نيويورك تايمز: في ذكرى اندلاع ثورتهم.. سوريون يراقبون الحرب في أوكرانيا بخوف وترقب وأمل

في ذكرى مرور 11 عاما على الثورة السورية التي بدأت في 15 آذار/ مارس عام 2011 قال بن هبادر مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” في بيروت إن الإفلات من العقاب عن جرائم الحرب في سوريا يلقي بظلاله على الحرب القاتمة في أوكرانيا.

وجاء في التقرير أن اللاجئين السوريين الذي فروا من بلادهم قبل 11 عاما على أمل العودة بعد انتهاء الحرب يتساءلون عن تحقيق العدالة لما حدث لهم ولعائلاتهم بسبب نظام بشار الأسد وداعميه الروس.

ويقول إن هنادي حفيصي التي داهم الأمن السوري بيتها واقتاده بعيدا وقتل ابنها الأكبر بوابل من القصف الحكومي هربت مثل ملايين السوريين على أمل العودة بعد توقف القتال. ولكنها لا تزال بعد عقد لاجئة في تركيا حيث تواصل التعرف يوميا على آثار الحرب من خلال عملها في مركز يعالج جرحى الحرب من المشلولين والفاقدين لأرجلهم والمصابين بكدمات الحرب بشكل تجعل كل المرضى في حالة تذكر دائم لويلات الحرب. وتقول “في بعض الأحيان لا أعرف ما أقول لهم عندما يسألون عن إمكانية تحقق العدالة”.

وتضيف “بجدية، ماذا أقول لهم؟ إن بشار سيعاقب أو إنه سيواجه المحاكمة؟ بالطبع لا”. وبينما يراقب العالم برعب ما يجري في أوكرانيا من تدمير الأحياء ومحاولة المدنيين الهرب وتكهنات حول امكانية استخدام فلاديمير بوتين السلاح الكيماوي، فإن معظم السوريين يراقبون ما يجري بنوع من الرعب ويتذكرون ما جرى لهم وبإحساس عميق عما سيحمله المستقبل.

ويشير التقرير إلى أن الحرب الأهلية السورية التي بدأت بتظاهرات سلمية تدعو للإصلاح وتوسيع الحقوق خرجت عن نطاقها إلى نزاع مسلح متعدد الجوانب بين الحكومة والمعارضة المسلحة والجهاديين وغيرهم. وقتل مئات الآلاف وهرب الملايين من بيوتهم ولا يزال الأسد في السلطة بسبب الدعم الكبير الذي حصل عليه من الرجل الذي يدفع الآن الحرب في أوكرانيا، الرئيس فلاديمير بوتين. موضحا أن إرث الحرب السورية والدور الروسي فيها يحوم بشكل واسع فوق أوكرانيا وتعطي دروسا ممكنة لبوتين. وكما يقول المحللون، فقد قال الرئيس الروسي إن “الخطوط الحمر” التي يرسمها الغرب يمكن تجاوزها بدون تداعيات وأن الدبلوماسية التي تستخدم لوقف العنف يمكن استخدامها لحرف الأنظار عنه. وأن المستبدين يمكنهم ارتكاب الفظائع والتعرض للعقوبات الدولية ولكنهم يبقون في السلطة.

ويضيف أن الكثير من وحشية الأسد التي استخدمها لسحق أعدائه مدون وموثق بشكل حي وأثار الغضب بدرجة تركت الكثيرين باعتقاد أنه يفلت من العقاب. فقد أرسل جنوده وشبيحته لوقف الإحتجاجات وسجن الناشطين وأطلق الرصاص الحي على الجموع الحاشدة، وعندما لجأت المعارضة للسلاح حاصرت قواته البلدات المتعاطفة مع الثورة وجوعتها وقصفتها. وأدت هذه الأفعال لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين ودفعت كثيرين للنجاة بأرواحهم. وشردت الحرب نصف سكان سوريا وهناك 5.7 مليون لاجئ لا يزالون خارج البلاد. وصدمت قوات الأسد في آب/ أغسطس عام 2013 العالم عندما استخدمت السلاح الكيماوي ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضين قرب العاصمة دمشق، مما أدى لمقتل 1.400 شخصا، حسب المسؤولين الأمريكيين.

وتوقع معظم السوريين أن يدفع فعل صارخ كهذا لتدخل عسكري غربي، وبخاصة بعد تهديد الرئيس باراك أوباما النظام السوري بعدم اجتياز “الخط الأحمر” وينشر السلاح الكيماوي. وقال إبراهيم الفوال (29 عاما): “كنت متأكدا أننا عشنا أمرا لم يمر سابقا إلا على قلة من الناس مثل الذين عاشوا تشيرنوبيل وهيروشيما”، ووصف الهجوم بأنه مثل “يوم القيامة”. إلا أنه صدم لعدم تدخل الولايات المتحدة. وسيطرت قوات الأسد لاحقا على الغوطة التي كانت مسرح الهجمات ولم يدفع أي ثمن على استخدامه السلاح الكيماوي. وكشف هذا للفوال أن الأسد يمكنه الإعتماد على الإفلات من المحاسبة، وهو ما دفعه لزيادة هجمات ضد البنى الحيوية- مستشفيات، مدارس، أحياء، أحياء سكنية ومخابز حيث اصطفت العائلات بطوابير لشراء الخبز.

