بداية ما الذي يستدعي طرح هذا الموضوع في هذا التوقيت بالذات، حيث يستمر الكيان الصهيوني في دك قطاع غزة بأكمله بجميع أنواع الأسلحة في حرب إبادة تطال كل شيء البشر والبنية التحتية والسكن والمدارس والمساجد والمستشفيات وسيارات الإسعاف … كل شيء… حتى اللحظة وصل عدد الشهداء الضحايا من شعبنا الفلسطيني في غزة إلى حدود احدى عشر ألف إنسان. اغلبهم نساء وأطفال. هذا غير الحرب على أهلنا في الضفة الغربية قتل المئات واعتقل الآلاف بعد مرور أكثر من شهر على عملية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة الفلسطينية حماس…
النظام السوري لم يتنفس بأي ردة فعل بدء من رأس النظام حتى أي سياسي مسؤول وكأن سوريا في المريخ. وان الجولان تحتلها زمبابوي، وكأن النظام السوري لم يطرح نفسه وعبر عقود أنه رأس حربة دول المقاومة والممانعة وتحرير فلسطين… ليس فقط الجولان السوري بل فلسطين أيضا. مضاف لها دوما القدس والاقصى. وحتى عندما تكلم نصر الله لم يقترب من النظام السوري لا سلبا ولا إيجابا… وكأنه غائب عن الواقع وما يحصل…
ما هي القصة …؟.
اولا: كان جيش الإنقاذ الذي تشكل من بعض جنود وضباط الجيش السوري الوليد ومعهم متطوعين عرب وسوريين اول من رفض وجود الكيان الصهيوني في حرب ١٩٤٨م والتي هزم بها جيش الإنقاذ وأعلنت دولة الكيان الفلسطيني على جزء من فلسطين أكبر من حصتها التي حصلت عليها بموجب قرار التقسيم الدولي ١٨١ الذي صدر عام ١٩٤٧م…
ثانيا: لم يسكت السوريين عن هذا الكيان وحصلت عدة انقلابات عسكرية أولها بقيادة حسني الزعيم عام ١٩٤٩م وبعدها سامي الحناوي في ذات العام. وبعد انقلاب أديب الشيشكلي كذلك في ذات العام واستمر حاكما لسورية حتى عام ١٩٥٤م. وكلهم كانت على أجندتهم تحرير فلسطين والقضاء على الكيان الصهيوني الغاصب… وبالطبع لم يقوموا بأي خطوة في سبيل ذلك…
ثالثا: دخلت سوريا في الوحدة المصرية السورية لثلاث سنوات من ١٩٥٨م حتى ١٩٦١م حيث حصل الانفصال. واستمر لسنتين حيث أسقطه انقلاب البعث عام ١٩٦٣م. هذا الانقلاب الذي ادخل سوريا في عهد البعث، الذي عاش صراعا داخليا بين جناحه السياسي ولجنته العسكرية التي هيمن عليها الثنائي صلاح جديد وحافظ الأسد. وحصل انقلاب داخل سلطة البعث سنة ١٩٦٦م . سيطرت به اللجنة العسكرية على السلطة في سورية ، كان نصيب صلاح جديد قيادة حزب البعث ونصيب حافظ الأسد استلام وزارة الدفاع مركز القوة الفعلية للسلطة…
رابعا: حصل تصعيد ديماغوجي دون جاهزية عسكرية على الجبهة السورية مع الكيان الصهيوني أدت لحصول حرب حزيران ١٩٦٧م. وامتدت إلى مصر والأردن. خسرت فيها الأردن الضفة الغربية أما مصر فقد خسرت سيناء وخسرت سوريا هضبة الجولان. كان حافظ الأسد وزير الدفاع وقتها. بيان وزارته اعلن سقوط القنيطرة قبل دخول الصهاينة لها بثلاثة أيام لقد تخلى عنها النظام قبل ذلك…
خامسا: منذ هزيمة ١٩٦٧م حصل عند حافظ الأسد عقدة نفسية بكونه مسؤول عن سقوط الجولان واحتلاله. لذلك بادر بالسماح لبعض المقاومين العبور من الحدود مع الجولان لضرب الكيان الصهيوني، تجاوبا مع إعلان عبد الناصر معركة ازالة آثار العدوان. التي توقفت بموت عبد الناصر رحمه الله عام ١٩٧٠م . ومع ذلك تواصل الاسد الاب مع السادات واتفقوا على حرب يردوا بها “الكرامة العربية المهدورة” في حزيران عام ١٩٦٧م . و يحركوا القضية للحل السياسي حسب نصيحة كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية ذاك الوقت.
