«حمص عطشى»: أحياء بلا مياه… والحلول غائبة

يعاني أكثر من 150 ألف مواطن في أحياء البياضة ودير بعلبة في مدينة حمص من أزمة عطش غير مسبوقة، بعد انقطاع مياه الشرب عنهم منذ أكثر من خمسة عشر يوماً، في ظل واقع اقتصادي مأزوم وبنية تحتية مدمرة وسط سوريا. وتحت وسم «حمص عطشى» أطلق ناشطون ووجهاء وإعلاميون من أبناء المدينة نداء استغاثة عبر وسائل التواصل، مطالبين بإنهاء معاناة السكان المتفاقمة.
الناشط الميداني جلال تلاوي، وهو من أبناء المدينة وسكانها، قال لـ«القدس العربي» إن معاناة الأهالي في حمص تتفاقم يوما بعد يوم جراء الانقطاع المستمر لمياه الشرب، وسط غياب أي تحرك فعلي من الجهات الرسمية، على الرغم من النداءات المتكررة التي يطلقها السكان منذ أشهر طويلة.
وتأتي أحياء البياضة ودير بعلبة وعدة مناطق أخرى في المدينة في مقدمة الأحياء التي تعاني من شح المياه، إذ لم تصلها المياه منذ أسابيع بشكل منتظم، مما اضطر السكان للاعتماد على حلول بديلة مكلفة ومرهقة.
وأكد الأهالي أن عدة آبار في محافظة حمص، والتي شكلت في السابق ملاذا حيويا خلال سنوات الحصار والثورة، لا تزال حتى اليوم خارج الخدمة الفعالة، دون أي عمليات صيانة أو دعم لتأهيلها. وتساءلوا: «إذا كنا غير قادرين على تأمين مياه الشرب، فكيف يمكننا الحديث عن إعادة إعمار البلد؟».
وطالب المواطنون المسؤولين في محافظة حمص والحكومة المركزية في دمشق، إضافة إلى الجمعيات الخيرية والتجار داخل المدينة وخارجها، بالتدخل الفوري والعاجل لإنقاذ السكان من كارثة العطش، وتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة.
وقال تلاوي إن الناشطين والأهالي يختصرون معاناتهم بشعارات موجعة: «كفانا اجتماعات وحلولا على الورق. الناس تريد ماء» مضيفا: «حمص عطشى، فهل ستلقى هذه النداءات آذانا صاغية من صناع القرار؟ أم أن حمص ستبقى تنتظر قطرة من اهتمام؟».

المهندس أمار الشمسيني، معاون مدير مؤسسة المياه في حمص، قال في تصريح لـ«القدس العربي» إن منسوب نبع «عين التنور» وهو المصدر الرئيسي لمياه الشرب في المدينة، يشهد تراجعا كبيرا نتيجة التغيرات المناخية التي أدت إلى الجفاف وانخفاض واردات المياه.

أكثر من 150 ألف سوري يعانون في البياضة ودير بعلبة

وأوضح أن النبع كان يضخ سابقا نحو 130 إلى 140 ألف متر مكعب يوميا في مثل هذا الوقت من السنة، بمنسوب يتراوح بين 170 إلى 188 سم، إلا أن الوضع الراهن يظهر تراجعا خطيرا، حيث لا يتجاوز المنسوب 80 سم رغم ضخ 580 ألف متر مكعب حاليا، ما اضطر المؤسسة للاعتماد على مصادر بديلة مثل آبار «حريج» وآبار المدينة.
وأشار إلى أن المدينة تضم 50 بئرا، إضافة إلى 9 آبار في منطقة حريج، منها 4 آبار كانت قيد الخدمة، وتمكنت المؤسسة من تجهيز 4 آبار إضافية بجهود ذاتية، فيما يجري العمل حاليا على تأهيل البئر التاسع.

