يزور رأس النظام السوري، بشار اﻷسد، موسكو في ظل ظروف دولية وإقليمية معقدة، كما تأتي الزيارة في سياق تنسيق الجهود بين موسكو وبعض الدول العربية، لتقديم المبادرة العربية للتطبيع مع نظام الأسد والتي كشفت عن بعضها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.
ونقلت الصحيفة، عن عدد من المسؤولين العرب والأوروبيين، قولهم إن الدول العربية التي قاطعت الرئيس السوري، بشار الأسد، تعرض عليه حالياً اتفاقًا من شأنه أن يعيد العلاقات بين دمشق وجزء كبير من الشرق الأوسط مع كبح نفوذ إيران. وذكرت الصحيفة أنه في “تحول جيوسياسي جديد لإعادة اصطفاف الشرق الأوسط الواسع”، تعتقد الدول العربية أن إعادة العلاقات مع الأسد ستقلل من نفوذ إيران في المنطقة.
بموازاة ذلك، اعتبر نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي، أن زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى روسيا “قد تسفر عن تغييرات مهمة في منطقة الشرق الأوسط”، مشيراً إلى ترحيب الأسد بفكرة زيادة القواعد العسكرية الروسية في سوريا. وفي تصريحات نقلتها وكالة “سبوتنيك” الروسية، اعتبر عزيزي أن إعلان الأسد استعداده لمنح روسيا مواقع جديدة في سوريا “هو بمنزلة رد مؤثر على تصرفات الغرب تجاه سوريا”.
ترحيب بقواعد روسية جديدة
وفي حديثه مع وسائل الإعلام الروسية، رحب رئيس النظام السوري “بأي مقترحات تطرحها روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة أو لزيادة قواتها في سوريا”، مؤكداً على أن الوجود العسكري الروسي في سوريا “لا يتعين أن يكون مؤقتاً” كما تحدث عن “خطط لأربعين مشروعاً استثمارياً بين سوريا وروسيا ويجب وضع الآليات حول إعادة الإعمار قبل طلب المساعدة”.
يأتي ذلك بينما تعثر مسار تطبيع العلاقات السياسية بين النظام السوري مع تركيا، حيث أعلن بشار الأسد من موسكو شروطه للتطبيع؟ مؤكداً تمسكه ببند الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وقال: أولوية أردوغان هي الانتخابات ولا شيء آخر، أما بالنسبة لسوريا فالأولوية هي للانسحاب واستعادة السيادة. وأضاف: إذا استوفيت الشروط فلا موعد محدداً للقاء أردوغان. ولفهم أهداف الزيارة وأهمية الامتيازات التي تحدث عنها رأس النظام السوري، في ظل التصريحات التي أدلى بها لوسائل إعلام روسية، يرى الخبير الاقتصادي د. أسامة قاضي في تصريح لـ “القدس العربي” أنه لا جديد يمكن أن يمنحه الأسد للروس. وأضاف: الأصول السيادية السورية معظمها بيد الروس وما تبقى بيد إيران، لم يعد هناك أي مرفئ سوري، فكل المرافئ في اللاذقية وبانياس وطرطوس بيد الروس وتدار روسيا، كما أن الفوسفات بيد الروس، وحق التنقيب عن النفط والغاز في سوريا بيد الروس.
بروباغندا إعلامية
ودلل القاضي على ذلك بالقول إن الجانب الروسي هو المسيطر على سوريا وقرارها بالكامل، مبدياً اعتقاده بأنه “لا يوجد الكثير مما يستطيع النظام أن يعطيه للروس، رغم كل ما يقول عن امتيازات وضمانات، ولا أعتقد أن الروس بحاجة إلى قاعدة جديدة في سوريا، فقاعدة حميميم أكثر مما تحتمل سوريا أصلاً وهذه كثيرة، فضلاً عن أن المعارك الداخلية متوقفة منذ أكثر من 7 سنوات والشيء الوحيد الذي يقوم به الروس ونظام الأسد هو قصف مناطق شمال غربي سوريا وهي مناطق النفوذ التركية بما فيها نقاط المراقبة التركية”.
