اعتبر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن النظام السوري غير مستعد ولا منفتح على مناقشة بعض القضايا المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، مؤكداً أن بلاده لا تطمح إلى تغيير النظام في دمشق، يجري ذلك بينما استقبل وزير الخارجية السوري، بسام صباغ، الأحد، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون الذي كان حَطَّ في دمشق، الأربعاء الفائت، لبحث إمكانية استئناف عمل ملف اللجنة الدستورية المتوقفة منذ أكثر من عامين، في وقت اتهم مصدر مسؤول في هيئة التفاوض السورية الرئيس السوري بشار الأسد بعدم وجود إرادة سياسية حقيقة لديه، للمضي في تنفيذ القرارات الأممية ومن ضمنها كتابة دستور جديد للبلاد.
وأفادت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، الأحد، أن بيدرسون الذي يبحث ملف “الدستورية” مع صباغ، في ظل تعثر إطلاقها نتيجة عدم التوافق على مكان انعقادها، بات على قناعة أنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف. وبرر المصدر تعثر استئناف أعمال اللجنة الدستورية إلى أن قناعة ورغبة بيدرسون بالذهاب نحو خيار إحدى العواصم العربية كمكان لانعقاد “الدستورية” سيبقى مرهوناً بالموافقة الأمريكية، حيث لا تزال واشنطن ومعها المعارضة السورية ترفض انعقادها في أي مكان آخر غير جنيف.
وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، قد صرح، قبل أيام، أن جنيف هي “المكان الوحيد المرفوض” من قبل الجانب الروسي لاستئناف أعمال اللجنة الدستورية السورية المشكلة من الأمم المتحدة من النظام والمعارضة السورية والمجتمع المدني من كلا الطرفين، لكتابة دستور جديد للبلاد.
وأوضح في تصريح لوكالة “تاس” الروسية، أن سلطنة عُمان، ومصر، والسعودية، والعراق، أعلنت استعدادها لاستضافة اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، مؤكداً استعداد بلاده للعمل في هذه العواصم، ولفت إلى أن الخيار المصري “مطروح على الطاولة”، إضافة إلى خيار الرياض، لافتاً إلى أن المعارضة السورية ترفض عقد الاجتماعات في العاصمة العراقية بغداد بسبب موقف الحكومة العراقية المنحاز للنظام. وبينما اعتبرت وسائل إعلام النظام السوري أن المعطيات تشير إلى أن ملف “الدستورية سيبقى متعثراً وبانتظار حصول التوافق على مكان انعقادها” حمّل رئيس المكتب القانوني لدى هيئة التفاوض السورية المحامي طارق الكردي في حديث مع “القدس العربي” النظام السوري مسؤولية عرقلة اجتماعات اللجنة الدستورية حيث تساءل قائلاً: “هل سبب تعطل أعمال اللجنة هو المكان؟ الجواب هو لا”، معتبراً أن “السبب الحقيقي هو عدم وجود إرادة سياسية لدى رئيس النظام السوري للمضي قدماً في تنفيذ القرار 2254 “ومن ضمنها الانخراط الإيجابي في أعمال اللجنة الدستورية.
وقال رئيس المكتب القانوني في جوابه حول تلقي المعارضة السورية أي مقترح حول مكان بديل لانعقاد الجولة التاسعة إن “هيئة التفاوض لم تتلق أي مقترح من المبعوث الدولي بيدرسون يفيد بنقل أعمال اللجنة الدستورية إلى أي مكان بديل. وأضاف: “ننتظر لنرى نتائج مباحثات بيدرسون في دمشق ومن ثم يبنى على الشيء مقتضاه”.
وكانت هيئة التفاوض السورية قد عقدت، الأسبوع الفائت، في جنيف، اجتماعاً تشاورياً، شهد ورشة عمل حضرها عدد واسع من الخبراء والباحثين في مجالات سياسية واقتصادية، ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة القضايا الأساسية المتعلقة بالعملية السياسية.
رئيس هيئة التفاوض السورية، بدر جاموس، قال إنه سيعرض نتائج التشاور مع المجتمع السوري على المجتمع الدولي، للتأكيد على أن السوريين يرون أن الحل السياسي هو الأساس، ولا بدَّ من تطبيق القرارات الدولية، وفي مقدمتها بيان جنيف والقرار 2254 بشكل كامل وصارم، مشدّداً على ضرورة أن يكون السوريون جبهة موحّدة، يوحدهم التوافق على المسارات والإستراتيجيات.
