وسط حملة دهم واعتقال شنتها قوات النظام السوري، أمس الخميس، ضد مطلوبين في درعا جنوب سوريا، دفعت القوى الأمنية والعسكرية، بتعزيزات ضخمة إلى محافظة السويداء القريبة، لتطويق الاحتجاجات التي اتسعت رقعتها الجغرافية، وتطورت إلى قطع الطرق الفرعية والرئيسية بما فيها الذي يصل مركز المحافظة مع العاصمة دمشق.
وقال المتحدث باسم شبكة أخبار السويداء ريان معروف، في اتصال مع «القدس العربي» إن الأهالي واصلوا أمس الخميس الاحتجاجات، و»تداعى العشرات منهم، لتجديد الوقفة الاحتجاجية في مدينة السويداء، للتعبير عن استيائهم من القرارات الحكومية المتعاقبة، وآخر تلك القرارات التي فجرت غضب الشارع، رفع الدعم عن مئات آلاف العوائل، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية». وأضاف المتحدث «رغم تناقص أعداد المحتجين، إلا أن العشرات منهم تجمعوا أمام دار طائفة الموحدين الدروز عند مقام عين الزمان، ثم انتقلوا لتجديد وقفتهم، في ساحة السير، وسط المدينة، مجددين دعواتهم لتنظيم وقفات احتجاجية اليوم الجمعة.
بيان السويداء
وقابل النظام السوري هذه الاحتجاجات، بدفع تعزيزات عسكرية إلى محافظة تزامناً مع مواصلة حالة الغضب الشعبي، حيث وصلت قوات أمنية وعسكرية، تابعة للمخابرات الجوية والعسكرية، وحفظ النظام، إلى مركز المدينة وتوزعت على الحواجز المنتشرة، ونقاط تفتيش في مناطق متفرقة منها، وقال المتحدث باسم شبكة الأخبار المحلية في السويداء إن «التعزيزات الأمنية التي أرسلتها السلطة، إلى السويداء، تضم مئات العناصر، نقلتهم حافلات وسيارات، بعضها مزودة برشاشات متوسطة، كما وصلت دفعات من قوات الأمن، شوهد قسم منها في مدينة السويداء، قبل أن تستقر في مراكز أمنية وعسكرية مختلفة، وعند بعض الحواجز، الأمر الذي استنفر الجماعات أهلية مسلحة، في ريف السويداء الشرقي».
وفي رأي معروف، فإن المشهد بات أكثر تعقيداً، لاسيما بعدما عبر المحتجون عن رغبتهم بتجديد وقفتهم في الأيام المقبلة، خصوصاً الجمعة، بينما دعت «الفرق الحزبية التابعة للبعث، مناصريها للتصدي لاحتجاجات الجمعة، الأمر الذي رفضه العديد من أعضاء الحزب، لإدراكهم خطورة نزولهم إلى الشارع، والصدام مع المحتجين». ووزع المشاركون في الاحتجاجات الشعبية، الخميس، بياناً صادراً عنهم، جاء فيه «تناقلت الأخبار بالصور والمشاهدات الحية وصول تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محافظة السويداء، وهناك من يسوق أن هذه التعزيزات أتت للقضاء على العصابات المسلحة والفلتان الأمني في المحافظة، وإننا نتساءل لماذا لم تأت هذه الخطوة منذ سنوات التي طالما طالب بها الشارع الشعبي والجميع يعرف أن نشاط العصابات يفوق عمره السبعة أعوام، ونتساءل كذلك لماذا تزامن هذا الادعاء مع الاحتجاجات الشعبية الكبيرة التي يقوم بها أبناء المحافظة رداً على قرارات الحكومة الجائرة بحق الشعب السوري وسياسات التجويع المقصود والمجحف المذلة والمهينة للنفوس؟ ونستغرب كثيراً ونستنكر قول بعض المسؤولين في السلطة الفاسدة إن المحتجين على قرارات الحكومة والسلطة الأخيرة هم عملاء لإسرائيل ونؤكد بأن هذا القول مجرد كذب لا صحة له ويتلاعب بدماء ومصير هذا الشعب».
وأضاف البيان «نحن أبناء هذا الشعب الوطني، يشهد لنا تاريخنا في الماضي والحاضر، في الثورة العربية الكبرى، والثورة السورية الكبرى، وفي الاحداث السورية الحالية، أننا وطنيون عروبيون سوريون سلميون وحضاريون، نحرّم الدم السوري ونرفض الانسياق والانجرار خلف أية مشاريع سياسية مشبوهة». وتابع «إننا كعدد لا يستهان به من أبناء هذه المحافظة المتمسكين بجذورهم الوطنية وبكرامتهم وعزتهم وسوريتهم وبحقهم بالحياة الكريمة نؤكد ونصر على سوريتنا هويتنا وكرامتنا. مؤسسات الدولة مؤسساتنا وحمايتها واجبنا قبل أي جهة أخرى».
كما رفض المحتجون «ما يشاع عنا بالعمالة والاندساس ونحمل مسؤولية القول لصاحبه. نحن أصحاب حق ومطالب واضحة في العيش الكريم الذي يليق بنا، وبتاريخ سوريا ومستقبل أبنائنا». وأكد الأهالي في بيانهم، مواصلة الاحتجاجات بكل الطرق «السلمية والمدنية والحضارية للحصول على حقوقنا ومطالبنا المحقة. نصر على رفضنا للفساد والمتاجرة بقضايانا المحقة المطلبية والتي يقوم بها بعض المسؤولين الفاسدين والمتسلطين على رقاب هذا الشعب دون رادع قانوني أو أخلاقي وبلا مسؤولية وطنية أو سياسية».