وتحدث الخبير الاقتصادي عن إخراج الإيرانيين من ملف الفوسفات ومن مرفأ اللاذقية، مضيفاً: أن نظام الأسد لا يستطيع تقديم أكثر مما قدمه للروس، معتبراً أن هذه التصريحات حول “إعطاء قواعد أكثر وتعاون اقتصادي أكبر” عبارة عن بروباغندا إعلامية، لأن الأسد لا يملك ما يطرحه من بلد يفتقر للبترول والقمح وغير ذلك، ولو أراد الروس أن يساعدوا السوريين لأعطوهم قمح ونفط لاسيما أنهم أكبر مصدر لهذه المواد، والموانئ كلها بيد الروسي، وهذا دليل على أن موسكو غير جادة في دعم نظام الأسد وهي تريد تمرير عملية سياسية والدفع بها على طريقتها.
وقال: في 2019 تم استدعاء 60 شخصاً من كل الوزارات السورية من أجل توقيع 40 اتفاقية إذعان لمشاريع روسية داخل سوريا، وطبعاً لم ينفذ منها شيء حتى مرفأ طرطوس إلى الآن لم يستثمر فيه بل على العكس فقد سرح أكثر من 2000 عامل سوري ولم يجدد لهم.
ويرغب الجانب الروسي وفق المتحدث أن يبرم مثل هذه الاتفاقيات ليكون بمثابة الوكيل الحصري لسوريا، استثمارًا لملف إعادة الإعمار، فعلى الدول التواصل مع الوكيل الحصري الذي سيأخذ نسبة من أموال إعادة الإعمار حتى يسمح باستثمار الموانئ والفوسفات والنفط والمرافئ وغيره مما أخذه الروس. والرسالة الوحيدة وفق رأي المستشار الاقتصادي، هي أن بشار الأسد سيظل في الحصن الإيراني والمراهنة على الانتقال إلى المحيط العربي هو حلم قد لا يتحقق.
وأضاف القاضي: لم يكن الأسد الأب ليتخلى عن إيران أيام الحرب العراقية الايرانية وهو في أوج قوته وهو في أفضل حالاته بالنسبة للدعم الكبير الخليجي، حتى يستطيع الأسد الابن أن يتخلص من السيطرة الإيرانية، معتبراً أن المراهنة على إخراج إيران من سوريا، أو أن بشار الأسد يستطيع أن يعطي العرب أكثر مما أعطى أبوه هي مجرد أمنية.
وقال: إيران أكثر المستفيدين من فشل الزيارة وحتى من فشل اللقاء الرباعي، لأنه ليس من مصلحتها إعادة المهجرين ولا الشروع بحل سياسي في سوريا، لأن مشروعها مشروع ديموغرافي، يهتم بالجانب الاقتصادي من إعادة الإعمار. وكان مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصناعة د. مطيع الريم قد تحدث في تصريحات رسمية أمس، عن مجموعة من المشاريع المطروحة للاستثمار على الجانب الروسي في مجال الأسمدة ومشاريع توريد وتركيب وتشغيل خط الإنتاج لمصلحة شركة نسيج اللاذقية وإقامة مشروع لصهر البازلت والأنابيب والقضبان البازلتية في السويداء، إضافة إلى إقامة مجمع متكامل للصناعات النسيجية إما في حلب أو دمشق، على إعادة تطوير أو تأهيل الطاقات الإنتاجية في معمل حديد في حماة.
كما كشف مدير التخطيط لصحيفة “تشرين” الرسمية عن مشروعات اقتصادية وصناعية بعضها موجود وبعضها الآخر مطروح على الجانب الروسي، لإقامتها من المستثمرين الروس في جميع القطاعات، وأهمها قطاعات النسيج والصناعات الكيميائية والهندسية.
الباحث لدى “مركز الحوار السوري” محمد سالم عبّر عن اعتقاده بأن الزيارة الأخيرة تأتي في سياق تنسيق الجهود بين موسكو وبعض الدول العربية و”إسرائيل” لتقديم المبادرة العربية للتطبيع مع نظام الأسد. واعتبر أنه كان متوقعاً تعثر تطبيع نظام الأسد مع تركيا بسبب تعنته وتخوفه من أن يكون هذا التطبيع لصالح روسيا على حسابه.
وقال سالم لـ”القدس العربي” يبدو أن إيران تدعم نظام الأسد في موقفه هذا، وروسيا لم تستطع تحقيق اختراق في الضغط على نظام الأسد لتسهيل اجتماع حتى على مستوى نواب وزراء الخارجية.
القدس العربي