في تحقيق تحت عنوان: ‘‘المطاردة الكبرى للمجرمين السوريين’’، قالت مجلة لوبوان الفرنسية إن الحرب في سوريا هي واحدة من أكثر الحروب توثيقا في التاريخ، ولكنها أيضا واحدة من أكثر الحروب التي تتعرض للتضليل، وأن ملف الهجمات الكيماوية التي نفذها نظام بشار الأسد يُعد الملف الرئيسي للمعارضين السوريين.
أوضحت المجلة الفرنسية أنه قد تم للمرة الأولى تم تقديم شكاوى في عام 2021 في ثلاث دول -ألمانيا والسويد وفرنسا- من قبل منظمات حقوق الإنسان السورية، قائلة إن الأمل في إنهاء إفلات المجرمين من العقاب قد عاد من خلال المحاكمة التي عُقدت في الأشهر الأخيرة في بلدة كوبلنز الصغيرة بغرب ألمانيا، ضد العقيد أنور رسلان وأحد مساعديه إياد الغريب. وهي أول محاكمة علنية في أوروبا ضد شخصيات من النظام السوري.
رسلان، ضابط مخابرات ورئيس سابق للفرع 251 لأمن الدولة بين عامي 2011 و2012، الفرع المشؤوم المتهم بالإشراف على تعذيب أكثر من أربعة آلاف معتقل، بينهم 58 على الأقل لقوا حتفهم. في سبتمبر 2012، انشق هذا الضابط الكبير وفر إلى برلين. لكن ضحايا سابقين تعرفوا عليه، وتمت ملاحقته في إطار تحقيق فرنسي- ألماني مشترك، قبل أن يتم القبض عليه في عام 2019. ومن المتوقع صدور الحكم بحقه في يوم 13 يَناير/ كانون الثاني المُقبل. وتتحدث النيابة عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها الدولة السورية.
ونقلت ‘‘لوبوان’’ عن مازن درويش، مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، ومقره باريس، الذي كان له الدور الرئيسي في اتخاذ هذه الإجراءات، قوله: ‘‘لقد عملنا على هذا الملف لمدة أربع سنوات.. تمكنا من تحديد 491 دليلاً من الصور ومقاطع الفيديو والشهادات’’.
ويضيف: ‘‘إن وجود المشتبه فيه أو الضحية على الأراضي الفرنسية ضروري لبدء المحاكمة. وجدنا ضحية فرنسية، وهي عائلة فرنسية سورية مزدوجة الجنسية من دوما، تعرضت للهجوم الكيماوي عام 2013، والقضية تمضي قدما. وبهذا الوجود، يمكن تقديم منفذي التفجيرات المزعومين إلى العدالة. طبعا لا نتوقع منهم أن يرسلوا بشار أو أخيه ماهر الأسد وراء القضبان، لكننا نأمل في حكم يدين النظام’’، يقول مازن درويش، الذي اعتقل أيضا في سجون النظام السوري قبل الذهاب إلى المنفى في فرنسا.
وتابعت ‘‘لوبوان’’ القول إن ثلثي التحقيقات المفتوحة في القارة الأوروبية تتعلق بمسؤولين مرتبطين بالنظام السوري، فيما تخص البقية جهاديي ‘‘داعش’’ والمتمردين السوريين والمقاتلين الأكراد. وبات لهذه الجرائم التي تُرتكب في سوريا منذ عام 2011 تداعيات على الأراضي الأوروبية وتؤدي إلى إجراءات جديدة، بفضل إثارة قلة من المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان لها.
ونتيجة للتعاون بين عدة دول، توضح ‘‘لوبوان’’، تم بالفعل تقديم شكوى ضد كبار مسؤولي الجيش والشرطة أو المخابرات السورية في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا والسويد في الأشهر الأخيرة. يتصدر القائمة الرئيس القوي للأجهزة الأمنية علي مملوك، لكن ما يزال من الصعب التغلب على مقاومة الدول الأوروبية، حيث إن التعاون آخذ في الانزلاق، وتُستخدم الشكوك بارتكاب جرائم حرب بشكل أساسي لاستبعاد طلبات اللجوء أو للاستفادة من المعلومات.
وقد عززت عودة رفعت الأسد مؤخرا إلى سوريا هذا الانطباع المختلط لدى البعض، حيث تمكن عم الرئيس السوري البالغ من العمر 84 عاما والذي يعيش في المنفى في باريس من العودة إلى دمشق دون قلق. فهذا الأخير الملقب بـ‘‘جزار حماة’’ لدوره المركزي في قمع عام 1981 ومذبحة سجن تدمر، حكمت محكمة استئناف باريس عليه بالسجن أربع سنوات في التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي بتهمة غسل الأموال والتهرب الضريبي، حيث إنه جمع عن طريق الاحتيال أكثر من 90 مليون يورو من الأصول في فرنسا حيث ‘‘يتمتع بحماية’’.
وأشارت المجلة إلى أنه ففي فرنسا أصدرت محكمة النقض حكماً في يوم 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قضت فيه بأن المحاكم الفرنسية غير مختصة بالتحقيق مع مجرم حرب سوري مشتبه فيه ومقاضاته ‘‘بسبب عدم وجود تعريف في القانون السوري للجريمة ضد الإنسانية’’. وهو قرار ‘‘مروع’’ بالنسبة للمحامين والناشطين السوريين.
القدس العربي