د.كمال اللبواني
بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا وتوسّعه لمواجهات عالمية على أكثر من صعيد، أصبحت أوكرانيا ساحة للصراع الدولي كسوريا، ومع التشابه والتشارك بين سوريا وأوكرانيا ووقوعهما في ذات السياق من الصراع، تظهر دعوات عند السوريين وأصدقائهم للاستفادة من الظرف الجديد ومن الحرب مع روسيا لتحقيق إنجازات في صالح الشعب السوري عجزوا عن تحقيقها سابقاً بسبب تراخي الغرب وإطلاق يد الروس في سوريا، الذين تعمدوا دعم نظام الأسد المجرم في مواجهة شعبه.
وفي هذا السياق المنطقي جداً، تبدو عملية تفعيل أو تسخين الجبهة السورية عمليه صعبة بسبب الكثير من المعوقات الذاتية والإقليمية.
أهم معوق هو المعارضة السورية التي صممت وركبت بطريقة تستجيب للظرف السابق القاضي بالإبقاء على النظام، بواسطة نفوذ وتدخلات الدول التي استبعدت كل من يسعى لإسقاط النظام واعتمدت كل من يقبل به ومستعد للانخراط معه في تسوية تلتف على مطالب الشعب، كما صممت الأمم المتحدة مساراً لتحقيق ذلك الهدف في جنيف، سرعان ما عزز بمسار آخر تنفيذي هو سوتشي، الذي سرع انتصار النظام ومدّ نفوذه العسكري.
المعارضة الآن تقف عن بوابة تكريس انتصار النظام العسكري المدعوم من إيران وروسيا، وتتويجه بانتصار سياسي تقدمه المعارضة على طبق من فضة، بتنازلها جملة وتفصيلاً عن كل ثوابت الثورة، وأهمها معاقبة المجرمين، ومرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومفرغة القرار الدول ٢٢٥٤ من محتواه، وبشكل خاص البدء من سلطة انتقالية كاملة الصلاحيات، لا تكرّس انتصار أي طرف.
هذه المعارضة المنفصلة عن الشعب تنقسم بين من يقع تحت الهيمنة الروسية بدعم من نظم عربية، أهمها السعودية والإمارات ومصر، وتضم منصّات القاهرة وموسكو والرياض ومعارضة الداخل، وبين معارضة تقع تحت الهيمنة التركية القطرية، وتضم أساساً الإخوان المسلمين (حلفاء إيران أيضاً) وعدداً من الجبهات الإسلامية، الذين جلّ طموحهم هو مشاركة النظام، تحت سقف المقاومة للغرب، الذي تعتبر روسيا وإيران حلفاء فيه، وعليه فإن كل من النظام والمعارضة يقعان في خندق واحد من هذا الصراع الدولي الداعم للروس، بما فيهم الحركات الإسلامية والقومية والشيوعية أيضاً. في سوريا اليوم لا يوجد أصدقاء أو حلفاء للغرب، لا في النظام ولا في المعارضة، فقط التيارات الديمقراطية التي سحقت واستبعدت وتبخرت وتبعثرت كالغبار، والتي لم تستثمر الدول الحرة فيها.
تركيا التي تهيمن على نصف المعارضة والقسم المحرر من سوريا هي أيضاً قد حيدت نفسها تماماً عن نزاع أوكرانيا وقررت اتخاذ موقف انتهازي، لذلك هي أيضاً لن تتسامح مع تفعيل أي عمل عدائي للروس انطلاقاً من مناطق نفوذها، وهي تهتم اليوم بالقضاء على الكرد فقط، وباقتطاع جزء من سوريا تضمه لها، كما تفعل روسيا في أوكرانيا.
الكرد أيضاً في شرق الفرات لهم مصلحة ببقاء استقلال دولتهم، لذلك هم ليسوا طرفاً في هذا الصراع، فبينما يؤيد حزب الـ (ب ك ك) روسيا علناً، فإن قسد تعيش تحت مظلة الحماية الأمريكية، والتي من دونها ستصبح لقمة سهلة للأتراك، ومع تشابك البناء التنظيمي لقسد والـ (ب ك ك)، فهي عملياً عاجزة تماماً عن التحوّل لأحد طرفي الصراع.
إسرائيل أيضاً ليست بوارد خسارة تفاهمها مع روسيا على سماء سوريا، لذلك أقصى ما ستفعله هو لعب دور الوسيط الذي يبرد الصراع وليس الذي يفاقمه.
إن موت سوريا وتقاسمها هو مصلحة روسية تركية إيرانية كردية إسرائيلية، بشرط ابتعاد إيران عن الجنوب، وهو ما يحرك عملية فصل الجنوب أيضاً في المستقبل.
كما ترون، فكل القوى العسكرية والسياسية للمعارضة وكل الدول الإقليمية المتدخلة ليس لها مصلحة في تسخين الوضع في سوريا تحت أقدام الروس، بل لها مصلحة في عدم التقدم نحو الحل في سوريا، مصلحتها بموت سوريا وبتقاسمها فيما بينهم، ليحصل الروسي على دويلة ساحلية على شواطئ المتوسط، تكون بوابة لإيران والصين إليه أيضاً، وتركيا على شمال سوريا، والكرد على شرق الفرات بثرواته، وإيران على وسط سوريا، بينما يترك الجنوب ورقة تفاوض مع إسرائيل التي لا بد ستذوق مرارة الخسارة عندما قررت تشجيع روسيا على غزو سوريا.
لا يبقى من فاعلين سوى الشعب السوري المكلوم المهجر والمعذب، الذي لا حول ولا قوة ولا تمثيل له، لا سياسياً ولا عسكرياً، ولا يبقى من سند له سوى الإنسانية والحضارة الغربية، التي كان يتوجب عليها إدراك أن العنف الروسي سيمتد إليها في غد قريب، لكنها لم تصحُ قبل الصفعة الأوكرانية، فماذا ستفعل هي للدفاع عن نفسها؟ هل ستهمل أهمية الجبهة السورية أم ستفعلها بدعم الشعب السوري؟