تساءلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في مقال للصحافي المختص في الشؤون شرق أوسطية جورج مالبرينو، إنْ كانت الحرب في سوريا قد انتهت حقاً، قائلة إنه على الرغم من مسؤوليته الجسيمة عن مقتل 400 ألف شخص منذ بدء الحرب في عام 2011، أصبح بشار الأسد مرة أخرى رئيساً مقبولاً من قبل غالبية الزعماء في الدول العربية.. واعتبر مالبرينو أنه تم تجميد الصراع، ولكن من دون أي احتمال لتسوية دائمة.
هل الجماعات الموالية لإيران في الجنوب تغذي عدم الاستقرار؟
رداً على السؤال، أوضح الصحافي بـ “لوفيغارو” جورج مالبيرنو أن هذه الجماعات انتشرت في إطار اتفاق مصالحة بين النظام السوري وخصومه جنوب البلاد، حيث خفضت الشرطة العسكرية الروسية- ومعظم رجالها من الشيشان المسلمين- من وجودها في الأشهر الأخيرة، دون مغادرة هذه المنطقة الحدودية مع الأردن. مُلئ الفراغ بوصول مجموعات مسلحة قريبة من إيران (مقاتلين عراقيين وأفغان وحزب الله) وعناصر من الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، الأمر الذي يثير قلق الأردن وإسرائيل.
وأضاف الكاتب القول إن في بداية الصيف توجهت عدة وفود روسية إلى مدينتي درعا والسويداء لإعادة إطلاق المصالحة بين دمشق والمعارضة المسلحة، ما يعني أن الأسد أقل حاجة للجنود الروس على الأرض. وتنقل “لوفيغارو” عن دبلوماسي عربي قوله: “حيثما انتشر الروس، يكون التفاهم أفضل”.
من ناحية أخرى، فإن بعض الميليشيات السابقين، الذين لم يعودوا يتقاضون رواتبهم من قبل روسيا لرفضهم الذهاب والقتال في ليبيا، يتلقون الآن رواتبهم من دمشق. أما الخطر الآخر فهو عودة بعض الجهاديين الأردنيين من جماعة “حراس الدين”، الذين وصلوا من معقلهم في إدلب شمال غرب البلاد، حيث يتعرضون لضغوط من الفصيل المهيمن هيئة تحرير الشام. ويحذر الدبلوماسي العربي من أنه “في العام الماضي قتل 250 شخصًا هناك بعد تصفية حسابات، وهذا العام، فقد المزارعون الذين كانوا ضحايا الجفاف جزءًا كبيرًا من محصولهم من القمح”.
هل الأكراد ضحايا التقارب التركي السوري؟
رداً على هذا السؤال، قال جورج مالبرينو إن أكراد الشمال الشرقي أصبحوا هدفًا لهجمات الطائرات بدون طيار من أنقرة. “ففي الوقت الحالي، لا يوجد ضوء أخضر أمريكي وروسي لشن هجوم عسكري تركي جديد، لكن هناك اتفاقاً بين تركيا وروسيا والولايات المتحدة على أن تواصل أنقرة غاراتها بطائرات بدون طيار على المواقع الكردية”، كما تنقل “لوفيغارو” عن دبلوماسي تابع للأمم المتحدة يتابع الملف السوري. وبحسب قول هذا الأخير: “يعتقد بعض الأكراد أن الأمريكيين يسلمون إحداثيات وتحركات قادتهم للأتراك”. وبحسب الباحث فابريس بالانش، فإن “الأمريكيين وعدوا الرئيس أردوغان بأنهم سيدفعون القيادة الكردية المحلية لإعادة كوادر “حزب العمال الكردستاني” إلى معقلهم العراقي في قنديل”. لكن “حزب العمال الكردستاني” الذي تعتبره الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية يرفض ذلك. من جانبهم، يبدو أن السكان الأكراد قد تخلوا عن أحلامهم في الحكم الذاتي.
