بين ليلة وضحاها، انقلبت حياة سكان قرى ومدن حدودية في شمال #سوريا رأساً على عقب بعدما أيقظتهم الضربات الجوية التركية من حولهم. لكن خيبتهم الأكبر سببها واشنطن، الدولة الحليفة التي يرون أنها لم تمنع أنقرة من استهداف مناطقهم.
وبعد ليلة هزت فيها ضرباتها الجوية أجواء مدن وقرى كوباني والحسكة وريفهما ومناطق أخرى، أعلنت أنقرة صباح الأحد شن عملية عسكرية جوية ضد المقاتلين الأكراد في سوريا والعراق، بعد أسبوع على اعتداء دام في اسطنبول اتهمت كلا من حزب العمال الكردستاني والقوات الكردية في سوريا بالوقوف خلفه. ونفى الطرفان الكرديّان أيّ دور لهما في الاعتداء.
وفي مدينة المالكية في أقصى شمال شرق سوريا، أغلقت كل المحال أبوابها، وخلت الشوارع من السكان، بعد غارات عنيفة استهدفت قرى في محيطها أوقعت العدد الأكبر من القتلى والجرحى وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أفاد عن مقتل 11 عنصراً من قوات سوريا الديموقراطية وعشرة من قوات النظام السوري في الضربات. وأكدت دمشق مقتل عناصر من قواتها من دون تحديد عددهم.
وقال محمّد رجب (65 عاماً) النازح من عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية قبل أربع سنوات، “يتملكنا الخوف لأننا مررنا بالتجربة ذاتها، والآن نستعيد الخوف نفسه مع سماع أصوات تحليق الطائرات وضرباتها”.
وتساءل “إلى أين نذهب؟ لم يعد هناك من مكان نذهب إليه، سلمنا أمورنا إلى الله”.
ومنذ 2016، شنت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية استهدفت أساساً المقاتلين الأكراد في سوريا، وسيطرت في العام 2018 على عفرين، أحد أقاليم الإدارة الذاتية الكردية، ما دفع بعدد كبير من السكان إلى النزوح.
ومنذ آخر هجوم لها في 2019، هددت أنقرة مراراً بشن عملية جديدة ضد المقاتلين الأكراد، وقد تصاعدت تهديداتها في وقت سابق العام الحالي.
وقالت عبير محمّد، صاحبة محل حلويات من المالكية، “في كل مرة تتعالى فيها التهديدات، ينتابنا الخوف ولا نتمكن من النوم، وتموت الحركة في المدينة”.
وأضافت “نفكر في المغادرة لكن لمن نترك منازلنا، ليس بمقدورنا أن نفعل أي شيء سوى أن نخاف على أطفالنا”.
– “واشنطن شريكة” –
لم تشهد شوارع المالكية أي حركة فعلية الأحد سوى تظاهرة شارك فيها عشرات صباحاً للتنديد بالهجوم الجوي التركي، لكن أيضاً بما وصفه متظاهرون بـ”تخلي” واشنطن عنهم.
وقال علي عبدالله (62 عاماً) “أميركا شريكة في هذا القصف، وإلا لكانت منعت تركيا”.
وهتفت متظاهرة “الموت لأميركا” في شعار لا يُسمع عادة في منطقة تنتشر فيها القوات الأميركية ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقالت المتظاهرة، من دون ذكر اسمها، “كان بمقدور أميركا أن تمنع قتل مقاتلينا الذين دفعوا دماءهم لحمايتنا”.
ورفع المتظاهرون الأعلام الكردية وصوراً للزعيم الكردي عبدالله اوجلان، المسجون في تركيا.
وهذه ليست المرة الأولى يتهم فيها الأكراد حليفتهم واشنطن بالتخلي عنهم، إذ إنهم اعتبروا انها منحت أنقرة في العام 2019 الضوء الأخضر لشن العملية العسكرية الثالثة ضدهم، والتي سيطرت خلالها على شريط حدودي بطول 120 كيلومتراً بين مدينتي تل أبيض ورأس العين.
– “ادعموا كوباني” –
ومن مدينة كوباني، قال بوزان احمد لوكالة فرانس برس عبر الهاتف “نخاف على أطفالنا وأسرنا. لا نعرف الى أين نذهب، هناك من اختبأ في ملاجئ أو في أقبية الأبنية، وآخرون فروا إلى قرى في الريف”.
وأضاف “هناك خوف كبير بين المدنيين، ولا نعلم ما إذا كان القصف سيستمر اكثر أو لا، لم نعد نفهم شيئاً. ماذا يجدر بنا أن نفعل؟”.
وفي كوباني، أغلقت العديد من المحال والمدارس أبوابها، وفق سكان تحدثوا عن مدينة باتت الحركة فيها ضعيفة.
وترتدي مدينة كوباني طابعا رمزيا مهمّا لدى وحدات حماية الشعب الكردية التي كانت أوّل من تصدّت لتنظيم الدولة الإسلاميّة وخاضت ضدّه عام 2014 معركة للدفاع عن هذه المدينة الحدوديّة مع تركيا، وتلقّت خلالها للمرة الأولى دعماً عسكريّاً مباشراً من واشنطن.
وكتب المتحدث باسم الوحدات الكردية نوري محمود في تغريدة إن “مدينة كوباني البطلة أوقفت تنظيم داعش الإرهابي وحمت الإنسانية، وعلى المجتمع الدولي أن يدعمها اليوم”.
النهار