أصدر النظام السوري قراراً بفصل 41 موظفاً من فئة العمال والمؤشرين، من شركة كهرباء السويداء، وسط مخاوف من تطبيق هذا القرار، الذي “سيشلّ شركة الكهرباء ويوقعها في عجز كارثي”، حسب مصدر مطلع.
واعتبر محللون لـ “القدس العربي” أن هذا القرار يأتي في سياق سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها النظام السوري، أمام عجزه عن استخدام القوة العسكرية في مواجهة الحراك المتواصل في السويداء، والذي يشكل له أزمة حقيقية، حيث لجأ إلى التضييق على الأهالي في مختلف الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية، بينما رأى آخرون أن القرار مرتبط بإجبار الشبان على الالتحاق بالخدمة العسكرية فقط، أسوة بباقي المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام.
واتفق مع ذلك، المتحدث باسم شبكة أخبار السويداء 24″ ريان معروف الذي اعتبر في حديث مع “القدس العربي” أن فصل هؤلاء الموظفين جاء نتيجة تخلفهم عن الخدمة الاحتياطية، رغم امتثالهم لعدة تسويات سابقة.
وقال معروف: “لا أعتقد أن الموضوع مرتبط بالحراك السلمي أو المظاهرات في السويداء، وإنما النظام يتعامل بهذه الطريقة في السياق العام، ومعظم المناطق تتعرض لنفس هذه الإجراءات، وغالبية المؤسسات الحكومية تصدر مثل هذه القرارات لإجبار الناس على الالتحاق بالخدمة العسكرية”.
ومن المعلوم وفق المتحدث، أن هذه القرارات تؤدي إلى انهيار بالمؤسسات، وفي حال طبق هذا القرار على مؤسسة الكهرباء فإنها ستواجه حالة انهيار، لأن هؤلاء العمال هم عصب الشركة.
وأكد قائلاً: “لا يوجد مؤشر على ارتباط فصل العمال بمواصلة الحراك، وإنما هي سياسة النظام في التعامل مع هذا الملف، ولا شك أنها سياسة خاطئة”. وقال ريان: “هذه الفئة هامة جداً، في ظل نقص الكوادر وضعف الإمكانات نتيجة الظروف القاسية التي تعيشها البلاد، لذلك من الصعب جداً أن تستغني شركة الكهرباء عن هذا العدد الكبير من الموظفين، أو تعويضهم، نتيجة نقص الكوادر”.
ومنذ صدور القرار، يحاول المسؤولون في شركة كهرباء السويداء بالتعاون مع المحافظ والعديد من الجهات المعنية “مخاطبة الحكومة للعدول عن قرار الفصل، واقتراح حلول بديلة مثل أن تُحسب خدمتهم في محافظة السويداء ويستمر عملهم في شركة الكهرباء”.
وتحاول شركة الكهرباء “عدم إصدار القرار الذي تسلمته بالفعل، وسط مفاوضات مع رئاسة مجلس الوزراء للعدول عن هذا القرار الكارثي”، وفق وصفه.
وفي هذا الإطار، اعتبر أحد الموظفين الذين صدر قرار فصلهم أن الاستغناء عن هذا العدد من العمال دفعة واحدة سيوقع شركة الكهرباء في أزمة حقيقية، ويؤدي إلى فراغ كبير في الكوادر. وبالتالي، سيكون انعكاسه على الوضع العام في المحافظة سلبياً جداً، لا سيما أن قطاع الكهرباء يعد الأكثر حساسية ويرتبط بمختلف القطاعات الخدمية.
وأضاف الموظف أن قرار الفصل غير منطقي في ظل هذه الظروف، “فليس لدينا القدرة على دفع البدل الداخلي للخدمة الاحتياطية، وأوضاعنا العائلية بشكل عام غير مستقرة، إذ يعيل غالبيتنا أسراً وعائلات، ونواجه ظروفاً صعبة في العمل”.
وتتزايد المخاوف من تفعيل القرار وصرف هؤلاء الموظفين حسب المصدر، كما أن “المسألة تتطلب إثارة القضية لدى الرأي العام، للدفاع عن حقوق عمال الكهرباء وإيجاد حل سريع لهم يضمن عدم تفريغ شركة الكهرباء من كوادرها وتعقيد الأزمة أكثر مما هي معقدة”.
وتشهد محافظة السويداء ة منذ منتصف أغسطس/ آب 2023 احتجاجات شعبية، في أطول موجة احتجاج تمرّ بها المحافظة مقارنةً مع تلك التي كانت تشهدها بشكل متقطّع اعتباراً من عام 2011. ولأوّل مرة تمسّكت احتجاجات جبل حوران بالمطالب السياسية التي نادت بتغيير النظام وصولاً لإسقاطه في بعض الأحيان.
واعتمد النظام السوري، وفق مركز “جسور للدراسات” في مواجهة حراك السويداء على مجموعة من الأدوات، فضلاً عن استخدام العنف المنضبط، حيث عمل على شقّ صفّ القيادة الروحية الدرزية والعقاب الجماعي للسكان من خلال التضييق عليهم في مختلف الخدمات والمساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الحكومية أو الجمعيات الخيرية المرتبطة به. حيث تعمّد النظام بشكل واضح التأخير في تسليم الأهالي مخصَّصاتهم من مازوت التدفئة رغم أن السويداء منطقة جبلية شديدة البرودة، وسط نقص في إمدادات المحروقات، مما أثّر على قطاع النقل الداخلي في المحافظة.
كما أدى إهمال النظام في إصلاح منظومة آبار الثعلة المغذية لمدينة السويداء بالمياه؛ العام الفائت، إلى خروج 90% تقريباً من الآبار عن الخدمة، وبالتالي انقطاع المياه بشكل شِبه كامل عن مناطق واسعة، لا سيما الريف الشرقي للمحافظة، مما دفع السكان للاعتماد على سيارات نقل المياه (الصهاريج) ذات التكلفة المرتفعة.
وشملت سياسات التضييق “مجموعة من القطاعات الخدمية الأخرى مثل الصحة ورعاية المسنين. كما شهدت المحافظة تراجُعاً فيما تقدمه الجمعيات الإنسانية المرتبطة بالنظام مثل جمعيات نور، والرعاية الاجتماعية، والوفاء للمعاقين جسدياً، ونبض، ومرساة. بشكل تدريجي حيث تم تخفيض المساعدات المقدَّمة للمحتاجين، فضلاً عن تحكُّم الهلال الأحمر والأمانة العامة للمحافظة بملف المساعدات وتوزيعها واستغلالها لأهداف سياسية، كما حصل في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2023 عندما أوقف المحافظ جمعية “مرساة” عن توزيع معاطف شتوية لطلّاب المدارس في إحدى قرى المحافظة بعد رفض أهالي القرية دخول المحافظ مع وفد من حزب البعث إلى القرية لحضور عملية التوزيع، معتبرين دخولهم استغلالاً للمساعدات من أجل أهداف سياسية”.
في غضون ذلك، انتفض أهالي السويداء، مجددين حراكهم الشعبي في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء.
وحسب مصادر محلية، فقد جددت ساحة الكرامة مظاهرتها المركزية الأسبوعية، حيث توافد عشرات المحتجين من مدن وقرى المحافظة، رافعين اللافتات المعبرة عن مطالبهم، بالورود وأغصان الزيتون، الشعارات المطالبة بمواصلة سلمية الحراك، كما رددوا الهتافات والأهازيج الشعبية، مؤكدين على مطالبهم بإسقاط النظام وتطبيق القرار الدولي 2254.
القدس العربي