يتزايد الخطر الذي يهدد صحة الأطفال السوريين في لبنان، وقد أدى نقص المستلزمات الأساسية والبقاء في العراء لأيام، في البقاع وبعلبك ومناطق جنوب لبنان، إلى عجز الأطفال النازحين وأسرهم عن الحفاظ على إجراءات السلامة للوقاية من الأمراض، إذ ارتفعت حالات الأمراض الموسمية والأمراض الرئوية بين الأطفال.
وحسب شهادات أهلية لـ”القدس العربي”، فقد دُفعت الأسر السورية في لبنان، والتي تبحث بيأس عن ملاجئ أو مخيمات، إلى الشوارع والحدائق منذ نحو أسبوع، وفي أحسن الأحوال إلى اللجوء إلى غرف صغيرة ومكتظة ضمن أبنية غير شرعية أطلقوا عليها اسم مراكز إيواء.
الدكتور فراس الغضبان، مدير جميعة “إيما” الطبية في لبنان، يقول لـ “القدس العربي” إن الأمراض المنتشرة بين الأطفال اليوم هي الأمراض الموسمية، مثل نزلات البرد والرشح وأمراض رئوية، حيث “نقوم بمعاينة الأطفال عبر عيادتنا النقالة، وإعطاء الأدوية اللازمة”.
وتغطي العيادة المتنقلة، حسب الطبيب، مناطق البقاع والمرج، في المنطقة الوسطى وقرى وبلدات سعد نايل والياس وشتورة.
ورغم محاولة استيعاب الحالات، إلا أن الغضبان أعرب عن مخاوفه من انتشار الأمراض المزمنة كالتهاب الكبد والكوليرا، حيث قال: “معظم العائلات تبيت في العراء، ولذلك نتخوف من مواجهة أمراض مزمنة، مثل التهاب الكبد والكوليرا نتيجة عجز الأهالي عن الحفاظ على مستويات النظافة الصحية اللازمة للوقاية من الأمراض خاصة العائلات التي تقيم في الشوارع ثم تنتقل إلى مراكز إيواء، حيث تنعدم الظروف الصحية المناسبة”.
إبراهيم وهو مدير منظمة إنسانية تعمل في البقاع، فضّل حجب هويته، يقول في حديث مع “القدس العربي”: “لم تعد تجد الأسر السورية النازحة مكاناً تأوي إليه، حيث تضطر المئات منها، على مد البصر في البقاع والمرج والبلدات والقرى المحيطة فيها، إلى المبيت والنوم في الشوارع، ولكن ربما يحالف بعضهم الحظ، في تأمين المنظمات الإنسانية المحلية مبيتاً لها ضمن غرف مكتظة بشكل سري”.
و”نتيجة لعجزنا، وعدم السماح الشرعي لنا بافتتاح ملاجئ للناس، فإن المئات من الأطفال تعاني بعد أسبوع من المبيت في الشارع من نزلات البرد، بسبب انخفاض درجات الحرارة في الليل، وأمام انتشار هذه العدوى، تعمل بعض المنظمات الطبية على تقديم المسكنات للأطفال لكن هذه الإجراءات البسيطة لا تكفي أمام حجم الكارثة الإنسانية وبقاء مئات النازحين من الأطفال في الشوارع مع ذويهم دون مأوى”.ويضيف: “بالنسبة للأسر النازحة، فإنهم يواجهون صعوبات كثيرة في تأمين المستلزمات الأساسية من وجبات غذائية وبطانيات وغيرها، ومجرد العثور على مأوى وسط القصف الإسرائيلي المكثف، هو أمر مرهق جسدياً ونفسياً، نتيجة صعوبات إدارية وضرورة استخراج موافقة رسمية للعائلة”.
ويضيف إبراهيم: “افتتحنا 4 مراكز إيواء، في المرج وبلدة غزة في البقاع الغربي، كما استقبلت مدارس “كياني” في مجدل عنجر وسعد نايل عشرات العائلات السورية، حيث تأوي كل غرفة نحو 35 شخصاً، ما اضطرنا إلى إقامة مجموعات من الخيام أمام مركز الإيواء، لتأوي الرجال وفصلهم عن المراكز المكتظة بالنساء والأطفال. حيث نعمل على توزيع حليب الأطفال وبطانيات”. وحول ظروف مراكز الإيواء يقول إبراهيم: “هي إما مراكز تعليمية تابعة لجمعية إنسانية، أو مراكز دعم نفسي أو إنها أبنية كانت تستخدم للنشاط الترفيهي، وقد توقف عملها خلال الحرب”. وحول التحديات التي تواجههم يقول: “ليس لدينا الإمكانية المادية للاستمرار، ولم تعد الميزانية تكفي لمساعدة كل هذه العوائل التي تقيم في العراء، فالناس تملأ الطرقات، ولا فرق لدينا كمنظمات إغاثية تعمل في الميدان بين لبناني وسوري، لكن التحديات التي تواجهنا هي إجبارنا على استخراج موافقات من وزارة الشؤون لنقل أي عائلة سورية إلى مراكز الإيواء التي نعمل على تجهزيها”.