سادسا: حصلت حرب عام ١٩٧٣م بهجوم مصريي سوريي على الجبهتين. كانت اندفاعة قوية أسقطت جدار بارليف في سيناء ووصلت طلائع الجيش السوري على تخوم بحيرة طبريا. لكن الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني اعاد رد القوات السورية والمصرية و أعادوا ماخسر الكيان وتمددوا داخل سوريا الى سعسع على بعد ٦٠كم عن دمشق. ووصل الصهاينة إلى قناة السويس..
سابعا: عند هذه النتائج الميدانية كان وقف إطلاق النار ورعايته من قبل أمريكا طوق نجاة النظامين المصري والسوري. حيث دخلت مصر السادات منذ ذلك الوقت بجولة مباحثات فك ارتباط مع الصهاينة الحقتها بمباحثات سلام أدت للصلح بين الكيان الصهيوني ومصر حصل عام ١٩٧٩م ووقع رسميا برعاية أمريكية عام ١٩٨٠م بما سمي اتفاقية كامب ديفيد. وخرجت مصر وفق اتفاقها مع الكيان الصهيوني من معادلة الصراع مع الكيان الغاصب …
ثامنا: على المسار السوري بعد توقف حرب عام١٩٧٣م. رعت أمريكا عبر كيسنجر مفاوضات بين الأسد الأب والكيان الصهيوني لإعلان فك ارتباط بين الكيان والنظام السوري عام ١٩٧٤م أدت لاتفاق يعطي للنظام السوري مدينة القنيطرة المدمرة. ومعها شريط ضيق محاذي لها من الجولان المحتل. وتعطي للأسد الأب صفة المنتصر وأنه حرر القنيطرة. ذهب الى هناك ورفع عليها علم سوريا. تجاوز عقدته. لم يغير فيها منذ ذلك للآن في عهده وعهد ابنه أي شيء تركها شاهدا على وحشية الكيان الصهيوني وانه دمرها ؟!!… ستصبح القنيطرة المدمرة نسخة ممسوخة عن ما دار في سوريا كلها على يد الأسد الأب في حماة وحلب في ثمانينات القرن الماضي. وسوريا أغلبها على يد الأسد الابن بعد ثورة الشعب السوري في ربيع عام ٢٠١١م…
تاسعا: منذ إبرام اتفاقية فك الارتباط بين الكيان الصهيوني و الأسد الأب عام ١٩٧٤م. لم تطلق أي طلقة تجاه الكيان الصهيوني في الجولان إلى الآن. طبعا بإرادة النظام السوري. وكل محاولة لاختراق الحدود أو القيام بأي مقاومة كانت تقابل من النظام بالاعتقال والسجن والعقاب القاسي. ومن يومها اعتمد الأسد الأب على الادعاء الإعلامي بأنه مقاوم وانه يجهز لتحرير الجولان وفلسطين. احتل لبنان لأجل ذلك. ساعد ضرب المقاومة الفلسطينية في لبنان لأجل ذلك. دعم حزب الله ابن النظام الإيراني تحت دعوى الصراع مع الكيان الصهيوني . وكانت الحدود السورية ساكنة كل الوقت. حيث تحصل مهرجانات التواصل بين بعض العائلات عبر الحدود والتزاوج بين بعض اهلنا في الجولان المحتل وفي الداخل السوري. بالطبع كانت الحدود من الجانب السوري تحت المراقبة الدائمة من النظام؛ مخابراته وجنوده الذين كانوا يظهرون على هيئة شرطة حدود حسب اتفاقات عام ١٩٧٤م. ولم يسمحوا لأحد الوصول الى مناطق الحدود مع الكيان الصهيوني من سعسع وما بعدها إلا لمن يحصل على موافقة أمنية من المخابرات أو كان من أبناء تلك البلدات المحاذية للحدود مع الجولان. هذا يعني أن الحدود مع الكيان الصهيوني يحميها عمليا النظام السوري. كذلك حصل ذات الوضع بعد عام ٢٠٠٦م في الجنوب اللبناني عبر الامريكان، الذي ساعد في ابرام اتفاق بين حزب الله والكيان الصهيوني يعطي حزب الله مسؤولية حماية الحدود مع الكيان الصهيوني. وأن يحصل حزب الله على أعطيات مالية وعسكرية واقتصادية. استمر ذلك إلى ما بعد ثورات الربيع العربي…