موقف «المرجعية»
ودعا أهالي السويداء «المحافظات السورية الأخرى الوقوف مع أخوتهم بالطرق السلمية الممكنة» محذرين من «افتعال الفتن وتشويه تاريخنا وحاضرنا. إننا كسوريين وكأبناء جبل العرب الأشم الذين حرموا الدم السوري منهم وعليهم، حذرون وواعون لما يحاك بالغرف المظلمة، وسنعمل جهدنا بإدراك وحرص ومسؤولية وطنية على تفويت الفرصة على كل متربص بنا ولا يريد خيراً لنا ولكل السوريين. ونحذر مما يبيت للمحافظة بحجج واهية، ستكون نتيجتها شراً لا طاقة لنا به من نشر الظلم وإرهاق الدم المجاني لمصلحة ثلة من الفاسدين والمتعجرفين غير المسؤولين عما يفعلون ويخططون».
وأضاف البيان «إننا نرقب ونتطلع لمن بقي على مواقفه الوطنية والغيرية من أجهزة ومؤسسات الدولة أن يعمل لمصلحة أبناء هذا الشعب من كل السوريين ويعمل على إحباط وإفشال تلك المخططات الخبيثة التي لا تحمد عقباها وأن ينضم إلينا في ساحات الكرامة التي تطالب بأبسط حقوق الشعب السوري».
ونتيجة تطور الأحداث، أصدرت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، بيانا تدعم فيه الاحتجاجات السلمية ضد ما وصفتها بالقرارات التعسفية، وأكد «الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، سماحة الشيخ حكمت الهجري، أن التظاهر السلمي حق مشروع للمواطنين الذين يطالبون بحقوقهم. مشدداً على حق المطالبة السلمية، ضد القرارات التعسفية».
ونقلت شبكة أخبار السويداء 24 عن مصادر مقربة من الرئاسة الروحية، تأييد الهجري «لأي حراك سلمي، يطالب بالحقوق المشروعة، مع المحافظة على مؤسسات الدولة، بعيداً عن الاصطياد في الماء العكر في ظل هذه الأزمات». مشيراً إلى أن المواطنين لهم الحق بالتعبير عن رأيهم وتحصيل حقوقهم المشروعة، وأن هذه التوجيهات صدرت عنه فقط، ولم يصدر غيرها.
تزامناً، دهمت قوات النظام السوري، الأربعاء، مدينة نوى في ريف درعا الغربي، بعد يوم من حملة مشابهة شنتها على بلدة خربة غزالة في المحافظة أدت لاعتقال ثلاثة شبان. وقال موقع «تجمع أحرار حوران»، إن دورية لقوات النظام دهمت مساء الأربعاء، عدة منازل في مدينة نوى في ريف درعا الغربي، واعتقلت الشاب خالد القبلاوي. وأشار الموقع إلى أن القبلاوي كان عنصراً سابقاً في إحدى فصائل الجيش الحر قبل إجراء التسوية في تموز 2018.
وكانت قوات النظام السوري قد اقتحمت منتصف الأسبوع الجاري، بلدة خربة غزالة في ريف درعا الشرقي واعتقلت ثلاثة شبان واقتادتهم إلى جهة مجهولة، ووفقاً لمصادر فإن قوات النظام السوري لم توجه أي تهمة لهم، ما أشعل المنطقة ودفع بالأهالي إلى قطع الطرقات الرئيسية في البلدة وإحراق الإطارات، تنديداً باقتحام البلدة واعتقال الشبان.
وفي الشمال يخيم شبح انعدام الخدمات الصحية على محافظة إدلب السورية، عقب توقف الدعم الدولي للمستشفيات الكبرى، شمال غربي البلاد. ومع نهاية العام الماضي، لم تجدد منظمات دولية عقود الدعم للمستشفيات في محافظة إدلب ومحيطها، ما أدى لنقص في الموارد المالية والمعدات الطبية في 18 مستشفى. وبعد قطع الدعم، حُرم آلاف الأشخاص في المنطقة من الخدمات الصحية، واضطرت المستشفيات لتقديم الخدمات بقدرة منخفضة بسبب نقص المعدات الطبية. ويعيش في إدلب إلى جانب سكانها مئات آلاف النازحين الذين فروا من قصف نظام بشار الأسد وحلفائه لمناطقهم، ما ينذر بوقوع كارثة صحية حال عدم وصول الدعم مجدداً للمستشفيات.
وطوال السنوات الماضية، يعاني القطاع الصحي من استهداف نظام الأسد، ما أعاق المستشفيات عن تقديم خدمات الرعاية الطبية للسكان، لا سيما بين الفقراء والمحتاجين.
وحسب تقرير سابق للشبكة السورية لحقوق الإنسان (غير حكومية) فإن نظام الأسد وحليفته روسيا استهدفا المراكز الصحية 753 مرة على الأقل، ونالت المراكز الصحية في إدلب ومحيطها النصيب الأكبر من الاستهداف.
وفي تصريح للأناضول، قال محمد كتوب، طبيب في الجمعية الطبية الأمريكية السورية (سامز) إن «الخدمات الطبية في المنطقة باتت على شفا الانهيار وسط ارتفاع الحالات المرضية بسبب برودة فصل الشتاء». وأضاف كتوب: «هناك أكثر من 120 طفلا يترددون يوميا على المستشفى، رغم أن طاقته الاستيعابية لا تتجاوز 75 مريضًا فحسب (..) توقف الدعم الدولي للمستشفيات تسبب في أزمة حادة في المنطقة».
القدس العربي