طالما أطلق السوريون على برلمان بلادهم اسم «مجلس الدمى»، تندرا على دوره الهامشي وتصديقه على السياسات العامة للحكومة دون نقاش أو مساءلة. وهذا ما يقر به فعلا أعضاء في المجلس، تحدثت «القدس العربي» معهم، مشيرين إلى أنهم كانوا «مضللين ومقيدين ومرغمين».
أوضحت أمينة سر مجلس الشعب فوزية مناع، وهي من محافظة إدلب، لـ» القدس العربي» أن «المجلس مجمد بقرار من الإدارة العامة لثلاثة أشهر، ومكتب المجلس قد تواصل مع الإدارة الجديدة، وأرسلنا إليها تقريرا يوضح عمل المجلس، وبأن أيادينا ممدودة لمساعدة بلدنا في هذه اللحظات العصيبة، وأننا جاهزون لأي شيء يصب في صالح بلدنا، ولكي تبقى سوريا واحدة موحدة».
وقالت إن «المجلس لم يُحل، وحسب الدستور المعمول به منذ عام 2012، فإن لا أحد يحل المجلس إلا رئيس الجمهورية، واليوم نحن في حالة تجميد وموقوفين عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، لكننا في المجلس مع أي قرار تتخذه الإدارة العامة لصالح البلاد وأيادينا ممدودة للتعاون ونأمل أن نكون إلى جانب الإدارة وإلى جانب الشعب السوري».
وبعد إسقاط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي بخمسة أيام، أعلن المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية في حكومة تسيير الأعمال عبيدة أرناؤوط، بعد اجتماع لوزراء حكومة الإنقاذ السورية برئاسة محمد البشير مع وزراء سابقين في حكومة محمد الجلالي عن تجميد الدستور والبرلمان مدة 3 أشهر».
وبعد إسقاط نظام الأسد بيوم واحد، أصدر مجلس الشعب بيانا اعتبر فيه يوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر «يوما تاريخيا فاصلا في حياة السوريين جميعا»، موضحا أنه يضع إمكاناته في خدمة الشعب و»ملتزمين بإرادته الحرة، وهو يتجه اليوم نحو الأفضل بقيادة أبنائه الذين حرروه نحو سوريا الناهضة».
ووفق مناع، «لا أحد من أعضاء المجلس قد تعرض للتوقيف ولم نرَ أي تصرف سلبي من الإدارة الجديدة»، متمنية صرف رواتب أعضاء مجلس الشعب «باعتبار أن الصورة تختلف عما تبدو عليها، فالكثير من الأعضاء كانوا يسترون على عائلاتهم من رواتبهم».
في حين، توقع عضو المجلس جمال مصطو، خلال تصريح له لـ»القدس العربي» أن «يتم حل المجلس من خلال مؤتمر الحوار الوطني المتوقع عقده، وسيصدر ذلك عن المؤتمر باعتبار أنه سيمثل جميع شرائح المجتمع السوري والمحافظات، ومن الممكن لهذا المؤتمر أن يفوض القائد الأعلى للإدارة الجديدة أحمد الشرع بمهام رئيس الجمهورية وحينها يمكن طبعا ووفقا للدستور الحالي باتخاذ قرار بحل مجلس الشعب وتشكيل لجان مختصة لوضع دستور جديد ومن ثم الدعوة لانتخاب مجلس شعب جديد».
وقال: «كنا مضللين، وما حصل قد فاجأنا جميعنا، فلم نكن نتوقع أن تصل الخيانة إلى هذا المستوى، إن كان من بشار الأسد أو زوجته أسماء ومحيطه القريب، ولكننا في ذات الوقت مرتاحون اليوم من وعي الشعب السوري العالي، وأنا حاليا في اللاذقية التي تمثل مزيجا من جميع فئات الشعب السوري».
وتابع: «كنا مقيدين ومرغمين، وكانوا يكممون أفواهنا، ومن لا يسير حسب رغباتهم كان يفصل أو يمنع من الترشح، كما رفضوا أن تتحول جلسات مجلس الشعب، لتكون علنية».
