في استطلاع للرأي أجرته إحدى وسائل الإعلام المحلية، حول رأي الشارع السوري عن أكثر السلع التي ارتفعت خلال السنوات العشر الماضية، تبين أن المواد الغذائية والملابس من أبرز الأشياء. وكانت عموم الآمال تدور حول رخص أسعار هذه السلع، نظرا لأن هذه الأسعار المرتفعة جعلت السوريين يقننون استهلاكهم من المواد الغذائية ويمتنعون عن شراء أنواع كثيرة منها.
وتعكس نتائج الاستطلاع جانبا من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد، وأن حلم السوريين في الوطن أصبح يقتصر على خفض الأسعار وتحسين الواقع الخدمي والحياتي. لكن بالتزامن مع عدم تحسن وضع الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، لا أمل بحل الوضع حتى الآن. بل إن الأمور تتجه نحو الأسوأ، وهو ما ينذر بعواقب سلبية أكبر على الحياة الاقتصادية في البلاد.
السوريين وحلم خفض الأسعار
في تفاصيل الاستطلاع، تطرح مذيعة إذاعة “نينار إف إم” المحلية تساؤلا تقول فيه “شو أكثر شي غلي عليك؟؟ ولو كان بإيدك ترخّص شي .. شو ممكن ترخّص؟”، ليرد أحد المواطنين: “الأكل والشرب والأواعي والبنزين والغاز والفروج واللحوم بمجمله، والدخان، يعني أقل باكيت بـ 10 آلاف”.
ويقول آخرون ذلك في الاستطلاع الذي نشر قبل ساعات “طبعا الأكل والأدوية وكل شي غلي وارتفع، بس المواد الغذائية مثل الزيت والرز أكتر الأشياء يلي كنا نعتمد عليها وكانت رخيصة، يعني بنجي عالسوق ومابنقدر نشتري كل شيب نشتهيه متل أيام زمان، شم ولا تدوق، وما ضل شي رخيص ولازم يكون في رحمة عالمواطنين”، بينما قالت إحدى المواطنات أن “إيجارات البيوت والملابس زادت أسعارهن”.
من الواضح أن الوضع أصبح بمستويات صعبة جدا، إذ ترتفع الأسعار بشكل شبه يومي، وقيمة الرواتب والمداخيل ثابتة، وهو ما سيؤدي بأحوال الناس إلى مسارات أكثر قتامة وسوءا، على الرغم من أن نسبة كبيرة من الناس يعملون في عملين، غير أن الأجور هزيلة جدا.
يقول مواطن من العاصمة دمشق إنه منذ سنوات يقوم بتقنين استهلاك المواد الغذائية، ويضيف لـ”الحل نت” في اتصال هاتفي: “استبدلنا السمنة بالزيت منذ سنوات طويلة، ولم نعد نشتري زيت الزيوت، ونأكل اللحوم، الفروج طبعا، كل شهر أو شهرين، وهو حسب الوضع والجيبة كما يقولون، ولم نعد نشتري الفواكه والخضروات بكافة أنواعها كالسابق، أي للضرورة فقط”.
ويعمل المواطن ذاته موظفا حكوميا براتب يقارب 260 ألف ليرة سورية. ويعمل أيضا على سيارة أجرة “تكسي” في الفترة المسائية. إلا أنه لا يستطيع توفير كافة متطلبات أسرته المكونة من 5 أفراد. ويقول “ابنتي متخرجة حديثا من الجامعة، وتعمل في معهد تدريسي، وأحيانا تعمل في صالونات التجميل. وأما أعمل بورديتين وزوجتي موظفة أيضا، ورغم ذلك لا نستطيع تأمين مصاريف المنزل بالكامل، كما في الماضي”.
حرب يومية!
وسط كل هذا الغلاء مقابل تدني الرواتب والأجور، يواجه السوريون كل يوم حربا مع الحياة حتى يتمكنوا من تأمين لقمة عيشهم، وكل ذلك بسبب فشل الحكومة السورية في تحسين الظروف المعيشية أو حتى استقرار الليرة السورية. ومنع نزيف ارتفاع الأسعار نتيجة لذلك.
