د.كمال اللبواني
ناهيك عن اصطفاف إيران لجانب روسيا والصين التي تهدف لتقويض الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط ضمن سباق التنافس الذي لايرحم بين اقتصاد الصين واقتصاد الغرب، بين فكر اقتصادي سياسي شمولي احتكاري، وفكر اقتصادي سياسي ديموقراطي ليبرالي، فالصين تستطيع بسهولة تحقيق تفوق اقتصادي على اقتصادات العالم الحر بسبب اعتمادها على خليط من الشيوعية ورأسمالية الدولة الاحتكارية، وتستغل العمال بشكل مجحف، لتعرض بضائع رخيصة منافسة، تحطم اقتصادات العالم الحر التي تلتزم بواجبات ومعايير أساسية تتعلق بمجتمعاتها، حيث يبدو استراتيجيا أن التوازن القلق الراهن بين الغرب والشرق مرشح للحسم تبعا لموقع الشرق الأوسط منه، فالهيمنة عليه من قبل أحد الطرفين هو من سيرجح الكفة لصالحه، أي أن هيمنة إيران ومحور المقاومة على الشرق الأوسط الكبير، وهذا قريب التحقق إذا لم يتم التدخل الفعال فوراً، ستعني بدء تقويض الحضارة الغربية الليبرالية الديموقراطية ومنظومة الحقوق التي طورتها.
إن السياسيين الغربيين (قصيري النظر) الذين يفكرون فقط بتحصيل منافع اقتصادية سريعة تخدمهم في صناديق الاقتراع، يضحّون بمستقبل بلدانهم وشعوبهم، ويعطّلون إدراك أوروبا لخطر التمدد الإيراني وتشاركه المصالح مع الصين وروسيا، وتعاونه مع الإرهاب الإسلامي واستخدامه له، وتحالفه الواسع مع بقية الدول الإسلامية، ومسعاهم جميعاً للحصول على أسلحة متطورة بما فيها أسلحة الدمار الشامل، والذي من شأنه أن يجعل من الشرق الأوسط مكاناً محظوراً على المصالح الغربية، مما سيغيّر بشكل حاسم ميزان القوى في العالم لصالح الشرق، بالنظر لإمكانات ولامتداد الشرق الأوسط الجغرافي، ولكونه بوابة أسيا وأفريقيا وحتى أمريكا الجنوبية … وقد سبق لأمريكا في عهد أوباما ارتكاب ذات الخطأ الذي يحاول ترامب تصحيحه بدفع اسرائيلي واضح، فاسرائيل هي أول من وعت وبشكل متأخر أيضا (بسبب نومها على سياسة بن غوريون) مقدار تنامي الخطر الذي يحاصرها بفعل مخططات النظام الإيراني المتحالف مع الإخوان كزعماء للإسلام السياسي في عموم المنطقة، وسعيه لزعزعة الاستقرار فيه لقضمه والسيطرة عليه .
إن إنخراط أوروبا في سياسة اضعاف إيران وإخراجها أولاً من سوريا ثم لبنان والعراق، وتحجيم دور الإخوان السياسي، وتحجيم الهيمنة الروسية التي تعتمد عليه، هو الخيار الاستراتيجي الصحيح، وغير ذلك سيكون ثمنه باهظاً على أوروبا أمنياً واقتصادياً وديموغرافياً … وكل سياسة لا تراعي هذه المخاطر هي سياسة غبية يتمسك بها الضعفاء الذين لا ينظرون للمصالح البعيدة لبلدانهم بل فقط لصناديق الاقتراع المحكومة بمقدار الدخل المادي الشهري للناخبين. وهذا عيب في النظام الديموقراطي يجب تصحيحه أيضاً.