حلول مؤقتة لا تكفي

وبيّن أن كمية المياه المستخرجة من هذه المصادر الرديفة تتراوح بين 150 إلى 170 ألف متر مكعب يوميا، بعد تنفيذ خط تقني يربط آبار حريج بشبكة المياه الرئيسية. كما أشار إلى أن 12 بئرا من آبار المدينة أصبحت جاهزة وتعمل، مع استمرار جهود تأهيل بقية الآبار المتوقفة.
وأكد أن محافظة حمص قدمت دعما إضافيا يشمل تجهيز 10 آبار جديدة موزعة ضمن الأحياء، غير أن هذه الموارد تظل رديفة، وليست بديلا عن نبع عين التنور، إذ إنها لا تكفي لسد النقص الحاصل، بل تساهم فقط في التخفيف من حدة الأزمة.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن مؤسسة المياه تعمل وفق خطة توزيع يومية دقيقة، تهدف إلى ضمان العدالة في إيصال المياه إلى جميع المواطنين داخل المدينة، رغم التحديات المتزايدة.
وكانت محافظة حمص قد أشارت في مايو/أيار الفائت، الى أن مؤسسة مياه حمص تواصل العمل على تأهيل مصادر بديلة لتأمين المياه، حيث بدأت أعمال إعادة تأهيل آبار دحيريج في منطقة القصير، والتي تضم تسع آبار، تم تشغيل ثمان منها.
وأوضحت أنها تعمل على تعويض النقص الحاصل في مياه نبع عين التنور، عبر وضع خطط لحفر آبار جديدة، عبر تجهيز 12 بئرا، من أصل 51 بئرا في حمص.
وحسب المحافظة، فقد خصص محافظ حمص عبد الرحمن الأعمى جزءا من موازنة المحافظة لإعادة تأهيل مجموعة من الآبار الإضافية ضمن المحافظة، لكن لا تزال الحاجة إلى حلول استراتيجية بعيدة المدى قائمة، حيث أشار معاون مدير مؤسسة المياه، المهندس عمر شمسيني، إلى دراسة مشروع حيوي لتغذية محافظتي حمص وحماة بالمياه من أعالي نهر العاصي، موضحا أن تكلفة المشروع تُقدّر بنحو 20 مليون دولار، ما قد يشكل عائقا أمام سرعة تنفيذه.
في السياق ذاته، رصدت «القدس العربي» آراء عدد من الأهالي الذين عبروا عن غضبهم وخيبتهم من سوء الخدمات.
أحمد الأحمد، أحد سكان حي البياضة، علق على منشور جلال تلاوي قائلا: «أهلنا وأطفالنا بلا ماء، بلا خدمات، بلا رحمة! نحن في حاجة إلى مياه نظيفة، وشيوخنا يقفون في طوابير من أجل نقطة ماء، ونساؤنا يرفعن أيديهن بالدعاء بعدما ضاعت أصوات النداء».
أما بهاء سليمان فقد تساءل غاضباً: «إذا كانت تعبئة خزان المياه تكلف خمسين ألف ليرة، فكيف لنا أن نحصل عليه وجيوبنا فارغة حتى من ثمن ربطة الخبز؟» وأضاف: «نموت في حمص جوعاً أو عطشاً».
نور كورجبي تحدثت عن معاناتها قائلة: «عندما تصل المياه إلى الأحياء تُقطع الكهرباء، ما يحرمنا من تعبئة خزانات المياه» مشيرة إلى أن «التنسيق بين الدوائر الخدمية شبه معدوم، وهو أمر مخزٍ للغاية».
بدوره، أشار محمد ميلاد إلى أن الأزمة لا تقتصر على أحياء البياضة ودير بعلبة، بل تشمل المدينة بأكملها وعلى كل الأصعدة، وكتب: «الخدمات في حمص سيئة جدا على كل المستويات، خاصة في الأحياء المذكورة، وتعاني المنطقة أيضاً من نقص في الكهرباء والبنى التحتية».
كما أضاف أنس نقدي: «هذا هو الواقع للأسف، ولا ننسى أزمة السكن والإيجارات التي تثقل كاهل المواطنين».

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.