطقة خفض التصعيد الرابعة من حماية وتأمين العمق الأمني لعمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات إلى تأمين منطقة جغرافية مستقرة إلى ضمان أمن الحدود، ورغم ذلك إلا أن الضغوط الروسية – الإيرانية قد تدفع تركيا لتقديم تنازلات بما يؤدي لتسوية ملف الشمال السوري ضمن حد أدنى من التفاهمات لا يتم فيه تجاوز مصالح أنقرة.
وأشار المحلل السياسي إبراهيم الجباوي إلى قدرة أنقرة على التغلب على المهمة الأصعب في مسألة «النصرة» عبر إبعاد «الأغراب في الجبهة، مما سيسهل اجتثاثها حيث أن أغلب أعضائها من السوريين غير المؤدلجين وقد انضموا إليها عاطفياً او للحاجة»، لافتاً إلى أن من مصلحة روسيا الحفاظ على تحالفها مع أنقرة، حيث استبعد الجباوي أن تقامر موسكو بتحالفها مع تركيا «التي ابتعدت عن الناتو لأجل هذا التحالف فيما لو وافقت روسيا لجنود الأسد والميليشيات باقتحام إدلب مع النقاط التركية».
من جهة أخرى أعلنت الشرطة العسكرية الروسية في سوريا أمس عن إنشائها أربع نقاط أمنية عند حدود المنطقة منزوعة السلاح في الجولان جنوب سوريا. وأكد قائد القوة، الفريق سيرغي كورالينكو، للصحافيين أن نقطتين أخريين سوف تقامان في المنطقة في القريب العاجل، وقد يصل عددها الإجمالي إلى ثماني نقاط إذا اقتضى الأمر، مشيراً إلى أن هذه النقاط تقع وراء «خط برافو»، ولن تنشئ الشرطة العسكرية الروسية نقاطاً داخل المنطقة منزوعة السلاح في الجولان الفاصلة بين القوات السورية والإسرائيلية، وذلك حسب ما ذكر موقع «روسيا اليوم».
وتعهد الضابط رفيع المستوى بأن الشرطة العسكرية الروسية سوف تسلم هذه النقاط إلى الجيش السوري فور عودة قوات حفظ السلام الأممية إلى عملها في المنطقة. وشدد الفريق على أن العسكريين الروس يقدمون جميع أنواع الدعم إلى بعثة حفظ السلام الأممية كي يرفرف علم المنظمة العالمية فوق جميع نقاط قوات حفظ السلام في الجولان، ولكي تتمكن البعثة الأممية من استئناف عملها في كامل النطاق.
القدس العربي