سلام يفتتح من دمشق مرحلة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا

افتتح رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، أمس الإثنين، «مرحلة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا»، حسب ما قال خلال زيارته دمشق على رأس وفد وزراي، ولقائه الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع.

الاحترام المتبادل

ووفق بيان لمكتبه تحدث سلام عن «بدء مرحلة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا، تقوم على قاعدة الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية».
وأفاد بأنه «تم التوصل إلى تفاهمات مع القيادة السورية، تشمل تشكيل لجنة وزارية مشتركة، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية، وفتح مجالات التعاون في ملفات حساسة، مثل عودة اللاجئين، واستجرار الطاقة، وتفعيل خطوط الترانزيت والطيران المدني، وذلك حسب وسائل إعلام لبنانية ».
وقال إن «العلاقات بين البلدين يجب أن تبقى قائمة على الحفاظ على السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض»، وفقاً للبيان.
وأوضح أن الجانبين اتفقا على تشكيل لجنة وزارية مؤلفة من وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والعدل، تتولى متابعة الملفات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الأمنية والإنسانية منها.
وأضاف أن البحث شمل أيضاً الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، بما فيها المجلس الأعلى اللبناني السوري، موضحاً أن «بعض هذه الاتفاقيات باتت في حاجة إلى إعادة نظر بما يتناسب مع المتغيرات الحاصلة».
وتطرقت المباحثات، حسب سلام، إلى ملفات التعاون في مجالات الترانزيت والتجارة، واستجرار النفط والغاز، وتفعيل خطوط الطيران المدني بين البلدين.
وفيما يتعلق بملف اللاجئين، أكد أنه تم التداول في سبل تسهيل العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين إلى أراضيهم ومنازلهم، بالتعاون مع الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة، لافتاً إلى أن هذا الملف «يشكل أولوية وطنية للبنان، ويحتاج إلى معالجة جدية من جميع الأطراف المعنية».
وحول أهمية الزيارة، سيما أنها تشكل الخطوة الأولى وفرصة لإعادة ترميم العلاقة بين البلدين، والملفات المطروحة على طاولة المباحثات، اعتبر الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، محمد السكري، أنها تأتي «لرسم طبيعة العلاقات الجديدة بين الدولتين عقب اتفاقية ترسيم الحدود التاريخي بين البلدين بوساطة السعودية، والتي مهدت لمرحلة مختلفة عن سابقتها، مبنية على حسن الجوار والعلاقات الوثيقة التي تقوم على احترام سيادة كل من سوريا ولبنان».
وزاد لـ «القدس العربي» «عززت التصريحات اللبنانية الإيجابية تجاه سوريا من القدرة على تذليل العقبات الأولية ضمن مؤشرات بناء الثقة والحوار الدبلوماسي ومحاولة الانتقال من الصدام للحوار».
وأضاف: «مما لا شك فيه أنّ ملفات الأمن وضبط الحدود تأتي على أولوية الملفات التي تحتاج البحث، بجانب ذلك ملف المعتقلين السوريين في لبنان الذي يعتبر كذلك مدخلاً مهماً لتوطيد العلاقات المشتركة على أساس الاحترام، بجانب ضرورة بناء مسار لعودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا بشكل تدريجي وطوعي».

وأشار إلى أن «الانتقال من علاقة متوترة إلى علاقة على أساس التعاون سيزيد فرص العمل المشترك على ملفات الاقتصاد والجمارك والتجارة، لا سيما في عودة الحياة إلى الطرق التجارية السريعة وبناء تعاون إقليمي مشترك في شرق المتوسط وزيادة الاستفادة من المرافئ البحرية والتمهيد لعودة قطاع السياحة للعمل، خاصة أن كلا من سوريا ولبنان يشهدان عودةً لسؤال الدولة وبناء المؤسسات على حساب المجموعات العسكرية ما دون الدولة».
وكان وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، قد وصف في تصريحات صحافية له، النظام الجديد في سوريا بأنه «أفضل من النظام السابق». وأضاف: منذ الاستقلال لم يقل أي نظام في سوريا بوضوح إنه يعترف بالدولة اللبنانية ككيان وباستقلالها ويحترم سيادتها، لكننا الآن تلقينا وعودا من المسؤولين السوريين بعدم التدخل في شؤوننا الداخلية.
وفي هذا الإطار، قرأ الباحث السياسي عبد الرحمن رياض لـ «القدس العربي» زيارة سلام، إلى العاصمة السورية دمشق بأنها «لحظة بالغة الرمزية والأهمية، ليس فقط لأنها الأولى لمسؤول لبناني رفيع منذ تشكيل الحكومة الجديدة، بل لأنها تأتي في أعقاب التحول السياسي الجذري في سوريا، بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي».