أي مصير آخر للمتمردين في إدلب؟
رداً على السؤال، أوضح مالبرينو أن هذه المنطقة الواقعة تحت سيطرة الجهاديين الذين يسعون إلى إعادة التأهيل ما تزال تحت رادار دمشق وحليفتها روسيا العالقة في أوكرانيا، والتي ليس من مصلحتها في الوقت الحالي شن هجوم عسكري على منطقة إدلب، التي تسيطر جماعة “تحرير الشام” وتدير الأمور فيها بقبضة من حديد، والتي لجأ إليها الجهاديون الأجانب- بما في ذلك 130 إلى 150 فرنسياً- الذين لجأوا إلى هناك بعد هزيمة “داعش” في الشرق.
وظلت اتفاقية وقف إطلاق النار الروسية التركية لعام 2020، والتي نصت على نشر دوريات مختلطة على طريق حلب- اللاذقية الإستراتيجي، حبراً على ورق. والمنطقة المحيطة تقصف باستمرار من قبل النظام الذي يريد منع المدنيين من العودة إلى ديارهم. فلم تتخل دمشق وموسكو عن مساعيهما لاستعادة السيطرة على هذا الطريق السريع. من جانبهم، “يحاول الأمريكيون جعل الشمال الغربي (الإسلامي) يعمل مع الشمال الشرقي (الكردي) من خلال تشجيع رجال الأعمال من المنطقتين على العمل معًا لتعزيز الاستقلال الذاتي لهاتين المنطقتين”، كما تنقل “لوفيغارو” عن دبلوماسي في الأمم المتحدة.
هل ستستمر إعادة دمج الأسد؟
اعتبر مالبرينو أنه بعد هزيمة أعدائه أصبح بشار الأسد سياسيًا في وضع مريح أكثر من ذي قبل. من الناحية الاقتصادية، الوضع كارثي، ويعاني السوريون من العقوبات التي تفرضها الدول الغربية. لكن هدفه الحالي هو توسيع دائرة الدول التي تعيد الاتصال بدمشق، على غرار الإمارات العربية المتحدة والبحرين. ويمكن أن تنضم تركيا في النهاية إلى هذه القائمة.
وإذا كانت عُمان والجزائر لم تقطعا أبداً الاتصال مع رأس النظام السوري، فإن مصر والأردن ولبنان وفلسطين والعراق استأنفت الاتصال مع الأسد منذ عدة سنوات. أما إسرائيل فقد تكتفي بتراجع عدوها الإيراني. وقد تكون العودة إلى جامعة الدول العربية الخطوة التالية في القمة العربية في الجزائر العاصمة في نوفمبر المقبل. لكن ما يزال هناك تردد من جانب السعوديين وقطر.
واعتبر الكاتب أنه في حين أن بشار، مثل والده حافظ، يعرف دائمًا كيف يستغل انتكاسات التحالفات، فإننا نتحرك نحو الاتصال مع دولة تلو الأخرى بدلاً من العودة الرسمية لدمشق إلى الحظيرة العربية. علاوة على ذلك، يمكن أن يكون للاتفاقية النووية الأمريكية الإيرانية تأثير في سوريا. فمن دون الانسحاب يمكن لحليفها الإيراني تعديل مشاركته في الميدان. من جهتها، قد تستمر الإدارة الأمريكية، المنخرطة في مفاوضات مباشرة مع دمشق لإطلاق سراح الصحفي أوستن تايس، المحتجز منذ عشر سنوات في سوريا، في غض الطرف عن الدول التي تقترب من الأسد.
هل يُمكن لفرنسا أن تُعيد الاتصال بدمشق؟
قال مالبيرنو إنه في بداية الصيف، ولأول مرة منذ ثماني سنوات، التقى وسيط سوري من دمشق بمستشار لإيمانويل ماكرون. باريس، التي قبلت، على عكس 2014، السماح للسوريين في فرنسا بالتصويت في انتخاباتهم الرئاسية عام 2021، تطالب دمشق بالسماح بعودة بعض اللاجئين. على المدى القصير يستبعد أن يؤتي هذا الاتصال ثماره، لأن أي تقارب سيفتح على الرئيس ماكرون أبواب سهام انتقاد منظمات حقوق الإنسان. كما أن الأسد لن يقبل أبدًا عودة العديد من اللاجئين.
القدس العربي