عاشرا: نعيد التأكيد أنه منذ عام ١٩٧٤م لاتفاقية فك الارتباط مع الكيان الصهيوني المبرمة مع الاسد الاب حتى وفاته عام ٢٠٠٠م. وكان حصل مباحثات سلام مع الكيان الصهيوني مؤتمر مدريد في إسبانيا عام ١٩٩١م. الذي لم يؤدي الى الى اتفاق بين الكيان الصهيوني والاسد الاب. وظهر أن النظام السوري غير متحمس لحل حقيقي مع الكيان الصهيوني. وبقي متشنجا حول حق السوريين في بحيرة طبرية.
لقد فصّل رضوان زيادة ذلك في كتابه مفاوضات السلام بين السوريين واسرائيل، وبقي يعتمد على ادعاء انه نظام مقاوم ويبرر الحكم الاستبدادي داخل سوريا وحالة الطوارئ تحت حجة حالة الحرب والصراع مع العدو الصهيوني…
استمر الهدوء على الحدود السورية مع الكيان الصهيوني بعد مجيء الأسد الابن وريثا عام ٢٠٠٠م ومحاولة خلق مباحثات سلام دولية فشلت ايضا. لأن النظام السوري يرى باحتلال الجولان ذريعة أن النظام مقاوم وعليه واجب التحرير يسقط عنه أي التزام أمام الشعب السوري بالنسبة للحقوق والحرية والعدالة والديمقراطية في سوريا. ويبقى نظام مستبد طائفي ظالم ويتابع أدوار إقليمية مشبوهة…
حادي عشر: بعد الربيع السوري الذي حصل في ربيع ٢٠١١م وتحوله الى ثورة. أظهر النظام السوري أنه متمسك بالسلطة التي استولى عليها منذ عقود وأنها تحولت لسرطان سياسي اجتماعي اقتصادي طائفي يتغلغل في الدولة السورية. هيمنة مطلقة على الجيش والأمن وكل مفاصل الدولة السورية. وانه ليحمي مصالحه مستعد لأن يقتل كل الشعب السوري ويشرده ويدمر كل سوريا، و يعطي المبرر لاحتلال سوريا من روسيا وإيران وأمريكا وغيرهم. المهم ان لا يسقط النظام…
الملاحظ صمت الكيان الصهيوني العلني عما يفعل النظام السوري في سوريا ولشعبها. وأنه متوافق ضمنا مع قطبي التأثير الدولي في سوريا أمريكا وروسيا…
ثاني عشر: كان الحضور الإيراني في سوريا مع حزب الله اللبناني والميليشيات الطائفية العراقية والافغانية. مسكوت عنه من الكيان الصهيوني بداية عندما كان لحماية النظام السوري. لكن عندما وصل الى مرحلة تجاوز الخطوط الحمر على الحدود مع الكيان الصهيوني في الجولان المحتل أو من خلال إمداد حزب الله بسلاح نوعي يراه الكيان الصهيوني ضارا به. تصرف وفق مصلحته. فقد أرسل طائراته وصواريخه برا وجوا وبحرا لتدمير كل ما يراه يضر بمصلحته في سوريا. والنظام السوري كان يحتفظ بحق الرد عبر سنوات ولم يرد، ثم لم يعد يعلق على اي اعتداء للكيان الصهيوني داخل سوريا مطارات ومواقع عسكرية ومناطق حدودية…
