د.كمال اللبواني
بوتين في قصره القيصري يعيش في التاريخ والأحلام أكثر منه في الواقع، وبشكل خاص أمجاد روسيا القيصرية والسوفيتية، وبنى حساباته على ظروف الحرب العالمية الثانية، وتوقع أن يجد في أوكرانيا ترحيباً واسعاً بالنفوذ الروسي.
واتهم معارضيه في أوكرانيا بالنازيين تذكيراً لهم بالمعركة الحاسمة للحرب العالمية الثانية في أوكرانيا (ستالين غراد)، حيث لم يتوقع أن يقف الأوكرانيون إلى جانب الغرب النازي الذي غزاهم وقاتلوه مع الروس وهزموه، فانضمام أوكرانيا للناتو لا يعني بالنسبة له سوى انتصار النازيين الجدد، وبذات الوقت راهن على حياد ألمانيا التي افترض أنها لم تنسَ خسارتها المريرة في كييف، حيث تم القضاء التام على نصف مليون جندي ألماني هناك.
لذلك فوجئ الجميع بالمقاومة الشعبية التي انطلقت في أوكرانيا بعد تخاذل القيادات العسكرية، والتي أيضاً دفعت بالغرب لاستغلال الفرصة التاريخية لقتال الجيش الروسي على الأرض الأوكرانية وكسر طموحات روسيا التوسعية وإلى الأبد، حيث بدأت فعلاً بإرسال جنودها وعتادها لقتال الروس تحت العلم الأوكراني، مع تطبيق عقوبات اقتصادية ودبلوماسية غير مسبوقة في العالم، وما فاجأه أكثر هو تحول موقف ألمانيا من التردد للانخراط الكامل وتوحد أوروبا كلها، بما فيها بريطانيا، العدو الشرس لروسيا ومن ورائها أمريكا، وتشكيلهم حلفاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، أظهر الكثير من التماسك والجدية، فاجأت روسيا والصين أيضاً.
تفاجأ بوتين أيضاً في دولته وشعبه وجيشه، فقد راهن على إرادة القتال والنزعة القومية عند الروس وتجاهل كأي ديكتاتور فاسد أنه حول روسيا لمزرعة فساد وعصابات خاصة به وحاشيته، أصبح الجميع يكرهها ويتمنى هزيمتها، وضلله قمعه عن رؤية التعاطف الكبير بين الشعب الروسي وأوروبا الحرة الديمقراطية، وبشكل خاص عند الجنود الروس الذين يشعرون أنهم يقتلون أخوتهم من دون مبرر غير نزعات ديكتاتور أذاقهم مرارة الذل والهوان وقتل واعتقل وأفقر عموم الشعب.
كما ضلله قمعه وديكتاتوريته عن إدراك مدى هزالة جيشه ونخر الفساد فيه، فالجيش الروسي تعود إرسال تقارير الجاهزية التي تريدها القيادة، والتعمية على منظومة فساد نخرت عميقاً بنيته، وقدراته، وإمكاناته، حيث تحول الضباط إلى أوليغارشية وعصابات فساد وتشبيح، وأصبح هم كل جندي هو زيادة دخله بكل الوسائل، وهذا ما يجعله غير قادر على خوض أي حرب ذات شعارات يجب أن يموت من أجلها في حين هي تخدم مصالح فردية لآخرين، وهذا ما يفسر بطء التقدم الروسي وعجزه عن إنجاز أي حسم عسكري، خاصة عندما وصل للمدن التي تقاوم بشدة والمكتظة بالمدنيين، حيث يشعر الجندي الروسي بهول المعركة وهول الكارثة الإنسانية التي يتسبب بها ديكتاتور فاسد وأناني ومختل يهدد بالنووي.
هذه الأخطاء كافية لهزيمة بوتين، وقلب نظام حكمه كنتيجة لخسارته الحرب، خاصة عندما يستمر في سياسة القمع لكل انتقاد وتحميل مسؤولية الفشل لكل من يحيطون به، مما سيوحدهم ضده لينقلبوا عليه.