قبل يوم الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024، لم يكن أشد المعادين للنظام السوري يتوقع أن تنجح فصائل المعارضة على اختلاف مسمياتها وتوجهاتها في إسقاط نظام بشار الأسد بعد 13 عاماً من انطلاق الثورة ضده.
المطبات الكبيرة التي واجهت المعارضة سواء المدنية أو ذات الخلفيات الإسلامية في محاولتها لإسقاط النظام، بدءاً من الفشل في الحصول على غطاء دولي مشابه لذلك الذي حاز عليه معارضو القذافي في ليبيا، وصولاً إلى التراجع العسكري على امتداد الجغرافيا السورية، جعل الإحباط يتسلل إلى نفوس المعارضين.
وجاءت سيطرة الفصائل الإسلامية، خصوصاً هيئة تحرير الشام والحركات المتحالفة معها والدائرة في فلكها كنور الدين زنكي، وهيئة أحرار الشام، وحراس الدين، وجماعات المهاجرين القادمين من الصين وآسيا الوسطى، على الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام السوري وتغييب المجموعات المصنفة “معتدلة” عن المشهد السوري بشكل كامل، لتُضعف الآمال أكثر فأكثر في إمكانية إخراج الأسد من دمشق، فوفق اعتبار هؤلاء أن دول العالم لن تسمح ببديل متشدد عن النظام الحاكم ولو كان فاقداً للشرعية الدولية.
لكن في لحظة فارقة من التاريخ، انقلب المشهد رأساً على عقب وتمكنت الجماعات المصنَّف جزء منها على لوائح الإرهاب من خلط الأوراق، بعدما بادرت إلى شن عملية عسكرية أُطلق عليها اسم “ردع العدوان” وكانت تستهدف بدايةً حسب ما أُعلن استعادة مناطق في ريف حلب الغربي لمنع استهداف مدينة إدلب وريفها، لكن الهجوم الردعي كبر ككرة الثلج وانتهى في دمشق بعد أقل من 15 يوماً طاوياً صفحة حكم آل الأسد لسوريا.
ولعلّ كشف الصورة الكاملة لتحضير هيئة تحرير الشام والفصائل المتعاونة معها لهذا الهجوم المفاجئ وسقوط الأسد والاتصالات التي جرت مع أطراف استخباراتية إقليمية ودولية والتنسيق معها ستستغرق سنوات عديدة، غير أن بعض التصريحات التي تسلط الضوء على ما جرى بدأت تَرشح، ولعلّها ترسم جزءاً ولو صغيراً مما حدث منذ اتفاق خفض التصعيد الذي وُقِّع برعاية روسية منذ خمس سنوات.
في البرنامج السياسي الأميركي الشهير Shawn Ryan Show الذي يُبث عبر وسائط التواصل الاجتماعي، خرجت محللة الاستخبارات السابقة، سارة أدامز، لتدلي بمعلومات تُنشر للمرة الأولى عن تحضير وتخطيط هيئة تحرير الشام بشخص قائدها، أبو محمد الجولاني، للهجوم العسكري الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوط نظام الأسد.
وعملت أدامز كمحللة استخباراتية في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، كما شغلت منصب المستشارة الأولى للجنة مجلس النواب الأميركي المعنية بهجوم بنغازي، الذي وقع عام 2012 وأدى إلى مقتل السفير الأميركي، كما قادت الكاتبة جهود البحث والتطوير في وزارة الدفاع الأميركية لاكتشاف وتقديم حلول مبتكرة قائمة على البيانات ومدعومة بالتكنولوجيا لمواجهة تحديات الأمن القومي المعقدة.
تكشف أدامز في شهادتها عن تجهيزات المعارضين السوريين لإسقاط الأسد، قائلة: “إنه في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، أي قبل ثلاث سنوات من إعلان عملية ردع العدوان، بدأت الخطة حيث سافر أبو محمد الجولاني، الذي أصبح اليوم رئيساً لسوريا، مع الليبي موسى بن علي (القيادي البارز في تنظيم القاعدة والذي ساهم بنقل جهاديين ليبيين إلى سوريا)، إلى أفغانستان، حيث التقيا كلاً من سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في حكومة طالبان، والملا يعقوب (محمد)، وزير الدفاع في الحكومة”.
سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان، التي ترافقت مع الانسحاب الأميركي، يبدو أنها دفعت بالجولاني لمحاولة الاستفادة من هذه التجربة، وتحضير شيء مشابه في سوريا، لكن العقبة كانت أولاً في عدم امتلاك هيئة تحرير الشام للعدد المطلوب من المقاتلين للسيطرة على سوريا بشكل كامل، وأيضاً عدم وجود معسكرات آمنة يمكن ضمان عدم تعرضها لقصف الطيران الروسي أو السوري وذلك من أجل تدريب وتجهيز آلاف المقاتلين.
وعلى الرغم من إعلان إدارة ترامب خلال فترة رئاسته الأولى عن مقتل حمزة بن لادن، نجل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بعملية أميركية عام 2019، غير أن سارة أدامز أشارت في حديثها، “إلى أن حمزة التقى بالجولاني وسأله عما يحتاجه، فكان الرد: أريد 10 آلاف مقاتل مدرب، فقام تنظيم القاعدة بتدريب هذا العدد إلى جانب المقاتلين الذين كان زعيم هيئة تحرير الشام قد أرسلهم إلى معسكرات في أفغانستان”.
وفي معرض شرحها للأحداث، تعتبر أدامز، “أن ما يُراد لسوريا مشابه لما حدث في أفغانستان، أي إقامة خلافة إسلامية، وأن حمزة بن لادن يريد تكريم ذكرى والده عبر تطبيق رؤيته بإقامة دول الخلافة ولو استغرق الأمر مئة عام، والآن هناك أفغانستان وسوريا، ثم ستأتي الصومال، ويتبعها مالي والعراق وليبيا وبوركينا فاسو، وغيرها”.
وجدير بالذكر أن إعجاب هيئة تحرير الشام بنموذج طالبان، لم يكن مقتصراً على قائدها الجولاني، فمظهر الويس الذي كان أحد شرعييها عندما حكمت إدلب، وأصبح اليوم وزيراً للعدل في الحكومة الجديدة، كتب قصيدة شهيرة عنونها “أحبّ الطالبان”، كما قال في وصفه الحركة: “طالبان مفخرة في الجهاد المعاصر وتمثل أحد مظاهر العزة للأمة الإسلامية، وهم محل احترام وتقدير الجميع لجمعهم بين الثبات والمرونة، والقوة مع المناورة، وإعلان الاعتزاز بالإسلام، ومع ذلك لم يسلموا من ظلم الغلاة والقعدة الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وديدنهم: خالف تُعرف”.
إيلاف