ويضيف: “أمام حجم الاحتياجات المطلوبة، فإن إمكانياتنا قد تنفذ في أي لحظة، بسبب تضاعف أعداد النازحين في الشوارع والأزقة والحدائق، لا سيما مع توسيع الرقعة الجغرافية للغارات الإسرائيلية والتي تطال أحياء جديدة كل يوم، ما يضع كل الأحياء المستهدفة والمجاورة تحت الخطر، ويدعو سكانها والمقيمين فيها إلى النزول إلى الشارع خوفاً من غارات مماثلة”.
ويشير المتحدث إلى أن طاقهم يعمل على توزيع وجبات ساخنة للعائلات التي تقيم في الشوارع، ويقول: “وزعنا بالتعاون مع بعض المطابخ وجبات ساخنة، إضافة إلى حوالي 500 بطانية، ومثلها من علب حليب الأطفال، لكن هذه الأرقام صغيرة جداً أمام احتياجات الأهالي. وفي ظل ارتفاع الأسعار يمكن أن تنفد طاقتنا على الاستجابة في أي وقت”.
ويكابد اللاجئون السوريون في لبنان، حسب منظمات حقوقية، ظروفاً إنسانية بالغة الصعوبة في ظل تصاعد الغارات الإسرائيلية، والمخاوف من اتساع رقعة الحرب، حيث تجد آلاف العائلات نفسها محاصرة بين خيارين أحلاهما مر، فإما البقاء في العراء رغم القصف الإسرائيلي المكثف، أو العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، حيث يواجهون خطر الاعتقال والاختفاء القسري.
في غضون ذلك، أعرب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي “أوتشا” عن قلقه من تدفق السوريين واللبنانيين عبر الحدود إلى سوريا، مؤكداً أنه “لا يمكننا تحمل مزيد من حالات الطوارئ الإنسانية”.
وقال بيان مشترك للمنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، آدم عبد المولى، والمنسق الإقليمي للأزمة السورية، رامناتن بالكرشنن، إننا “نتابع عن كثب التطورات المقلقة في المنطقة، حيث شهدنا في الأيام القليلة الماضية تدفق آلاف السوريين واللبنانيين إلى محافظات ريف دمشق وحمص وطرطوس في سوريا”.
وأضاف: “نرحب بقرار حكومة النظام السوري بفتح جميع المعابر الحدودية أمام المدنيين القادمين من لبنان فراراً من الأعمال العدائية في سعي للنجاة بحياتهم”، موضحاً أن “معظم الوافدين يعانون من الصدمة، حيث أفادت بعض العائلات أنها استغرقت يومين للوصول إلى الحدود، بينما عبر آخرون جبالاً وعرة سيراً على الأقدام، ووصلوا في حالة من الحاجة الماسة والإرهاق”.
ووفق البيان، فإن الأمم المتحدة وشركاءها يعملون بالتنسيق مع “الهلال الأحمر السوري”، وتحشد استجابة فورية لتوفير المياه والغذاء والفرش والبطانيات وغيرها من المواد غير الغذائية الأساسية، في حين يتمركز الشركاء الإنسانيون على الحدود لمراقبة الوضع وإجراء عمليات تقييم للاحتياجات الإنسانية.
وأكد البيان المشترك على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى “خفض التصعيد في المنطقة وتداعياته البعيدة المدى”، مؤكداً أنه “لا تحمل أعباء مزيدٍ من حالات الطوارئ الإنسانية”، مؤكداً أن “قدرة الناس على التحمل تجاوزت حدود القياس”. وأشار إلى أنه “في سوريا، يحتاج 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، في حين تسجل الاستجابة الإنسانية نقصاً في التمويل، فحتى الآن، تمت تلبية ما يزيد قليلاً على 25 % من المتطلبات المالية”.
وطالب بيان “أوتشا” المشترك المجتمع الدولي بأن “يتحد لمنع مزيد من المعاناة”، مشدداً على أن “مسؤوليتنا الجماعية تقتضي التحرك بسرعة وفاعلية”.
القدس العربي