دخلت العمليات العسكرية عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، آخر معاقل تنظيم «الدولة» شهرها الثاني على التوالي، حيث تتواصل معارك كر وفر بين تنظيم الدولة من جهة و قوات سوريا الديمقراطية «قسد» الذراع الامريكية من جهة أخرى، اذ برز تطور لافت في سير المعارك بعد أن دفع التحالف الدولي بـحوالي 500 جندي و15 عربة همر برفقة سيارات محملة بالذخائر والمعدات، خرجوا من قواعدهم نحو الجبهات وخطوط التماس مع التنظيم، تزامناً مع القتال العنيف الدائر في المنطقة، والذي يترافق مع استهدافات متبادلة على محاور القتال، حيث شهدت تفجير التنظيم لعدد من العربات المفخخة والأحزمة الناسفة، فيما وردت معلومات أولية عن مزيد من الأسرى من قوات سوريا الديمقراطية ممن فقد الاتصال بهم في الهجمات المعاكسة للتنظيم على المنطقة.
وقالت مصادر محلية إن جنوداً وعربات عسكرية والذخائر دخلت من معبر «سيمالكا» الحدودي مع العراق، واتجهت إلى القاعدتين العسكريتين في حقلي التنك والعمر النفطيين في ريف دير الزور، ومن ثم توجهت إلى القاعدة اللوجستية الحديثة قرب هجين شرقي دير الزور.
اشتباكات عنيفة
الاشتباكات العنيفة بين قوات «قسد» التي تشكل وحدات حماية الشعب عمودها الفقري، وتنظيم «الدولة» لا تزال مستمرة منذ فجر الأربعاء في محاولة من كل طرف لتحقيق تقدم على حساب الآخر، حيث أكد المرصد السوري لحقوق أن القتال شهد وتيرة عنف غير مسبوق منذ تاريخ بدء الحملة العسكرية من قبل قوات سوريا الديمقراطية والتحالف ضد الجيب الأخير للتنظيم في المنطقة، فيما تصاعدت وتيرة عنف المعارك وازدادت كثافة القصف بشكل كبير جعلهما أعنف اشتباكات وقصف في شرق الفرات منذ أكثر من شهر. مشيراً إلى ان التحالف الدولي و»قسد» أطلقا أكثر من 100 صاروخ يعتقد أنها من نوع أرض – أرض، وأكثر من 500 قذيفة مدفعية وصاروخية، استهدفت جميعها مناطق سيطرة تنظيم «الدولة» ومواقعه في الجيب الأخير عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، بالتزامن مع غارات متتالية نفذتها الطائرات الحربية على المناطق ذاتها، وسط قتال مستمر واستهدافات على محاور القتال تسببت في سقوط مزيد من الخسائر البشرية في صفوف الطرفين.
900 «جهادي» أجنبي ينتمون لـ40 دولة من التنظيم في قبضة «قسد»
وتستنفر الوحدات الكردية في معارك الوجود، من اجل فرض سيطرتها وانتزاع ما خسرته في اطار عملياتها الرامية إلى القضاء على آخر معقل للتنظيم شرق الفرات، حيث توجه اكثر من 150 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية، إلى جبهات القتال صباح أمس ، فيما رصد المرصد السوري مرور 3 سيارات إسعاف قادمة من جبهات القتال نحو المراكز الطبية، و6 عربات همر وعربتين عسكريتين محملتين بالذخيرة، حيث لا يزال هذا التنظيم ينشط في بقية المناطق خارج الجيب هذا، على شكل خلايا نائمة تعمد لتنفيذ التفجيرات والاغتيالات وإحداث فوضى وفلتان أمني في المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد»، فيما جاءت العملية العسكرية هذه بعد أسابيع من عمليات تحضير تمثلت باستقدام آلاف المقاتلين من قبل «قسد» والتحالف إلى محيط الجيب الخاضع لسيطرة التنظيم، والذي كان يتألف من بلدات هجين والسوسة والشعفة والباغوز وقرى المراشدة وأم حسن والشجلة والبوبدران، والمناطق التي تصل بين هذه البلدات والقرى الواقعة عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، في القطاع الشرقي من ريف دير الزور، بالإضافة لاستقدام تعزيزات عسكرية ضخمة من عربات مدرعة ودبابات وآليات ثقيلة وجرافات ورشاشات ثقيلة وصواريخ وذخيرة ومعدات لوجستية، دخلت على متن شاحنات إلى الأراضي السورية وجرى نقلها إلى محيط الجيب هذا.
خريطة السيطرة
وحسب خريطة السيطرة الحالية انقسمت دير الزور إلى مناطق سيطرة التحالف الدولي بقيادة الأمريكيين تقع فعلياً تحت سيطرة «قسد» على الأرض، التي تحاول بناء شكل ما للحوكمة المدنية وخلق قيادة مدنية للمناطق من الشخصيات الموالية لها ومن الشخصيات العشائرية والوجهاء التي تظن «قسد» ومن خلفها التحالف أن لهم تأثير على الأرض وبالتالي تعمل على دعمهم.
هذه القوى تلقى حسب مركز شرق للدراسات شكلاً من القبول لدى بعض الشارع الموجود وذلك كونها لا تتبع بشكل مباشر أو ربما غير مباشر لنظام الأسد ومع ذلك هناك توجس من علاقتها بت»قسد».
