أدانت منظمات حقوقية وإنسانية ارتكاب النظام السوري أعمال اغتصاب وعنف جنسي داخل المعتقلات ومراكز الاحتجاز التي يديرها، مشددة على أهمية العمل القانوني للمحاسبة في جميع أنحاء العالم للضحايا والناجين، في وقت أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أمس الجمعة، وفاة لاجئ سوري احتجزته أفرع النظام الأمنية أثناء إعادته قسراً من لبنان، حيث توفي في أحد مراكز الاحتجاز بسبب تعذيبه حتى الموت، بينما احتشد المئات الجمعة، بتظاهرات شعبية سلمية، في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء مؤكدين رفضهم جر المحافظة إلى الخيار العسكري، ومؤكدين عبر شعارات ولافتات استمرار حراكهم المدني بوجه النظام السوري، مطالبين بإسقاط بشار الأسد، وتطبيق القرارات الأممية والإفراج عن المعتقلين.
وردد المتظاهرون شعارات مناهضة للنظام مطالبين بالحرية والعدالة والانتقال السلمي والسياسي للسلطة في سوريا، كما رفعوا بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لافتات كتبت عليها عبارات أكدوا خلالها على وحدة الأراضي السورية وعلى استمرار الانتفاضة الشعبية، أبرزها “سوريا واحدة موحدة” و”الحياة بأصالتها ثورة فكن ثائراً على الدوام” و”الجماجم التي سقطت تكفي لإعمار سوريا”، و”السويداء يا دار السلام”.
المتحدث باسم شبكة أخبار السويداء 24، ريان معروف، قال إن مئات المحتجين احتشدوا في يوم جمعة جديد ومظاهرة جديدة في ساحة الكرامة، حيث قدُمت الوفود من مختلف مناطق المحافظة، استمراراً لحراكهم الشعبي، مؤكدين على سلميتهم ومُصرين على مطالبهم حتى تحقيقها.
وأضاف المصدر: “رفع المتظاهرون لافتات تحمل مطالبهم بالحرية والتغيير السياسيّ، كما علت أصواتهم بالهتافات، وترديد الأهازيج والأغاني الثورية على أصوات الآلات الموسيقية، كما رسم المحتجون شعارات تدعو لمقاطعة الانتخابات على جدران منصة ساحة الكرامة، وهو الشعار الذي اعتُمد منذ قرابة الأسبوعين في حملة مُقاطعة امتدت على مستوى محافظة السويداء”.
وشارك في المظاهرات وفود من قرى الريف الجنوبي مروراً بمدينة شهبا وقراها وصولاً إلى قرية حزم شمالاً، حيث دخلت ساحة الكرامة بالهتافات واللافتات، بتنظيم لافت للساحة من قبل النشطاء.
تزامناً، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في بيان، الجمعة، إن أحمد عدنان شمسي الحيدر، من أبناء مدينة البوكمال شرق محافظة دير الزور، اعتقلته قوات النظام السوري في نيسان 2024، عند مروره على إحدى نقاط التفتيش التابعة لها في مدينة دمشق، وتم اقتياده إلى فرع فلسطين “235” التابع لشعبة المخابرات العسكرية في مدينة دمشق.
وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها الشَّبكة من نشطاء محليين في دير الزور، كان أحمد لاجئاً في لبنان، وفي نيسان 2024، قامت عناصر الأمن العام اللبناني باعتقاله وإعادته قسراً إلى الحدود السورية مع مجموعة من اللاجئين، في إطار حملة أمنية شنَّتها السلطات اللبنانية منذ بداية عام 2024 ضد اللاجئين السوريين المتواجدين في لبنان.
واعتقل أحمد فور إعادته من لبنان دون إصدار مذكرة اعتقال قانونية أو إبلاغ ذويه، ومنع من التواصل مع عائلته أو محامٍ. حيث نقل من فرع فلسطين في دمشق إلى فرع الأمن العسكري في دير الزور، ومنذ ذلك الوقت، أصبح في عداد المختفين قسراً.
في 25 حزيران يونيو 2024، تلقَّت عائلة الضحية “أحمد” بلاغاً من أحد عناصر قوات النظام السوري أعلمهم فيه بوفاة “أحمد” داخل فرع الأمن العسكري في مدينة دير الزور، ثم سلمتهم جثمانه من مشفى “أحمد الهويدي” العسكري في مدينة دير الزور في اليوم التالي. وتفيد المعلومات بأنّ “أحمد” كان بصحة جيدة عند اعتقاله، مما يرجح بشكلٍ كبير وفاته بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية داخل فرع الأمن العسكري في مدينة دير الزور.
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، قال لـ “القدس العربي” إن التعذيب يعتبر انتهاكاً وجريمة في القانون الجنائي الدولي، ويتحمّل الأشخاص الذين أصدروا الأوامر بالتعذيب أو ساعدوا في حدوثه المسؤولية الجنائية عن مثل هذه الممارسات، كما أن القانون الدولي يحظر التعذيب وغيره من المُعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المذلة، وأصبح ذلك بمثابة قاعدة عُرفية من غير المسموح المساس بها أو موازنتها مع الحقوق أو القيم الأخرى.
ومنذ مطلع عام 2024، وثَّقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 126 شخصاً من اللاجئين الذين أعيدوا قسراً من لبنان بينهم 4 أطفالٍ و3 سيدات، اعتقلتهم عناصر قوات النظام السوري في مراكز احتجازها، ومعظمهم اعتقلوا من قبل مفرزة الأمن العسكري التابعة لقوات النظام السوري في منطقة المصنع الحدودية. وتؤكِّد أنَّ عمليات ترحيل اللاجئين، وممارسات الإعادة القسرية بحقِّ اللاجئين السوريين، تُشكِّل انتهاكاً للقانون العرفي، وتتحمل الحكومات التي تقوم بذلك المسؤولية القانونية لما يتعرض له المعادون قسراً من تعذيب وقتل وإخفاء قسري وغير ذلك من الانتهاكات على يد النظام السوري، إلى جانب مسؤولية النظام السوري المباشرة عن هذه الانتهاكات.
بموازاة ذلك، أكدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، لين ويلشمان، أن النظام السوري ارتكب أعمال الاغتصاب والعنف الجنسي داخل المعتقلات ومراكز الاحتجاز التي يديرها، وأفلت بشكل تام من العقاب، مشددة على أهمية العمل القانوني للمحاسبة في جميع أنحاء العالم للضحايا والناجين.
وقالت خلال مشاركة المفوضة الأممية في ندوة عقدها “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” ومؤسسة “العمل القانوني في جميع أنحاء العالم”، بشأن العنف الجنسي في مراكز الاحتجاز السورية، إن لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا وثّقت منذ تقريرها الأول التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، التي تحدث في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وكذلك التي تسيطر عليها جهات أخرى.
وأضافت أن “العنف الجنسي يُستخدم من قبل قوات النظام السوري والميليشيات المرتبطة بها كوسيلة للإجبار على الاعترافات ولاستخلاص المعلومات وكعقاب وإرهاب للمجتمعات المعارضة”، مشيرة إلى توثيق لجنة التحقيق الدولية آلاف الحالات من الاغتصاب والعنف الجنسي في أكثر من 30 فرعاً استخبارياً وسجناً عسكرياً تابعاً للنظام السوري.
القدس العربي