رفضت ألمانيا اليوم الاثنين دعوة وجهتها الولايات المتحدة لإرسال قوات برية إلى سوريا في موقف من المرجح أن يغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يريد من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الالتزام بدور عسكري أكبر في الشرق الأوسط.
وقال شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية خلال مؤتمر صحفي اعتيادي “عندما أقول إن رؤية الحكومة هي الالتزام بالإجراءات الحالية في التحالف (العسكري) ضد الدولة فهذا لا يشمل قوات برية كما هو معروف”.
وأكّد المتحدث باسم الحكومة خلال لقاء إعلامي دوريّ “عندما أقول إنّ الحكومة الألمانية تنوي الابقاء على مشاركتها في التحالف ضد تنظيم الدولة الاسلامية، فإن ذلك كما ندرك، لا يشمل قوات برية”.
وكانت واشنطن طلبت الأحد من برلين عبر الممثل الخاص الأميركي لسوريا جايمس جيفري توفير قوات برية وطلبت ردا سريعا.
وقال جيفري الذي يزور برلين “نبحث هنا (في ألمانيا) ولدى شركاء آخرين في التحالف عن متطوعين على استعداد للانخراط” في العملية. وقال الناطق باسم الحكومة الالمانية ردا على ذلك “منذ عدة سنوات، تقدم ألمانيا مساهمة مهمة ومعترف بها في المستوى الدولي في التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية”. وتتمثل المساهمة الألمانية في التحالف أساسا في طلعات استطلاع جوي وتدريب لقوات عراقية.
وكان الممثل الأميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري قد قال لصحيفة “دي فيلت” الألمانية “نريد من ألمانيا قوات برية لتحل محل جزء من جنودنا” المنتشرين في إطار مهمة دولية لمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة. وكان جيفري زار برلين لإجراء محادثات بهذا الشأن.
وقال جيفري إنه ينتظر ردا قريبا، وأضاف أن واشنطن تبحث “هنا (في ألمانيا) ولدى الشركاء الآخرين في التحالف” الدولي ضد تنظيم “داعش” الذي يشمل ثمانين بلدا، عن “متطوعين مستعدين للمشاركة”.
وتعول واشنطن على أوروبا لمنع عودة تنظيم “الدولة” الإرهابي، أي بريطانيا وفرنسا والآن ألمانيا التي تقتصر مشاركتها في التحالف الدولي على طائرات استطلاع “تورنادو” وطائرة للتزويد بالوقود في الجو ومدربين في العراق. لكن مسألة نشر جنود على الأرض بالغة الحساسية في ألمانيا الشديدة التمسك بثقافتها السلمية، والتي لم تسمح بإرسال جنود إلى مناطق نزاعات في الخارج إلا اعتبارا من عام 1994
بيد أن ألمانيا أكدت على لسان متحدثها زايبرت “نحن الآن بصدد التباحث مع حلفائنا الاميركيين حول الطريقة التي يجب ان يستمر بها الالتزام في المنطقة”. وتنتهي ولاية المشاركة الالمانية في سوريا نهاية تشرين الاول/اكتوبر 2019. ويتعين إثر ذلك أن يقرر البرلمان مستقبل هذه المشاركة.
وأثار الطلب الاميركي جدلا داخل الائتلاف الحاكم في المانيا. وفي حين أدى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركل انفتاحه على بحث الأمر، رفض حليفه الاشتراكي الديمقراطي قطعيا الخوض في المسألة. ورفض تورستن شيفرـ غومبل، عضو الهيئة الرئاسية الثلاثية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك الثاني في الائتلاف الحاكم في برلين ما طلبه الممثل الأمريكي الخاص لسوريا جيمس جيفري من ألمانيا بشأن إرسال قوات برية إلى شمال البلاد.
وقال شيفرـ غومبل في تغريدة له على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي:” تفويض من هذا النوع سيرفضه الحزب الاشتراكي الديمقراطي. لن نوافق على إرسال قوات برية ألمانية إلى سوريا. ولا أرى أن الشريك في الائتلاف الحكومي يريد ذلك”، وذلك في إشارة الاتحاد المسيحي الذي تنتمي إليه المستشارة ميركل.
بدوره دعا المستشار الألماني السابق، الاشتراكي الديمقراطي، غيرهارد شرودر إلى عدم السماح للرئيس الأميركي دونالد ترامب بمعاملة ألمانيا كدولة “تابعة”، حسب تعبيره. وأضاف في تصريحات لصحيفة هاندلسبلات قائلا: “لسنا جمهورية موز هنا!”.
وفي المقابل قالت زعيمة الحزب المسيحي الديمقراطي أنغريت كرامب ـ كارنباور، حزب المستشارة ميركل، إنها منفتحة مبدئيا على إجراء نقاش حول الموضوع. وأضافت في مقابلة مع القناة الألمانية الثانية “ZDF” أنه إذا استدعت الضرورة سيكون علينا إجراء نقاش حول إضافة بعض الأمور للأداء الألماني في إطار التفويض القائم في التحالف الدولي ضد الإرهاب.
وفيما يخص نشر قوات برية ألمانية في سوريا، قالت كرامب كارينباور: “إنها قفزة كبيرة بالنسبة إلينا”. لكن يجب على الناس أن يدركوا في ألمانيا أن “الأمر هنا يتعلق بجزء كبير من الأمن الذاتي في ألمانيا وليس فقط ما ترغب فيه الولايات المتحدة”.
من جانبها أفادت وزارة الخارجية الألمانية أن برلين في “حوار بناء” مع شركائها حول العمل المستقبلي للتحالف المناهض لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وإلى حد الآن تدعم ألمانيا التحالف في سوريا والعراق لاسيما بطائرات الاستطلاع “تورنادو” انطلاقا من الأردن. وهذا التفويض الممنوح من البرلمان الألماني يبقى ساري المفعول حتى الـ 31 من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
جدير بالذكر أن تقرير برلماني ألماني مكوّن من عشر صفحات، نشر نهاية العام الماضي على خلفية الجدل الدائر وقتها حول مشاركة الطيران الألماني في ضربة جوية تستهدف النظام السوري أنّ أيّ “مشاركة محتملة للجيش الألماني في عملية انتقامية للحلفاء في سوريا في شكل “ضربات انتقامية” لمرافق أسلحة غازات سامة ستكون مخالفة للقانون الدولي والدستور”.
وكانت ألمانيا دعمت سياسيا دون أي مشاركة عسكرية العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في سوريا على خلفية الاشتباه في استخدام أسلحة كيميائية هناك الربيع الماضي. وكانت لجنة الخدمات العلمية في البرلمان الألماني صنفت في ذلك الحين هذه العملية على أنها مخالفة للقانون الدولي.
القدس العربي