تناولت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير، “الدولة السورية المدمرة التي يقوم رئيس النظام بشار الأسد بإفراغها، أصبحت جسدا أجوف، ولم يبق هناك شيء يمكن سرقته، ففي سوريا اليوم، بات الابتزاز وتجارة المخدرات هما مصدر الداخل الأهم”.
وقالت المجلة إن بشار الأسد يبدو متواضعا مقارنة مع الديكتاتوريين العرب الذين يظهرون بأزيائهم العسكرية اللامعة والمزينة بالميداليات، أو الزعماء الملتفين بعباءات القبائل، فهو لا يرتدي مجوهرات ولا خاتم زواج أو حتى ساعة لامعة. وزيّه المفضل بدلة سوداء وربطة عنق. وتعتبر خطاباته كما تقول شفاء لمن يعانون من الأرق.
ومع ذلك، فمن بين الحكام الفاسدين بالمنطقة، لم ينهب أحد منهم بلده بشكل كامل كما فعل هو (الأسد). وكان من المفترض أن تتحسن حياة أبناء بلده بعد هزيمة تنظيم “الدولة” في 2019، وكذا استعادة نظامه مساحات واسعة من المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، إلا أنها أصبحت أسوأ. فالكهرباء منقطعة أكثر من كونها متوفرة، وتعيش غالبية السكان في المناطق التابعة للنظام، و90% منهم فقراء، ويعتمد الكثيرون منهم على التحويلات الأجنبية. وخسرت العملة المحلية 90% من قيمتها.
ويلقي المسؤولون بالمسؤولية عن هذا الوضع على العقوبات، وجائحة كوفيد-19، وانهيار النظام المصرفي في لبنان، وأخيرا الحرب في أوكرانيا، مع أن السبب الحقيقي لكل هذه المشاكل هي أكل النظام السوري لحوم أبنائه ونهب البلد، وفق قول المجلة.
وبحسب مستشار مقرب من الأسد، انشق قبل فترة، فإن بشار “يحكم مثل زعيم مافيا”. وفي محاولة لتقليد مثال ولي العهد السعودي قبل عدة سنوات، قرر الأسد هز المؤسسة الثرية في البلد، واستدعى رجال الأعمال لفندق شيراتون في دمشق. ومن رفض منهم التخلي عن أرصدة، احتُجز في فرع 251، أحد مراكز الاعتقال في دمشق المعروفة بالتعذيب.
ووُضع رامي مخلوف، ابن خال الرئيس والوسيط البارز، تحت الإقامة الجبرية. وهرب مصرفيون وتجار وصناع خمور، وصودرت مصالح تجارية وأُغلق الكثير منها. وحلت محلهم مجموعة يرثى لها من رجال الأعمال، حسب تقرير لمركز “حمرون” ومقره إسطنبول. ومعظمهم من أمراء الحرب الذين يقومون بغسل واردات التهريب.
وبدلا من الاستثمار مجال التصنيع الذي يمكن للنظام مصادرته، فهم يستثمرون في المطاعم الراقية. وأُعلن مؤخرا عن افتتاح مطعم في دمشق، اصطفت أمامه سيارات لامبورغيني وتيسلا.
وتعلق المجلة أن الابتزاز أصبح مستشريا، واقتيد كثيرون إلى الفرع 251 لعدم دفعهم أموال الحماية. ويبني الأسد أيضا ثروة من الغاز والبترول والكهرباء. ففي الوقت الذي يعيش فيه الناس بالظلام، ولا يستطيعون الحركة، يوفر الأسد الطاقة لوسطاء السلطة في لبنان الذين يدفعون بالدولار. ويحصل حزب الله على الوقود كمكافأة مقابل دعمه النظام في الحرب. وهناك حيلة أخرى للنظام، وهي بيع الجوازات للسوريين الذين يريدون المغادرة. ويحصل الوكلاء على ألف دولار للتسريع بالمعاملة أو شطب الاسم من القوائم السوداء على نقاط التفتيش. ويظل المصدر الرئيسي المدر للمال، هو المخدرات.