خلال الأشهر القليلة الماضية، سجلت سوريا أعلى وتيرة من ارتفاع معدلات التضخم، حتى أصبح متوسط الدخل السوري عاجزا أمام المستويات الدنيا من الحاجات الأساسية للمواطن، حيث عانى الأهالي في مختلف مناطق البلاد من ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار مختلف السلع الأساسية الضرورية.
الحكومة بدورها فشلت عبر قراراتها في الحد من هذا الانهيار، بل العكس فقد كانت القرارات الحكومية بمثابة الضربة القاضية التي فجّرت أسعار السلع والمواد الأساسية في البلاد، ففي وقت رفعت فيه الرواتب مئة بالمئة في محاولة لزيادة دخل موظفيها، كانت آثار هذا القرار كارثية على الأسواق، لما تسبب من ارتفاعٍ لمعدلات التضخم.
تقرير لصحيفة “قاسيون” المحلية، أفاد أنه “مع انقضاء تسعة شهور من عام 2023، عانى السوريون في من ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار ليرتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، وفقا لمؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة، ويقفز إلى أكثر من 9.5 مليون ليرة سورية”.
وبحسب تقرير الصحيفة مؤخرا، فإن الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة السورية، وصل إلى نحو 6 ملايين ليرة سورية، والحد الأدنى لتكاليف الغذاء 3.5 مليون، ذلك في وقت بلغ الحد الأدنى للأجور في المؤسسات الحكومية بعد الزيادة الأخيرة إلى 185 ألف ليرة سورية فقط.
مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم في سوريا وانهيار العملة المحلية، تشهد الأسواق السورية انخفاضا حادا في معدلات الإقبال على كثير من السلع والخدمات، ليظهر ما يسمى بـ”الاستهلاك الرديء”، إضافة إلى العديد من الظواهر الأخرى الناتجة عن انخفاض الطلب على السلع بسبب ارتفاع الأسعار.
الحياة المعيشية أغلى بسوريا
كلما عصف بالبلاد موجة غلاء جديدة، تبرر الحكومة السورية ذلك بانخفاض الليرة السورية أمام النقد الأجنبي إلى حقيقة أنها أزمات ومشاكل اقتصادية عالمية، وليست مقتصرة على دمشق فقط، بالإضافة إلى اتهام التجار بالجشع والاستغلال.
لكن مقارنة بالدول الأخرى، لا سيما دول الجوار، ثمة ارتفاع غير منطقي في الأسعار بسوريا، حيث أن أسعار العديد من السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية، هي الأغلى في سوريا مقارنة بلبنان أو الأردن أو العراق. كما جاءت في العديد من التقارير المحلية وعلى لسان مسؤولين حكوميين بدمشق الذين أقرّوا بأن الأسعار في سوريا، مقارنة مع الدول العربية هي الأغلى، وأن الفروق تزيد عن النصف. وفي الواقع، هذا أمر مثير للاستغراب ويدعو للتساؤل.
ووفق آراء الخبراء، فإن هذا الأمر نتيجة طبيعية لعدم فتح دمشق لباب الاستيراد لمن يرغب وخصوصا المواد الأساسية والضرورية، ونسبة كبيرة من المواد المتوفرة في السوق أغلى من دول الجوار، وبدون فتح باب الاستيراد أمام جميع التجار وعدم حصرها بأشخاص محددين، التابعين بشكل غير مباشر لمسؤولين كبار بالحكومة، لن يتراجع هذا الفارق الموجود بين سوريا والدول المجاورة.
هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج المحلي الذي لا يغطي حاجة السوق، ومن ثم اللجوء إلى الاستيراد، وهذا ما يتسبب برفع تسعيرة المنتج، فضلا عن أن تكاليف النقل المرتفعة جدا بسوريا مقارنة بالدول المجاورة التي لا تعاني من أزمة محروقات مثل سوريا، فضلا عن ضعف استقطاب التجار والمستثمرين، نظرا لعدم توافر البيئة الملائمة لهم.
بينما بالدول المجاورة فهناك إنتاج محلي للعديد من السلع الأساسية كاف لحاجة مواطنيها، ويتوفر فيها المحروقات والكهرباء والخدمات العامة ككل، التي من شأنها دعم وتعزيز المشاريع الزراعية والحيوانية المحلية بشكل كبير، بينما في سوريا فدعم الإنتاج المحلي لا يكاد يكون معدوما.
الحل نت