د. كمال اللبواني
في مقابلة له بالأمس مع الأورينت
http://www.orient-news.net/index.php?page=news_show&id=79780
برر مصطفى الصباغ الصفقة التي عقدها مع الجربا على تقاسم الرئاسة والحكومة بضرورة توحيد الصفوف ، فإذا كان المقصود توحيد آليات تقديم الدعم القادم من الدول الشقيقة فهذا جيد ، لكن ما علاقة ذلك بانقسامات الائتلاف الذي يفترض به أن يعبر عن تمايزات قوى الثورة ، المفترض أنها بدورها ممثلة فيه ، وليس أن يضم وكلاء الدول المختلفة نيابة عن الشعب السوري .. إنه الاعتراف الصريح بأن الانقسامات الحاصلة في (ائتلاف وكلاء الدول ) هو تعبير عن اختلافاتها هي .. وأن هذا الائتلاف يمثل هذه الدول وليس قوى الثورة ولا حتى المجتمع السوري .. هذا في الشكل
أما في الوقائع فإن الصباغ الذي دخل الائتلاف بكتلة مفصلة له على عجل هي كتلة المجالس المحلية ورجال الأعمال .. و هو الذي فصّل النظام الداخلي على قياسه عندما كان يخطط لأخذ موقع الأمين العام في لعبة تشكيل الائتلاف، وقال لنا (غيروه إذا فيكم) حيث جعل بند التغيير يشترط أغلبية الثلثين من العدد الكلي ، ولم يسمح لنا مناقشته لإقراره لأنه اعتبر جزئا من اتفاقية الدوحة ، و وافقه الشيخ هيثم المالح ومعاذ الخطيب وبقية مشايخ الإخوان وكهنة المجلس الوطني ضاربين عرض الحائط بكل القواعد المتبعة في اقرار الوثائق ، فلا يعقل أن نقر نظاما لم نناقشه بندا بندا ونصوت عليه ، وأن نوقع على اضبارة مغلقة وليس وثيقة مناقشة .
وهذا ما كان نتيجته في الدورة الأولى أن تميزت بتحكم الصباغ بكل الخطوات العملية التي يمكن للائتلاف اتخاذها ، طبعا يومها كان الصباغ يسير في ركب التوافق القطري الفرنسي الأمريكي التركي .. لكن عندما اشتد الصراع بين قطر والسعودية ، عملنا على استعادة القرار ولو جزئيا وكسر احتكار الوكلاء له ، وهكذا سعينا بمفهوم التوسعة أملا في ادخال من لهم تاريخ واستقلالية وليسوا وكلاء لأحد إلى الهيئة العامة للائتلاف التي تميزت بالتبعية اسوة بالمجلس الوطني ، لكن السفير الأمريكي والفرنسي شاءا غير ذلك وأدخلا وكلاءهما للائتلاف عبر ( ميشيل وكتلته الديمقراطية )، ثم عبر (المكون الكردي ) بالتوسعة وتوسعة التوسعة بالرغم من أن الائتلاف لا يدعي تمثيل مكونات بل قوى ثورة .
وتبين فيما بعد أن الملف السوري والتحالفات الدولية قد تحولت من ادارة قطر إلى إدارة السعودية .. وهكذا فاز التيار السعودي ممثلا بالجربا المتحالف مع كيلو ، وما يزال يحكم الائتلاف حتى الآن بالمال السياسي الذي يدفعه كرواتب لأعضائه من جيبه الخاص ويرفض ادخاله في موازنة الائتلاف ، مع أنه مال مقدم من دول لجهة سياسية ، ولا يجوز في هيئة تشريعية استخدام المال ولا النفوذ وهذا موجب للطرد منها . لأن من واجبها اتخذا القرار الخاص بالشعب السوري وتمثيله بصدق ونزاهة فهي مؤتمنة على قراره .
وخسر الصباغ الحكومة التي كلف بها حيتو ، وخسر جولتين من الانتخابات بسبب خيانة الاخوان له الذين فضلوا أن يضعوا قدمهم الثانية في جدة ، مع ترك الأولي في الدوحة ، كعادتهم باللعب على كل الحبال ، وعندما بدت ملامح انقسام بين وكلاء التوافق الفرنسي السعوديين البريطاني نظرا لابتعاد الأمريكي الجامع ، وجد الصباغ الفرصة مناسبة للانتقام من الاخوان والديمقراطيين والدخول من بوابة التوافقات لدعم رغبة الجربا بالتغول على قرار الثورة ، فهو لا يريد خسارة ثالثة له .. بل قبل بتقاسم الكعكة مع الجربا والدخول في شركة مغفلة لا يملك فيها قدرة التعطيل وليس له حصة فعلية بالقرار ، بل له حصة بالمناصب فقط ، وبذلك يكون قد حقق استبعاد الاخوان والديمقراطيين ، وعاد للحضن الدافئ الأمريكي السعودي مع الاحتفاظ بجذره القطري .. تحت راية توحيد الصف .. وهذا تجاريا صحيح ومبرر وفق منطق البزنس في السياسة .