العضو عن محافظة إدلب عبر عن تفاؤله بالتصريحات الصادرة عن القيادة الجديدة، معتبرا «أن سوريا تتحرك نحو الأفضل، وكان هناك تخوف من حصول حرب أهلية أو طائفية، لكن الحمد لله فإن كل المعطيات تشي بأن سوريا ستبقى دولة واحدة من دون تقسيم وستنهض بإمكانياتها».
العضو السابق في مجلس الشعب لدورته ما بين 2016 – 2020 الإعلامي والكاتب نبيل صالح قال لـ»القدس العربي» إنه «مع نظام برلماني رئاسي مستقل»، معتبرا أنه «وإن كان الجميع يعلن أنه لن يرضى بالتقسيم، لكني أعتقد أننا نتجه نحو اللامركزية، وحينها سيتمتع برلمانيو كل منطقة بقوة أكبر، لأنهم سيمثلون مصالح تلك المنطقة الاقتصادية، ولن يسمح الشعب لهم باستغلال مناصبهم وسيتعرضون للمساءلة».
وعن مجلس الشعب، قال: «يجب استبدال اسمه ليحمل اسم برلمان، كما هو معمول به في الدول الأوروبية، وأن يتم السماح ضمنه بتشكيل الكتل البرلمانية بدلا من هيمنة الأحزاب عليه كما كان حاله».
وزاد: «أطلقت عليه تسمية «مجلس الدمى»، فقد كانت برامج المجلس لا تتعدى كونها برامج مجالس المحافظات ويقتصر دورها في متابعة القضايا الخدمية التي عادت ما تقع على عاتق البلديات».
وبين أن «القائمين على المجلس كانوا ينتهكون النظام الداخلي، فقد قدمت ثلاث مذكرات موقعة من أكثر من 10 نواب، لكن مصيرها كان في سلة المهملات، كما كان وزراء الحكومة يتحكمون بتوجهات غالبية أعضاء المجلس، فكان هؤلاء يقعون بين ثنائية محاولة إرضاء جمهورهم من دون أن يزعجوا الحكومة فلا يرضون أحدا».
ووصف اجتماعات المجلس بأنها «كانت أشبه ما تكون بالاجتماع الحزبي، وفقرة «ما يستجد من أمور» في ذيل قائمة برنامج المناقشات رغم أنها ما تهم الشعب السوري، أما ما يسبق ذلك من نقاشات فتكون كلاما فارغا، ويتحدثون بالساعات في ذكرى سنوية حافظ الأسد».
وتابع: «يفترض أن يناقش البرلمان السياسات العامة للدولة، لكن، لم يكن يسمح له بمثل هذه المناقشات ودوره كان فقط التصديق على السياسات العامة للحكومة، ومواجهة أي عضو يخرج عن المسارات التي كانوا يضعونها، حتى أن أمينة شعبة حزب البعث في المجلس قالت لي مرة إن هناك توجيها لجميع الاعضاء من الرفاق البعثيين بمهاجمتي على الدوام».
واعتبر صالح أن «فترة ستة أشهر كافية كمهلة زمنية يمكن بعدها تنظيم انتخابات فيما يتعلق بدستور جديد أو سلطة تنفيذية جديدة»، وقال إن «الأحزاب والتجمعات التي يجب أن تظهر ليس فقط على المستوى المحلي وإنما على المستوى الدولي، لا يجب أن تكون بتوجهات سياسية أو إيديولوجية وإنما بتوجهات مصلحية، وسيكون الاقتصاد هو البعد الأول ومن ثم الثقافة، مع التأكيد بأن كل الأحزاب السياسية الحالية تحتاج إلى الدفن، فصلاحياتها قد انتهت».
وقال: «نحتاج إلى نمط جديد من التجمعات المصلحية بالدرجة الأولى وهو ما حاولنا إطلاقه عبر التحالف العلماني السوري الذي أوقفه الأمن العسكري حينها».
القدس العربي