رسم العلاقة

وحول أهمية الزيارة من ناحية العلاقات اللبنانية ـ السورية، قال المتحدث: لطالما أنها كانت مركّبة ومليئة بالتوترات والظلال الثقيلة، فإن هذه الزيارة تحمل مؤشرات على نية واضحة من الطرفين لإعادة رسم العلاقة على أسس جديدة، قائمة على احترام السيادة المتبادل وفتح حوار صريح حول الملفات العالقة.
أما الرسائل اللبنانية إلى دمشق فهي حسب الباحث السياسي، تبدو مزدوجة؛ من جهة، يسعى لبنان لتطبيع العلاقة مع الحكومة السورية الجديدة، ولكن من جهة أخرى، لا يذهب في هذا المسار دون تحميل الطرف السوري مسؤوليات تاريخية يجب مواجهتها بجدّية، وعلى رأسها قضية الاغتيالات السياسية التي رافقت العقود الماضية، ومصير المفقودين اللبنانيين في السجون السورية.

لا مجاملة بروتوكولية

وتابع: من الواضح أن المسؤول اللبناني أراد أن يجعل من هذه الزيارة محطة تأسيسية لا مجرد مجاملة بروتوكولية، فملفات التهريب عبر الحدود، وضبط المعابر غير الشرعية، وترسيم الحدود بين البلدين، جميعها تُطرح اليوم ضمن مقاربة أمنية سياسية جديدة، مدفوعة بتحولات إقليمية تتطلب من لبنان وسوريا تجاوز الحسابات القديمة والتوجه نحو شراكة واقعية قائمة على المصالح المشتركة.
في العمق، تشكل الحدود الممتدة على طول 330 كيلومترًا بين البلدين واحدة من أكثر المساحات توترًا في الشرق الأوسط. ولطالما كانت مسرحًا لنقل السلاح، وعبور المقاتلين، وتهريب البضائع. كما تحولت، خلال الأشهر الماضية، إلى ساحة مواجهة حقيقية أوقعت قتلى من الجانبين.
من هنا، اعتبر المتحدث أن «مناقشة هذا الملف لا تحمل طابعًا أمنيًا فحسب، بل هي خطوة أولى نحو استعادة مفهوم السيادة المنضبطة على الأرض. إلى جانب البعد الأمني، هناك بعد قانوني لا يقل أهمية، يتمثل في نية الطرفين إعادة دراسة الاتفاقيات القديمة التي حكمت العلاقات لعقود، وتحديدًا تلك التي كرّست تبعية مؤسساتية لبنانية لدمشق، إبان الحقبة التي كان فيها الوجود السوري في لبنان يتجاوز دوره العسكري إلى حضور سياسي كامل.وقد تكون هذه الخطوة مدخلالإعادة تأسيس العلاقة، ولكن عبر نصوص جديدة تُراعي موازين القوى المتغيرة، وتطلعات البلدين نحو استقرار داخلي بعيدا عن التدخلات المتبادلة».
وإزاء ملف السجناء السوريين، اعتبر رياض أن الملف الأبرز والأكثر حساسية يبقى ملف السجناء السوريين في لبنان.
وقال: على هذا الصعيد، لا يمكن فصل البُعد الإنساني عن البعد السياسي. ينبغي على سوريا أن تطالب، بشكل رسمي ومنظم، بتسليم بعض السجناء السوريين، خاصة أولئك الذين لم تُصدر بحقهم أحكام نهائية، أو من يمكن إعادتهم تحت إشراف قانوني إلى بلدهم. وفي المقابل، فإن على لبنان أن يسعى لتخفيف الضغط عن سجونه، التي تعاني من الاكتظاظ وسوء الأوضاع، من خلال تنسيق قضائي يسمح بترحيل هؤلاء السجناء ضمن آلية قانونية تضمن كرامتهم وحقوقهم، وتحفظ السيادة القضائية لكلتا الدولتين.
وفيما يتعلق بترميم العلاقة بين البلدين، على اعتبارها علاقة معقدة، قال المتحدث: هذه الزيارة قد تكون فرصة نادرة لإعادة ترميم العلاقة بين بلدين شاءت الجغرافيا والتاريخ أن يبقيا على تماس دائم، في السلم كما في الحرب. وإذا ما أُديرت هذه اللحظة السياسية بعقلانية، فقد نكون أمام بداية مرحلة جديدة، تطوي صفحة التدخلات الأمنية والنزاعات بالوكالة، وتفتح مجالالحوار استراتيجي عقلاني، يحترم السيادة ويعلي من المصلحة الوطنية لكل طرف.
لكن هذا الطموح، وفق رياض: «مهما بدا ضروريًا ومغريًا، يبقى مرهونًا بمدى استعداد الطرفين، لا للجلوس إلى طاولة الحوار فقط، بل للقبول بالمكاشفة، ومواجهة الماضي بشجاعة، وفتح أبواب المستقبل بشروط عادلة».

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.