في التحليل : إن منطق السياسة يختلف عن منطق البزنس والأعمال ، السياسة هي تنافس أفكار وخطط وبرامج ، بينما في البزنس و الأعمال هي تنافس وتشارك مصالح ، وكما أننا لا نستطيع السير في طريقين معا ، ولا البناء وفقا لمخططين معا . ونحتاج دوما لتوحيد الجهود والمسار لكي نصل مجتمعين كمجتمع ، لغايات ترسم السياسة مساراتها .. كذلك لا نستطيع أن نطبق مفاهيم ومنطق الأعمال والتجارة في هذا المجال . فذلك يعني أن السياسة ليست برنامج عمل ولا درب طريق ، ولا مسارا يجب أن نبذل فيه الجهد، وندفع فيه ما نستطيع ، أي السياسة كمركب نجدف به معا حتى نصل للميناء ، بل يصبح المركب ذاته هو الهدف ، وفيه المنافع والمصالح التي يجب تقاسمها ، والتاجر يقبل بحصته من القارب ولا يغامر بالقفز منه مهما كان اتجاهه أو مساره ( وهو المنطق الذي اعتمده لتبرير عودة المنسحبين ال 44 ) ، فالتاجر الذكي يرضى بالقليل بدل خسارة الكل ، ويطوره من جديد ،
بينما في الآراء والبرامج ، والسياسات يفوز برنامج على غيره حتى لو بأغلبية صوت واحد فيعتمد ويشطب الآخر، أي تقوم على التضاد والنفي ، وليس على التوافق والخلط والمزج ، ومن لا يعجبه المسار ينزل من المركب .. مثلا هل نقبل بالحل السياسي والتفاوض مع الأسد ومشاركته السلطة ، هل نشن عليه الحرب لإسقاطه وطرد الايراني ، هل نتحالف مع المنظمات الاسلامية التي تسعى لتأسيس دولتها أم ندخل في حلف ضدها .. كل تلك الخيارات لم تكن واضحة في التوحيد المزعوم ، بل إنها اختلافات جوهرية للثورة أهملت وحيدت لصالح تقاسم الكراسي، بعيدا عن مسائل الثورة وخياراتها المتباينة جدا، والتي لا تقبل التوافق .
فالتوافق والتقاسم في هذه الحال يعني الشلل وانعدام الحركة والغاء السياسة كبرنامج عمل ، واستبدالها بتقاسم منافع السياسية ،( تصبح السياسة غاية في حد ذاتها وليست وسيلة لغاية )…. السياسي كالمسافر نحو مكان يهتم بسرعة القطار وبالحركة على السكة ، لأن الشيء الأهم ينتظره في البعيد ، بينما رجل الأعمال يستطيب الاقامة في القاطرات أو في المحطات القريبة و يأتي بعائلته اليها ويسكن فيها . فإذا استبعد من السلطة أو المنصب اعتبر ذلك عدوانا وجوديا عليه فيتمسك به بأنيابه وأظافره ، ويدمر كل شيء في سبيل الحفاظ عليه… وهذا ما يفعله الجربا بالائتلاف والحكومة والأركان ، والثورة من وراء كل ذلك . عملا بقول الشاعر البدوي الجاهلي :
إذا بت ظمآنا فلا هطل القطر
ينتج تعطيل الثورة في قسم منه عن اعتماد طريقة التوافق والتقاسم بدل القرار ، فيكون عادة توافق على واقع وموجود ، وليس على غائب غير محقق يحتاج للجهد والعمل والبذل ، وتنتهي الجهود كلها في الصراع والتنافس على تقاسم الموجود ( المركب ) على صغره وتفاهته ، وليس على وصوله للميناء ، وترك ما هو بعيد ليقوم به الغير .. والالتفات للقريب والمباشر . لأن الاستثمار في البعيد غير مضمون وغير أكيد بالنظر لافتراق الائتلاف والمؤتلفين عن الداخل وعما يحدث به لدرجة القطيعة والتناقض الذي يمثله ويعبر عنه جوع المناطق المحررة وترف فنادق المعارضة .. فكيف هذا يمثل ذاك يا رعاك الله ؟؟