على الضفة المقابلة لنهر الفرات يسيطر نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون على المنطقة بما فيها مركز مدينة دير الزور والتي يحاول النظام أيضاً إيجاد نوع من الإدارة المحلية للمنطقة لكن بالاعتماد على مؤيديه والذين بقوا على تأييدهم لنظام الأسد رغم مرور سني الثورة وانتقلوا إلى مناطق سيطرته وتابعوا عملهم هناك وهم الآن يعودون كقادة للمنطقة.
وترجح المصادر مقتل نحو 18 عنصراً من مقاتلي التنظيم خلال الـ24 ساعة الفائتة، بالإضافة لـ10 على الأقل من قوات سوريا الديمقراطية ممن قضوا في القتال ذاته، لترتفع خسائر التنظيم إلى نحو 285 على الأقل من مقاتلي وقادة «الدولة»، ممن قتلوا في الاشتباكات الجارية، وضربات التحالف الدولي وقسد، وفي المقابل ارتفعت خسائر ميليشيا الوحدات الكردية حسب المرصد السوري إلى 149 على الأقل، أحدهم قيادي ميداني في مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية، وذلك منذ بدء العمليات العسكرية في العاشر من شهر أيلول/سبتمبر الفائت، ولا تزال أعداد من قتلوا وقضوا مرشحة للارتفاع بسبب وجود معلومات عن خسائر بشرية أخرى وجود جرحى بحالات خطرة.
ونشر المرصد السوري قبل ساعات أن الهجوم تسبب في مصرع ما لا يقل عن 10 من عناصر قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة لأسر التنظيم لما لا يقل عن 35 من قوات قسد وفرار العشرات من خطوط التماس نتيجة الهجوم العنيف، الذي أدى لنفاد ذخيرتهم، بالإضافة لعدم مساندتهم من قبل الطائرات الحربية وقوات المدفعية نتيجة تزامن الهجوم على أكثر من محور من قبل التنظيم، ومؤازرة الطائرات التابعة للتحالف الدولي لمواقع دون الأخرى.
900 «جهادي»
وارتفع عدد الجهاديين الأجانب من تنظيم الدولة الموقوفين لدى أكراد سوريا إلى نحو 900 عنصر يتحدرون من أكثر من أربعين دولة، وفق ما أفاد متحدث باسم وحدات حماية الشعب لوكالة فرانس برس الخميس حسب «أ ف ب».
واعتقلت الوحدات الكردية، أبرز مكونات قوات سوريا الديموقراطية، خلال هجمات نفذتها بدعم من التحالف الدولي بقيادة أمريكية، آلاف الجهاديين من أجانب وسوريين. وغالباً ما يُحتجز المشتبه بهم في سجون للرجال بينما تودع النساء مع الأطفال مخيمات خاصة. وقال المتحدث باسم الوحدات نوري محمود إن «حوالى 900 مقاتل ارهابي داعشي موجودون في معتقلاتنا (…) من نحو 44 دولة» كما اكدت الوكالة الفرنسية «أ ف ب».
وكانت حصيلة سابقة للإدارة الذاتية الكردية الشهر الماضي أفادت باحتجاز 520 جهادياً أجنبياً من التنظيم. وأوضح محمود أن «الحرب ضد داعش مستمرة، ولا نزال حتى الآن نلقي القبض على إرهابيي» التنظيم، لافتاً إلى أن «الأعداد التي ازدادت كانت خلال الأشهر الأخيرة من المعارك بين قواتنا وداعش». وتؤوي مخيمات مخصّصة لعائلات الجهاديين أكثر من 500 امرأة مع نحو 1200 طفل، وفق مسؤولين محليين. ويُشكل اعتقال مقاتلين أجانب مع أفراد من عائلاتهم عبئاً عليها، مع رفض العديد من الدول تسلم مواطنيها الذين التحقوا خلال سنوات النزاع السوري بالتنظيم الجهادي. وتطالب الإدارة الذاتية الدول التي يتحدر منها جهاديو التنظيم بتسلم مواطنيها ومحاكمتهم لديها. وقال محمود «غالبية الدول تتهرّب من المسؤولية، ويرفضون أخذ الإرهابيين الدواعش إلى بلدانهم».
وخلال الأشهر السابقة، تسلمت دول عدة بينها الولايات المتحدة وروسيا والسودان وإندونيسيا أفراد عائلات جهاديين، وفق ما يقول مسؤول هيئة الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر لفرانس برس. وبين أشهر المعتقلين لدى الأكراد، ألكسندر امون كوتي والشافعي الشيخ، وهما الناجيان الوحيدان من وحدة ضمت أربعة مقاتلين مارست التعذيب بحق صحافيين وآخرين اضافة إلى قطع الرؤوس. وأطلقت عليهم تسمية «البيتلز» كونهم بريطانيين. وبعد طرد التنظيم من الرقة، تم اعتقال فرنسيين عديدين بينهم أدريان غيهال واميلي كونيغ وتوماس بارنوان. وفيما لا يزال مصير الأجانب المعتقلين في سوريا مجهولاً مع رفض الإدارة الكردية محاكمتهم لديها، حكمت محاكم بغداد منذ مطلع العام الحالي، على أكثر من 300 جهادي، بينهم مئة أجنبي بالإعدام أو السجن المؤبد.
القدس العربي