د.كمال اللبواني
نعم بكل تأكيد استراتيجية ايران الطويلة الأمد التي طبقتها للسيطرة على الشرق الأوسط قد حققت العديد من الانتصارات في العراق ولبنان وسوريا واليمن وهي في طريقها لتحقيق المزيد ، وهي وإن أصبحت في مواجهة علنية مع اسرائيل ، لكن ذلك حدث في وقت متأخر جدا كانت فيه امريكا تقدم الهدية تلو الهدية لإيران ، واسرائيل تنام عميقاً على سكرة القوة وصراع الأعداء فيما بينهم . وصولاً لتسليم ايران ومليشياتها معظم المناطق المحررة في سوريا تحت عنوان المصالحات مع النظام ، وحجة دفع الروس للتخلي عن ايران ، والتي انكشفت أخيراً بفشل الاجتماع الأمني الثلاثي في القدس ، حيث تبين بشكل جلي مدى تماسك الحلف الذي تقوده ايران وتشارك فيه روسيا والنظام السوري . حيث فشلت كل المحاولات المتذاكية قصيرة النظر التي جرت لشق الصف فيما بينهم على حساب دماء الشعب السوري وحريته .
إن التردد والضعف الذي يبديه الغرب خاصة أوروبا ، وانعدام الرؤية البعيدة التي تصيب حكام اسرائيل المحكومين بدوافع ومصالح شخصية وحسابات داخلية صغيرة ، هي من سمحت بتفاقم الخطر الإيراني ووصوله لهذه الدرجة التي تستوجب الحرب والمواجهات أو الضغوط الاقتصادية القاتلة التي يمكنها أن تكون سبباً للحرب ، فالغرب ليس هو من يصعد عسكرياً ، انها ايران التي تريد هذا التصعيد بل تستفز الغرب لتجره إليه ، مستغلة خوف الغرب واسرائيل من الحرب أي حرب ، وخوف العرب من استخدام الحرب كوسيلة ابتزاز مالي ، وبعد ذلك رغبة ايران في استخدام ذعر دول الخليج هذا للضغط بطريقة أو أخرى على أمريكا لتخفيف التوتر عبر تخفيف العقوبات ، وهو الشرط الوحيد الذي تضعه ايران للعودة لطاولة المفاوضات ، لأنها سوف تستطيع تحمل الضغوط إذا ما خففت هذه العقوبات ، وتستطيع تمديد أمد التفاوض حتى تتغير الظروف السياسية في الولايات المتحدة وحتى في اسرائيل ، فتنسحب من التفاوض وتعلن عن سلاحها النووي بذات الوقت ، ليس ضرورياً أن تصنعه هي بامكانياتها ، بل يمكنها الحصول على مساعدات نوعية من حلفائها سراً .
الصين تقف خلف ايران ، وروسيا حليفة الصين وذراعها العسكري لتقليص النفوذ الغربي ، وايران أداة روسيا الفعالة في الشرق الأوسط لكونها تزعزع استقرار المنطقة ، وهي ترسل جنودها وميليشياتها على الأرض بحيث لا تغرق روسيا في مستنقع الرمال المتحركة ، ايران فوق ذلك تمتلك تحالفاً بنيوياً مع تنظيم الإخوان المسلمين حيث بني النظام الإيراني على فكر البنا وسيد قطب التنظيمي ، وكلاهما ( ايران والإخوان ) يستخدمان الدين لخدمة السياسة ، أي هما لا يقيمان اعتباراً للمذهب ولا يمنع خلاف المذاهب من تحالفهم البراغماتي ، وكلاهما يتغطيان بالدين وشعار القدس للوصول للسلطة المطلقة التي تتيح لهم السيطرة على الثروة … وهكذا تشكل تحالف حماس وحزب الله وصار نموذجاً لتحالف واسع يشمل دول المنطقة بما فيها تركيا وقطر حديثاً … ومرشح ليمد سيطرته على كامل سوريا ويهدد الأردن ومصر .
فالإخوان يسيطرون على المعارضة السورية وايران تمسك برقبة النظام السوري ومناطقه ، وهما على تواصل وتوافق وأي حل سياسي في سوريا فسيكون تجسيداً وإعلاناً لهذا الحلف والشراكة . وكل العالم يدفع لنجاحهم بالسيطرة المطلقة على سوريا تحت عنوان الحل السياسي ، بينما تتحالف حماس الفلسطينية مع إخوان الأردن وتحضران معاً لإسقاط النظام وحكم الأردن والضفة كرد ستقوم به ايران فور استهدافها أمريكياً وخليجياً .
ايران ضعيفة اقتصادياً نعم ، لكن الصين لن تتخلى عنها ، وايران تمتلك نفوذاً وتأثيراً على الكثير من منظمات التطرف والإرهاب التي تستخدمها في تنفيذ أجنداتها … وبذلك سوف تحاول كسر الحصار باستخدامها ، مما سيستوجب الرد ، والذي قد ينتهي بتورط أمريكا في حرب ، وهذا ما تسعى اليه اسرائيل أيضاً … فالمخرج الوحيد الذي سيمنع ايران من السيطرة على كامل الشرق الأوسط ومحاصرة اسرائيل من كل الجهات ، هو التدخل العسكري الأمريكي لاسقاط نظامها ، اسرائيل لم تكن راضية عن ضربات أمريكية انتقامية محدودة ، تريد وضع استراتيجية لتغيير النظام ، وبغياب تلك الاستراتيجية (لعوامل كثيرة منها اقتصادي ) ، فإن ايران تبدو منتصرة في صراعها … واسرائيل ستكون مضطرة للدفاع والتراجع ، كونها لن تربح أي حرب منفردة مع ايران من دون استخدام السلاح النووي الذي ايران على وشك امتلاكه .
اسرائيل محاصرة بالوقت (ستة أشهر أو سنة على الأكثر) لكي تتخلص من الخطر الإيراني ، لكنها بعدذلك لن تكون قادرة لسببين: قوة ايران المتنامية وتطويرها لمنظومات السلاح بما فيها الاستراتيجية والدمار الشامل ، وعدم ضمان وجود ادارة أمريكية تقبل التورط في حروب في الشرق الأوسط . وستضطر اسرائيل بعد ذلك الوقت لعقد صفقة مع ايران بشروط ايران ، وهذا ما بدأ عدد من السياسيين في إسرائيل في التفكير فيه ، بعد أن سبقهم سياسيون أوروبيون وأمريكيون لفعله ، فجاءت ادارة ترامب وألغته بشكل مؤقت فقط ، وبنتيجة جهد اسرائيلي هائل قد لا يكون كافياً لدفع ادارة ترامب للحرب خاصة إذا ما ازداد التخوف من حصول احتكاك روسي أمريكي فيها .
لا أحد يستطيع توقع ما ستحمله الأشهر القادمة ، فكل الحسابات متقاربة ، والعوامل كثيرة ومتنوعة فهل تنجح العقوبات الاقتصادية والرفض الشعبي الإيراني كما يحلم ترمب ، أم تبالغ ايران في استفزازها وتشعل الحرب وتقدم هذه الخدمة لاسرائيل ، يبدو لي أن عمليات استخباراتية نوعية هي من ستحدد اتجاه الأحداث وليس قرارات السياسيين الكبار … كما حدث في عملية اسقاط الطائرة الأمريكية في الخليج.