د.كمال اللبواني
شكلت الحرب الأوكرانية منعطفاً كبيراً في ترتيب الأولويات الدولية، وهذا ما ينعكس بقوة على الملف السوري، حتى إننا لا نقول يحدث انقلاب في مواقف وسلوك الدول في هذا الملف.
كانت سوريا التي ثارت ضد النظام تحارب العالم كله الذي رغم خلافاته توحد على معاداة الثورة، إما لأنه حليف للنظام، كإيران وروسيا ولبنان والعراق والجزائر، أو لأنه يخشى رياح الديمقراطية أن تهب على بلاده (الدول الشقيقة في الخليج العربي)، أما دول الغرب وأمريكا فقد استمرت في استراتيجيتها التي اعتمدتها بعد أحداث 11 أيلول 2001، أي أولوية الحرب على الإرهاب، لذلك استخدمت هذه الدول الإسلامية المضطربة كساحة استنزاف لقوى التطرف، وعليه فقد كانت الحرب القذرة التي شنتها ميليشيات طائفية ضد العرب السنة في سوريا هي أكبر محرض للجهاد في العالم، والذي تمكن من إقامة الخلافة الإسلامية التي ألهبت حماس المجاهدين فهبوا لنصرتها، أي لدخول ساحة القتل الذي سيتم على يد التحالف الدولي أو على يد منظمات إرهابية أخرى، لا فرق.
دفع الشعب السوري ثمن تلك السياسة كثيراً وغالياً جداً، كما تدفع الآن أوكرانيا اليوم ثمن سياسة توريط روسيا في الحرب مع أوروبا لإسقاط نظامها وإبعادها عن الصين، ودفع أوروبا للتمسك بالحلف الأمريكي في مواجهة الصيني، بدل التعاون معه، والذي سيودي بالأمريكي حتماً. فلا بد من ثمن.. هكذا يقول الكبار عندما يتعاملون مع الدول الصغيرة.
تأثير الحرب الأوكرانية يمكن تلخيصه في متغيرات ثلاثة كبرى حصلت بنتيجتها:
العامل الأول هو نزول بند محاربة الإرهاب لأسفل قائمة الأولويات بعد ظهور الروسي كوحش عالمي نووي، واضطرار الغرب لفتح ساحات استنزاف جديدة له بعد أوكرانيا التي لم تستطع حتى الآن إلحاق الهزيمة به، وهذا سينعكس قطعاً على سوريا، بداية وقف مسارات التفاوض العبثي، ثانياً محاولة تسخين الوضع في سوريا، وكما نعلم أن روسيا تحتل سوريا، وأن النظام اعترف بانفصال أجزاء من أوكرانيا، وهنا صار الشعب بشكل تلقائي في صف التحالف الغربي، وما زاد من قوة هذا العامل هو وقوف إيران في صف روسيا والصين، فهي أيضاً تحتل سوريا، أقصد إيران.
العامل الثاني: الغرب يحتاج لحلفاء جدد في حربه مع الشرق، وهنا يشكل العالم الإسلامي ربع العالم ومن يتحالف معه سينتصر في ذلك الصراع المتوازن القوة، لذلك سيتحول من عالم معادٍ يصدر الإرهاب، تفاهمت على إضعافه روسيا وأمريكا، إلى حليف مطلوب، وهكذا ولأن أنظمة الاستبداد ميالة للتحالف مع الشرق، فإن دعم التحولات الديمقراطية سيكون ضمانة لكي تقف تلك الدول مع الغرب الذي تشاركه قيم الحرية وحقوق الإنسان.
هنا سيعمل الغرب وبجدية على دعم برامج الإصلاح الديموقراطي التدريجي في العالم الإسلامي، وقد شهدنا بوادر تلك بالتغيرات في أكثر من دولة في العالم، على رأسها باكستان وأفغانستان.
العامل الثالث: تقويض النفوذ الإيراني أصبح يحظى أكثر وأكثر بالقبول الغربي بسبب تلك المتغيرات، ومن هنا تشكلت أرضية التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط وبدأت عمليات إشعال الحرائق تحت النفوذ الإيراني في العراق ولبنان، وغداً في سوريا، فضرب إيران سيؤجج الحشود التي ستخرب المنطقة. لكن تسخين التوترات الداخلية والأزمات، ستنقل الحرب إلى داخل الدول التي تحتلها إيران، وهذه السياسة أقل تكلفة بكثير، وهذا طبعاً يصب في صالح الشعب السوري.
عاجلاً وليس آجلاً سيعود الغرب ليضع برامج تفعيل قدرات السوريين لمواجهة الروس والإيرانيين، وكذلك النظام الذي لم يعد يستطيع الرقص فوق الحبال التي تقطعت بين الشرق والغرب.
المشكلة الوحيدة التي تواجه السير سريعاً في هكذا اتجاه هي أن سياسة الاستنزاف فترة 11 سنة قد استنزفت أساساً الشعب السوري، بل دمرته مادياً ومعنوياً، حتى أصبحت عملية إنعاشه وإعادته للحياة تتطلب جهداً ذاتياً كبيراً، ودعماً دولياً جدياً يتصف بالصبر. وهذا ما سيحدث، بسبب ضرورته الملحة لكلا الطرفين، رغم أنه يبدو اليوم نوعاً من الحلم.. فسبحان مغير الأحوال.