لقد استبيحت سوريا من الكيان الصهيوني والنظام السوري محافظ على علاقة اللاحرب مع هذا الكيان…
ثالث عشر: كان هجوم المقاومة الفلسطينية في غزة في طوفان الأقصى القشة التي قسمت ظهر البعير من تنصل النظام السوري من قضية فلسطين ومن اي حقوق لسوريا مغتصبة واقصد الجولان…
خرج نصر يجعجع إعلاميا. ودون أفعال حقيقية سوى ما يستر عورته أمام الإبادة الجماعية في غزة. وكذلك إيران التي هددت وتوعدت بداية بتوسع الحرب لكنها عادت الى صمتها بأن الحرب قد تتوسع. فقط الحوثيين وحزب الله يذرون الرماد في العيون عبر إطلاق صواريخ تطال الاحراش المجاورة للبنان. أو تطير في أجواء البحر الأحمر حيث تصطادها أمريكا والكيان الصهيوني قبل وصولها الى مقاصدها…
ان حضور حزب الله والحوثيين هو دعاية إعلامية لإيران التي لن تشتبك لا هي ولا أدواتها في صراع حقيقي مع الكيان الصهيوني.
رابع عشر: خرجت شعوب كل دول العالم بمظاهرات منددة بالابادة الجماعية في غزة. وكذلك نددت كل الدول العربية بما فيها المطبعين مع الكيان الصهيوني مصر والأردن.
لكن النظام السوري بقي صامتا صمت الأموات في القبور الدارسة. لم يسمحوا لبعض فلسطيني مخيم اليرموك بدمشق أن يرفع علم فلسطين ويقول لا للمجازر في غزة. اعتقل بعض الناشطين…
وقبل الختام: نشر بالامس النظام السوري فيديو للقوات المسلحة “الباسلة” التي قامت بمذبحة طالت خريجي الكلية العسكرية وعائلاتهم في حمص. واتهمت المجموعات المسلحة للثورة السورية بها، المتهمون انهم ارهابيين. وقامت بحملة عدوان على السكان المهجرين الآمنين في خيامهم وتحت الأشجار وفي العراء تقتل وتنكل. لأنهم “الإرهابيين” الذين قاموا بذلك التفجير.
كان هدف النظام اعادة ربط الحاضنة الشعبية له من العلويين حوله بعدما وصلوا الى مرحلة التذمر منه تحت إلحاح الحياة الاقتصادية المقيتة والظروف المعيشية المأساوية. والتحدث العلني بتغييره. دمر وقتل ونكل بالسوريين استمرارا لأفعاله عبر اثنا عشر سنة من عمر الثورة السورية…
نعم لقد وضحت جبهة حرب النظام السوري المجرم انها في مواجهة الشعب السوري. سقط مليون شهيد ومثلهم مصابين ومعاقين ومثلهم معتقلين ومغيبين وثلاثة عشر مليون إنسان مهجرين داخل سورية وخارجها وأكثر من نصف سوريا مدمر. سوريا محتلة من امريكا وروسيا والكيان الصهيوني وإيران والميليشيات الانفصالية الكردية حزب العمال الكردستاني…
ختاما النظام السوري بقي وفيا لموقفه السابق منذ عقود بأنه ليس في حالة حرب مع الكيان الصهيوني. وان الجولان هديته للكيان. حيث قال وزير خارجية أمريكا مؤخرا أن الكيان الصهيوني سيحتفظ بالجولان لأنها مهمة لأمنه و مصالحه الاستراتيجية…
نعم صمت النظام عما يحصل غزة وأفعال الكيان الصهيوني في الإبادة لأهلنا هناك. ليس فقط الانحناء حتى تمر العاصفة، بل هي سياسة توافق بين النظام المستبد السوري والكيان الصهيوني مستمرة عبر عقود…
هكذا تؤكد الوقائع…
ملتقى العروبيين