وفي 2015 أرسل بوتين القوات الروسية لمساعدة نظام الأسد المتداعي، ثم بدأت بتقديم المساعدة للقوات السورية. وأخذت الطائرات الروسية بقصف المدن السورية وتمتعت بنفس الوضع الذي حصل عليه بشار الأسد وهو الإفلات من المحاسبة.

وفي أوكرانيا استخدم الروس حملة عسكرية جوية لا تمييز فيها، كتلك التي أحكمت أساليبها في سوريا، حيث اتهمت المعارضة الشرعية بالإرهاب وعضوية القاعدة واتهمت المسلحين بشن هجمات كيماوية “كراية زائفة” وتحميل الحكومة السورية المسؤولية. ويقول الفوال “لقد تبنوا نفس المفهوم في سوريا، الكذب والتمسك به”. ولم تتوقف الهجمات الكيماوية التي نفذها النظام، ففي 2017 تم ضرب بلدة خان شيخون واستخدمت مرة ثانية عام 2018 في شرق دمشق.

ويقول توبيان شنايدر، الباحث البارز في معهد السياسة الدولية العامة في برلين إن هناك 350 هجوما استخدمت فيها عناصر كيماوية. وبعض العناصر الكيماوية مثل الكلور لم يتم تصنيفها كسلاح كيماوي ولكن يمكن استخدامها بطريقة مرعبة تدفع المدنيين على الفرار. ونظرا لعدم وجود أدلة على استخدام الروس السلاح الكيماوي في سوريا إلا أن الباحثين يعتقدون أن بوتين ساعد الأسد على استخدامه.

وأضاف شنايدر “من المؤكد أن الحكومة الروسية كانت تعرف على الأقل ومن المحتمل أنها سهلت من استخدام السوريين للأسلحة الكيماوية، ومعظم ذلك في هجمات الكلور”. ولا توجد أدلة عن استخدام الأسلحة الكيماوية في أوكرانيا، لكن السوريين الذين يراقبون الحرب يشعرون أن بوتين يطبق أجزاء من سياسته في سوريا هناك.

وقال رضوان الحمصي، الناشط السوري في جنوب تركيا إن الروس “مستعدون لحرق الأخضر واليابس” و”لا يهمهم المجتمع الدولي أو أي شيء آخر، فقد شاهدنا هذا في سوريا، حرق المدارس ليس جديدا، فهم يريدون السيطرة على الأرض وسيحصلون عليها”.

ويشير المحللون الأوروبيون للفرق بين الحرب في سوريا وأوكرانيا بشكل يقود إلى ردود غربية مختلفة. فعلى خلاف بوتين، كان بشار الأسد يقاتل من أجل استعادة المناطق التي خسرها في بلاده لا السيطرة على أراضي الجيران. كما أن روسيا، وخلافا لسوريا، هي دولة نووية مما يعقد من مسألة التدخل الخارجي. وفي الوقت الذي غضت فيه الولايات المتحدة وأوربا الطرف عن استخدام الأسد السلاح الكيماوي، فاستخدامه في أوكرانيا وعلى التراب الأوروبي قد يقود إلى رد مختلف.

وتقول باتريشا لويس، مديرة برنامج الأمن الدولي في تشاتام هاوس بلندن “لو فكر بوتين أنه سيتم التعامل معه مثل الأسد فهو مخطئ لأنه ليس الأسد وهذه ليست سوريا”. ويمكن لبوتين أن يعزي نفسه بنجاة الأسد وكيف أخطأ الغرب في التهكن بنهاية حكمه وكيف تمسك بالسلطة رغم العقوبات الشديدة التي خنقت الإقتصاد وزادت من فقر السكان.

ويقول إميل هوكاييم المحلل في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إن الروس قد يستخدمون استراتيجتين في سوريا وأكرانيا. الأولى المشاركة في الدبلوماسية الدولية بهدف وقف العنف وكوسيلة لحرف نظر الغرب عن الحرب على الأرض. والثانية خلق أزمة لاجئين تورط أوروربا وتستنفذ مصادرها. وأضاف أن “خلق أزمة إنسانية هي جزء من استراتيجية الحرب وليست أثرا ثانويا، لأن هذه هي الطريقة التي تحرف فيها العبء للجانب الآخر”.

ويراقب اللاجئون السوريون الحرب من مخيمات اللجوء البائسة الموزعة في الشرق الأوسط أو من المدن الأوروبية التي يحاولون فيها بدء حياة جديدة. ورغم ما يشعرون به من مرارة بسبب الدفء الذي تم فيه استقبال الأوكرانيين إلا أنهم يتذكرون حربهم ويأملون أن تنتج نتائج إيجابية في الحرب الأوكرانية. وقال منصور أبو الخير الذي نجا من هجومين كيماويين في شرق دمشق وفر إلى تركيا “لقد تركنا وحيدين نواجه القدر” و”آمل ألا يحصل هذا للأوكرانيين”.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.