وبحسب معهد نيولاينز للإستراتيجيا والسياسة بواشنطن، ينتج 15 مصنعا واقعا تحت سيطرة النظام مادة الكبتاغون، بالإضافة إلى 20 مصنعا صغيرا تقوم بإنتاج المخدرات قرب الحدود مع لبنان. وهناك من نوع المصانع بات ينتج “ميثامفيتامين”. وباتت العملية كبيرة ومتنوعة، لدرجة أصبح السوريون يطلقون عليها “النقابة”.
وفي الماضي كان البدو يهربون المخدرات في بطون الماشية وشاحنات الخضار، أما اليوم فيتم نقلها بعربات مصفحة ومحمية بطائرات بدون طيار وأسلحة ثقيلة. ونفى الأسد مزاعم تورطه بتجارة المخدرات، إلا أن الرفاق الذين انقلبوا عليه يقولون إن “المافيا” تعمل من دائرة مالية في رئاسته، ويشرف عليها شخص يوصف بأنه “بابلو إسكوبار السوري”، في إشارة لعراب المخدرات الكولومبي الشهير.
ويقوم رجل الظل هذا بشحن المخدرات عبر موانئ البحر المتوسط معتمدا على شركته الأمنية. كما يستدعي نيابة عن الأسد، رجال الأعمال بمطالب للمساهمة ودعم صندوق شهداء سوريا، وهي مؤسسة أخرى لجمع المال. ويقال إن رجال الأعمال يحضرون للقصر الرئاسي وبأيديهم حقائب محشوة بالمال. ويقول البعض إن تجارة المخدرات تسمح للأسد بشراء ولاء طائفته العلوية.
وتم منح أراضي وممتلكات السنة الذين أجبروا على تركها إلى العلويين الذين رحبوا أولا بالقمع الوحشي الذي مارسه النظام. ولم ينتفع بالنهاية إلا القليل من عملية التغيير السكاني للأسد. وفي الفترة الأخيرة شجب الكثير من العلويين تقارب الأسد مع القادة السنة، وخاصة في الإمارات، وشعروا بالخيانة، ولم يوافقوا على قراره الإفراج عن مئات من المعتقلين السنة أثناء شهر رمضان. وغضبوا من قطع الدعم على المواد الأساسية والبترول، وزادت الاحتجاجات من فترة لأخرى.
وقال منشق علوي: “الجماعة التي قاتلت من أجل الأسد انقلبت عليه”. ويعاقب قانون للجرائم الإلكترونية أي شخص “يحرض على الآراء السلبية” بالسجن لسنوات. ومع حرف اهتمام روسيا للحرب في أوكرانيا، بات الأسد غير متأكد من أمنه، ففي 10 حزيران/ يونيو، ضربت الطائرات الإسرائيلية مطار دمشق، مخلفة أضرارا فادحة فيه، ويقول البعض إنه قد يتوقف عن العمل لعدة أسابيع.
وبدأت الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن الهدف المقبل، هل سيكون القصر الرئاسي لبشار الأسد؟
ويخشى السوريون من جر بلادهم لحرب مع إسرائيل بسبب إيران. إلا أن الفقر الواسع قد يكون نافعا للأسد، لأن هناك قلة من الأجانب ستكون مستعدة للقتال من أجل بلد محطم أو ما تبقى منه. ومع استمرار تراجع العملة السورية، فمَن حول الأسد لديهم القدرة على التمتع واستخدام الدولار إلى جانب أن معظم الناس أصبحوا خانعين ومحطمين، و”مهما ساءت الأمور، فالسوريون يشعرون بالتعب ولا يريدون العودة للحرب” كما يقول مسؤول في الأمم المتحدة.
القدس العربي