إلى جانب ذلك، تحدّث أمين سر هيئة التفاوض، صفوان عكاش، عن ضرورة توافر التوافق الروسي الأمريكي لتطبيق بيان جنيف والقرار 2254، باعتبار أن كل طرف قادر على تعطيل العملية السياسية، وشدّد على أهمية تعامل المعارضة بجدية مع هذه المشكلة، والسعي بجميع الوسائل لاستعادة القرار السوري، ووجود قيادة جامعة برؤية جامعة ومشروعية شعبية، مشدداً على ضرورة وجود مجتمع مدني قوي يعمل بتناغم مع القوى السياسية، لأنه يؤدي إلى تعميق العمل الديمقراطي، وهذا يساعد المجتمع السياسي على تأدية مهامه.
وعقدت الجولة الثامنة للجنة الدستورية السورية في جنيف في صيف 2022، وانتهت بلا نتائج في فشل منسوخ عن الجولات السابقة، حيال وضع صياغات دستورية تفضي إلى كتابة دستور جديد للبلاد، وفقاً للقرار الأممي 2254. وفي عام 2015 أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2254 بهدف تشكيل حكومة انتقالية في سوريا وإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات، متضمناً إجراءات لبناء الثقة وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، لكن المصطلحات الواسعة المستخدمة في القرار ولّدت خلافات وتفسيرات عديدة بين الأطراف، خاصة بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية أو “هيئة الحكم الانتقالي”.
وبينما يرى البعض أن مناقشة ملف اللجنة الدستورية هو باب من أبواب الحل السياسي، بهدف إعادة الاهتمام إلى الملف السوري ووضعه على طاولة المجتمع الدولي من جديد، يُؤخذ على اللجنة الدستورية في رأي آخرين أنها تجاوزت هيئة الحكم الانتقالي وتحولت مباشرة إلى كتابة دستور، حيث يصف هؤلاء جولاتها السابقة بـ “العبثية” ومعارضة أهداف الثورة في تحقيق انتقال سياسي حقيقي للسلطة دون شراكة مع النظام.
بموازاة ذلك، أشار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى أن أنقرة تفضل بحث القضايا العالقة مع دمشق على طاولة الحوار وفي إطار أكثر “تنظيماً وبشكل دبلوماسي”.
وقال فيدان في تصريحات أدلى بها خلال لقائه ممثلي صحف ووسائل إعلام في مقر وزارة الخارجية بالعاصمة أنقرة: “صراحة، يبدو أن الجانب السوري غير مستعد ولا منفتح لمناقشة بعض القضايا، خصوصاً في هذه المرحلة، وبعبارة أخرى، إنه ليس منفتحاً حتى على اللقاء مع معارضيه”.
وأضاف حسب وكالة الأناضول التركية أن بعض الجهات تروّج لـ”اشتراط تركيا على رئيس النظام بشار الأسد التوصل إلى اتفاق مع المعارضة السورية، لكن هذا ليس شرطاً مسبقاً تضعه أنقرة أمام دمشق، إلا أن حل المشكلة يمر عملياً عبر خطوات من هذا القبيل”.
وبشأن أولويات إيران في سوريا، قال الوزير التركي إنها لا تشمل تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. وأضاف أن هذا الموضوع ليس مدرجاً على أجندة روسيا في الوقت الراهن، نظراً لوجود وقف إطلاق نار حالياً في المنطقة ولعدم وجود تهديد كبير. مؤكداً أن بلاده “أظهرت نيات حسنة في هذا الشأن”.
وأردف: “ليست لدينا نية عدوانية أو احتلال أراضي أحد، كما لا نطمح إلى تغيير النظام”، كما حذر وزير الخارجية التركي من وجود تهديد متزايد يتطور باستمرار داخل سوريا.
وأرجع سبب ذلك إلى “عدم اتخاذ الخطوات اللازمة فيما يخص مكافحة الإرهاب وقضية اللاجئين”.
وتابع: “بعبارة أخرى، قد يتحول هذا التهديد إلى تهديد يتزايد بشكل مستمر من حيث تكلفة القضاء عليه مع مرور الوقت. لذلك نواصل مساعينا للبحث عن حلول، وعندما لا تثمر الجهود الدبلوماسية والمنهجية البناءة عن حل ما، يمكننا النظر حينها في كيفية اتخاذ خطوات أخرى في الوقت المناسب”.
القدس العربي