توجهت منظمات إنسانية وحقوقية بإنذار جديد يهدد منطقة إدلب والأرياف القريبة منها شمال غربي سوريا، وسط سلسلة من الأزمات التي تنبئ بمرحلة جديدة قد تعصف بها اضطرابات سياسية، وأمنية، وعسكرية، واقتصادية، وغيرها. وقد شهدت منطقة إدلب إضرابات في الأشهر الأخيرة وسط مطالبات برفع قبضة جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام بقيادة “النصرة” وإعادة هيكلته وتنحي أبي محمد الجولاني، ورفع يد الهيئة عن المؤسسات المدنية والإدارية وإنهاء حالة الاحتكار للموارد الاقتصادية.
وتضاف أزمة جديدة إلى هذه الأزمات الموجودة في المنطقة، تتمثل بانقطاع الدعم عن عشرات المنشآت الطبية، إضافة إلى توقف الكلف التشغيلية لعدد من المنشآت الأخرى التي تقدم خدماتها لأكثر من مليوني مدني مقيمين في المنطقة فضلاً عن المخيمات، ويحرم الآلاف من الرعاية الصحية الطارئة والمنقذة للحياة، حيث علقت ثلث المرافق الصحية في إدلب وحلب أنشطتها كلياً أو جزئياً.
منظمة “منسقو استجابة سوريا” قالت في بيان لها، الإثنين، إن الدعم سيتوقف حتى نهاية شهر مايو/ أيار عن 9 منشآت طبية وخلال شهر يونيو/حزيران القادم سيتوقف الدعم عن 19 منشأة أخرى، وبذلك يرتفع عدد المنشآت التي يتوقف الدعم عنها منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية حزيران إلى ما يزيد عن 85 منشأة، وسط تزايد المخاوف من توقف منشآت أخرى جديدة.
وحذر البيان من توقف الدعم عن المنشآت الطبية المذكورة، وخاصة مع ازدياد الضغوط على المنشآت الأخرى وعدم قدرتها على تقديم الخدمات لكافة المدنيين في المنطقة، مطالباً من جميع الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري بعودة الدعم المقدم لتلك المشافي، وخاصة في ظل الضعف الكبير للاستجابة الإنسانية ضمن القطاع المذكور والتي لم تتجاوز 36 % خلال العام الماضي، وبقاء مئات الآلاف من المدنيين في المخيمات دون وجود أي بدائل أو حلول في المدى المنظور.
مدير منظمة “منسقو استجابة سوريا” الدكتور محمد حلاج، حذر من جهته، من العواقب الكارثية المترتبة عن إيقاف الدعم المقدم للقطاع الطبي، مبدياً قلقه من انتشار الأمراض والأوبئة في منطقة الشمال السوري، مؤكداً تأييده لأي حملة مناصرة تهدف إلى عودة الدعم المقدم من قبل الجهات المانحة إلى المؤسسات والكوادر الطبية في كافة النقاط الطبية والمشافي، وإعادة تفعيل عدد من المراكز المتوقفة سابقاً.
وطالب المنظمات والهيئات الإنسانية المنتشرة في الشمال السوري التضامن الكامل مع الفعاليات الطبية، والمساعدة في إعادة الدعم إلى المنشآت الطبية في الشمال السوري.
وعن آثار انقطاع الدعم عن القطاع الصحي، قال نائب مدير صحة إدلب الدكتور حسام قره محمد، في اتصال مع “القدس العربي” إن أثره سيكون “سلبياً وسيزيد من أعداد المرضى، وستزيد معاناتهم، وخاصة في ظل عدم وجود مراكز إيواء حقيقة وعدم توفر مستوى معيشي جيد”.
وقال قره محمد: “المرضى في ضيق مالي وصحي، وستدخل المنطقة كلها في عكس طبي حقيقي، وسيؤدي انقطاع الدعم إلى زيادة الأمراض وارتفاع عدد الوفيات وخاصة عند الأطفال حديثي الولادة، والخدج وعلى مستوى الأمراض المزمنة مثل مرضى السكر والروب والأمراض القلبية”.
وأضاف: “نطالب بصفتنا أطباء، إعادة المنح المالية للمساعدة بتقديم الخدمات الطبية”، لافتاً إلى أن الكوادر البشرية قادرة على متابعة العمل، “لكن نقص اللوجستيات والمستهلكات هو الإشكالية”.
وقال: “نحن في مديرية الصحة نؤكد أن انقطاع الدعم سوف يرفع المرضى والوفيات وعدد الأوبئة المنتشرة في المنطقة وفي الجوار”.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود” إن نقص التمويل حرم 1.5 مليون شخص في شمال غرب سوريا من الرعاية الصحية الطارئة والمنقذة للحياة، مشيرة إلى أن ثلث المرافق الصحية في إدلب وحلب علقت أنشطتها كلياً أو جزئياً.
وحثت المانحين الدوليين والحكومات على تعزيز دعمهم المالي فوراً للنظام الصحي في شمالي سوريا، محذرة من أن هذا الدعم يشهد تراجعاً مستمراً، إذ تفوق الاحتياجات الطبية الخدمات المتاحة بفارق كبير.
ونبهت إلى أن السوريين يتحملون العبء الأكبر من محدودية الدعم وإقفال المستشفيات والمرافق الصحية، مطالبة المانحين في “مؤتمر بروكسل لدعم مستقبل سوريا والمنطقة”، بنسخته الثامنة، بمنح الأولوية لتزويد القطاع الصحي السوري بالدعم المالي.
وأشارت إلى أن الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2024 تتطلب ما يصل إلى 4.07 مليارات دولار، لكن التمويل لم يتجاوز 6% حتى الآن، أي ما يعادل 326 مليون دولار.
في موازاة ذلك، قالت مصادر محلية إن جهاز الأمن العام لدى هيئة تحرير الشام شن فجر الإثنين، حملة دهم واعتقال طاولت نحو 90 شخصاً بينهم نساء في إدلب، وذلك بعد يوم من إعلان أبو محمد الجولاني، متزعم الهيئة، فشل الحوار مع المحتجين.
ونقلت منصات إعلامية تابعة لتحرير الشام حديث الجولاني يوم الأحد، خلال لقائه وفداً من المحتجين، التي أعلن فيها “فشل المساعي الرامية إلى إحلال الهدوء وبدء الحوار”.
الطبيب محمد فاروق كشكش، أحد منسقي الحراك في إدلب، دعا وفق تسجيل صوتي متداول له، إلى الانتباه من حملة الاعتقالات، لافتًا إلى أن الأمور في إدلب مفتوحة على كل الاحتمالات، وذلك بعد لقاء جمعه بالجولاني، الأحد 26 من مايو/ أيار، حيث تحدث الأخير عن إصلاحات التي أجرتها هيئة تحرير الشام، ودعوات الحوار منذ ثلاثة أشهر.
واعتبر أن الإصلاحات لا تزال دون المأمول، لأن المطلب الرئيس هو تداول سياسي حقيقي للسلطة، مؤكداً أن أعضاء الحراك جاهزون للحوار بعد ترتيب بنية الحراك التنظيمية، لكن زعيم الهيئة رفض ذلك، معتبراً أن الأمر تأخر، وطلب توقف المظاهرات مقابل الإفراج عن المعتقلين.
القدس العربي