اختتمت قمة الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، أعمالها الأربعاء، بعيداً عن وسائل الإعلام، في قصر الرئاسة في مدينة سوتشي، وذلك في أول لقاء حضوري منذ أكثر من عام، حيث استغرقت المحادثات بين الزعيمين نحو ثلاث ساعات، دون حضور مسؤولين آخرين ووراء أبواب مغلقة باستثناء البروتوكول، ودون إدلائهما بتصريحات للصحافيين في أعقابها.
القمة الرئاسية المغلقة، فتحت الباب مشرعاً أمام التكهنات والتخمينات، كما استرجعت الشائعات حول الصفقات والمساومات بين الطرفين، والتي قد تسمح بالتنازل عن قطعة من إدلب الداخلة ضمن النفوذ التركي شمال غربي سوريا، مقابل جزء من الأراضي الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد.
باحث روسي: مقايضة مناطق
وقد سبق أن تم الاتفاق بين روسيا وتركيا، في مدينة سوتشي الروسي، في أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، على إنشاء منطقة خالية من سلاح وعناصر قوات سوريا الديمقراطية، بعمق 32 كم شرقي الفرات، وبموجب اتفاق تعهدت فيه موسكو بالضغط على قوات «قسد» للانسحاب من كامل الشريط الحدودي السوري-التركي الواقع شرق الفرات (440 كم) وبعمق 32 كم داخل الأراضي السورية خلال 150 ساعة من توقيع الاتفاق، وتم تسيير دوريات مشتركة روسية – تركية لضمان التنفيذ، لكن مذكرة «سوتشي» لم تساهم في تنفيذ الاتفاق منذ توقيعها بين البلدين.
وكان مقرراً، حسب بيانات رسمية، أن تتصدر أجندة المحادثات الرئاسية التركية – الروسية، مناقشة الملف السوري، وبحث مختلف المسائل المتعلقة بالتعاون بين البلدين في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية، بالإضافة إلى تبادل الآراء بشكل مفصل إزاء الملفات الدولية الملحة، ومنها التطورات في ليبيا وأفغانستان وجنوب القوقاز. ورافق الرئيس اردوغان إلى مدينة سوتشي الروسية، رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية (MİT) هاكان فيدان، ورئيس مكتب الاتصال في الإدارة الرئاسية التركية فخر الدين ألطون، والناطق باسم الرئاسة إبراهيم قالين.
خبير روسي يتوقع لـ «القدس العربي» صفقة تركية – روسية… تبادل سيطرة في شمال سوريا وشرقها
الخبير الروسي والباحث في المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيميونوف توقع في اتصال هاتفي مع «القدس العربي» عقد صفقة ما، بين الرئيسين تشمل تنازلات من الطرفين ضمن مناطق النفوذ التركي شمال غربي سوريا، ومناطق «قسد» في الشمال الشرقي. وذهب سيميونوف في تصريحه لـ «القدس العربي» إلى أن الرئيسين بوتين واردوغان «سيتفقان» لا محال، عازيًا السبب إلى أنه «لا توجد خيارات أخرى، فلا أحد مستعداً للحرب لأنها ستدمر كل ما بنته البلدان من تفاهمات واتفاقيات، سواء في القضايا الإقليمية مثل ليبيا وسوريا وإقليم كراباخ وفي العلاقات الثنائية». وقال الباحث في المجلس الروسي للشؤون الدولية، سيتخذ الزعيمان التركي والروسي قرارات عامة لا تغير في جوهر الاتفاقات السابقة، وسيتم التركيز على إدلب وتنفيذ المنطقة الآمنة، في تخوم الخط الدولي الذي يرمز له بــ «إم 4».
«السلام في سوريا مرتبط بتفاهماتنا»
وحول توقعاته عن مخرجات القمة الرئاسية، وأقصى ما يمكن أن يتوصل إليه الطرفان، قال المتحدث الروسي «أعتقد أنه سيكون تسليم المناطق جنوبي الخط إم 4 وجبل الزاوية للنظام السوري» واستدرك قائلاً «ذلك لن يطبق بسرعة بل يمكن أن تطلب تركيا بالمقابل موافقات روسية في شمال شرقي سوريا، ضد قسد، وخاصة في تنفيذ الاتفاقية التي وقعها الطرفان الروسي والتركي في سوتشي عام 2019 والتي تسمح لتركيا بتحرير الشريط الحدودي بعمق 30 كيلومتراً جنوبي الحدود السورية التركية ولم تطبق حتى اليوم إلا جزئياً».
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، صرح قبيل بدء لقائه مع نظيره الروسي في سوتشي، بأن السلام في سوريا بالعلاقات القائمة بين تركيا وروسيا، وأكد أن أنقرة لن تتراجع عن الخطوات التي اتخذتها في اتجاه التعاون الدفاعي بين البلدين، وأعرب اردوغان عن ثقته بوجود فائدة كبيرة من استمرار العلاقات التركية – الروسية وتعزيزها. وتطرق اردوغان إلى العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين قائلا: «رغم حدوث بعض التذبذبات في حجم التبادل التجاري، إلا أنه في حالة جيدة جدًا في الوقت الحالي، وأعتقد أنه سيكون في وضع أفضل».
وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مستهل أول لقاء حضوري مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان الى أن المباحثات الروسية – التركية ليست سهلة في بعض الأحيان، ولكن نتيجتها إيجابية دائمًا.
وجاءت تصريحات الرئيس الروسي خلال جلسة مشتركة جمعته بنظيره التركي، وذكر بوتين في مستهل محادثاته مع اردوغان أنهما كانا على تواصل مستمر منذ آخر لقاء بينهما عقد في آذار/مارس 2020، مضيفاً: «يسرنا أن نشير إلى أن علاقاتنا تتطور على نحو إيجابي، والمؤسسات المختصة تعمل دائماً مع بعضها البعض في جميع الاتجاهات». وتابع: «المحادثات بيننا تواجه صعوبات أحيانًا، لكنها تفضي إلى نتائج نهائية إيجابية، وتعلمت مؤسساتنا المختصة إيجاد حلول وسط تصب في مصلحة كلا الجانبين».
وتطرق الرئيس الروسي في كلمته خاصة إلى التعاون بين موسكو وأنقرة في ملفات دولية ملحة، قائلا: «نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سوريا واتصالاتنا الرامية إلى تنسيق المواقف بشأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز الروسي-التركي الخاص بالرقابة على وقف إطلاق النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، ويمثل هذا التعاون ضماناً ملموساً للاستقرار وتنسيق مواقف الطرفين بشأن الخطوات الجديدة الرامية إلى تحقيق المصالحة».
كما أشاد بوتين بالتعاون في المجال الاقتصادي بين روسيا وتركيا، لافتًا إلى الديناميكية الإيجابية في التبادل التجاري والاستثمارات، بالإضافة إلى مشروع خط الأنابيب «السيل التركي». وتابع الرئيس الروسي: «في طبيعة الحال، هناك العديد من المسائل المتراكمة، ويسرني جداً أن أرحب بكم في روسيا لأنه لا يمكن مناقشة كل شيء هاتفياً».
القدس العربي