في النتيجة : أين هي خطط انقاذ الثورة ، واغاثة الشعب المنكوب في برامجكم واجتماعاتكم ، وأين هم قادتها الحقيقيون في ائتلافكم ، ومن هي هذه الأسماء التي توافقتم عليها وليس فيها من الصفات غير الولاء والطاعة ، وكيف يكون قائدا مفترضا للثورة وهو عبد فعلي لمصادر المال وللدول ولكم شخصيا .. إنها قسمة ضيزى واعتداء على الثورة وعلى حقها في انتاج قيادات حقيقية تمثلها بآلية متوافق عليها .. إنه هروب من استحقاقات كثيرة وخطيرة .. يثير الشبهات وليس التساؤلات فقط :
أولها محاسبة من مثّل الثورة وقادها طيلة ثلاث سنوات، على كل الفشل والفساد الذي مارسه والخراب الذي تسبب به ، وبدل أن نسمع عن استقالات ومحاكمات نرى الجميع متمسك بالكرسي ، ويتنكر لسؤال يقول لماذا لا تتجدد الهيئة العامة التي أثبتت فشلها ويعاد بناء هذا الائتلاف على معايير وطرق مشروعة …
وثانيها وضع خطة واستراتيجية متكاملة لإنقاذ الثورة من تدهورها المستمر ، في الصعيد العسكري والاداري والاغاثي والدولي والاعلامي والأخلاقي …
وثالثها الكف عن التورية والتغطية على الاستبداد والفساد وتقاسم المنافع الصغيرة بينما الشعب يعاني ويئن ..
إن ما حصل هو تكريس للفشل وتمويه للفساد .. وحرمان الثورة من المستقبل ، وتبديد كل وعود الدعم القادمة إذا تلقتها ذات الجهات المسؤولة عن تبديد كل ما سبق تقديمه .
إن استمرار هذا الحال سيؤدي بنا نحو الاذعان لبشار وايران .. وهي النتيجة الحقيقية لهذا التوافق على باطل .
ما كنا نحتاجه هو التوافق على آليات التمثيل الحقيقي ، وآليات المحاسبة الحقيقية ، وبناء جسد تنفيذي فعال وقادر ليس فيه محاصصات ولا مناكفات ولا فساد ولا تدليس . أمين للثورة ومنها ، ليس وكيلا لدولة ولا انتهازيا ولا باحثا عن مصلحة خاصة .. أي نريد سياسي ثوري وليس تاجر أو نصاب ومتسلق ، نريد برامج عمل واضحة وليس تقاسم الكعك .
هلا تقدموا لنا سيرة ذاتية لمن توافقتم عليهم .. هل تضمون أنهم ليسوا من أتباع النظام المدسوسين بالمعارضة … هل فرغت سوريا التي قدمت نصف مليون شهيد .. من رجال ثورة حقيقيين يفدونها بدمائهم ولا يتعيشون على حسابها ..
لا يا أبا محمود .. ما هكذا تورد الابل .. والرائد لا يكذب أهله .. أنت أدرى الناس بالفساد والفشل الاداري الذي ساد في المرحلة الماضية، وأعلم الناس بنوعية من سيقود المرحلة المقبلة بتوافقكم ، فلماذا تشارك في التجديد لكل هذا …
فمن كان الديك دليله كان القن مأواه ، ومن يسير وراء هؤلاء يجب أن لا يستغرب أن يبيت في حظيرة الأسد ، خاصة بعد مفاوضات معاذ مع ايران واقتراحها عليه بترأس حكومة بشار . . ولماذا معاذ الخطيب ، فقد كان د. رياض حجاب رئيسها فلماذا ينشق . ولماذا الثورة من أصلها، إذا كانت لا توجد مشكلة مع نظام بشار تتطلب اسقاطه …
من يستخدم البزنس في السياسة يضيع البوصلة ويتخبط من دون نتيجة .. لكن أن يجر وراءه ملايين المعذبين الهائمين في الأرض ، فهذا ليس من حقه .. نريد منك التزام واضح ببرنامج محدد تتعهدون بتحقيقه كتوافق وائتلاف متحد لنحاكمكم عليه فأتحفونا .. يا قادتنا وتحملوا مسؤولية خياراتكم لمرة واحدة فقط ، ورمضان كريم .