«أنت كافرة» عبارة أثارت امتعاض أم سامر بعدما خرجت من فم طفلها الذي يدرس في إحدى المدارس السورية بإقليم هاتاي في تركيا، وذلك بعد أن كانت سعيدة بسلوكه الجديد وعباراته الجديدة «حرام وحلال»، «يجوز ولا يجوز»، كما هي حال أحد الآباء المقيمـــين في مخـــيم على الحدود التركية الذي ترك ابنه الصلاة بعد أن ثابر عليها ولو كان على نقيض طفل أم سامر.
يتعرض الطفل السوري النازح أو اللاجئ سواء في المخيمات أو في المدن والبلدات التي يقيم فيها إلى توجهات فكرية متعددة ومتناقضة تتبع لجهات مؤدلجة مختلفة أو من خلال وجوده في مدارس تحمل توجهاً فكرياً تحاول زرعه في التلميذ، ما يؤدي إلى تشتت الطفل وضياعه، فبالرغم من غزارة ما يتلقاه من معلومات إلا أنها متناقضة أحياناً، خاصة عندما يكون واقع المدرسة أو الحلقة الدينية أو المركز الترفيهي الذي يذهب إليه لا يتوافق مع واقع أسرته التي تحمل توجهاً مغايراً.
تتحدث أم سامر عن طفلها سامر والذي يدرس الصف الرابع في إقليم هاتاي التركي، وتقول «فجأة بدأ سلوك الطفل يتغير، وبدا منزعجاً من الكثير من التصرفات التي نقوم بها في المنزل، وبدأت أسمع في حديثه الكثير من عبارات (الحرام والحلال) و(يجوز ولا يجوز)، وفي الحقيقة فرحت لذلك وخاصة عندما بدأ يتلو القرآن الكريم تلاوة جيدة ويتقن معظم أحكام التجويد، وكان الفضل في ذلك لمدرسته ومعلميه».
وتضيف «إلا أنني بدأت أسمع أحكاماً فقهية جديدة من طفلي ذي العشر سنوات، إذ خاطبني مرة وقال (أنت كافرة) استغربت وسألته لماذا فأجاب: ما هذه الملابس التي تلبسينها هذا حرام، فقمت بإخباره أن ملابسي هذه إن لبستها في البيت فلا مشكلة ولكن الخروج بها إلى الشارع حرام وأنني أوافقه، لكنه لم يقتنع رغم صمته وعدم مجادلته لي، وكانت رغبته أن أكون كاملة الحجاب داخل المنزل كما لو أنني في الشارع.
وفي حادثة أخرى أثارت غضب أم سامر، قرر ابنها منع أخويه من لعب الشطرنج لأنها محرمة، ولأن الله سيقوم بحرقهم في النار إن لعبوها، وكان منعه من باب المحبة لإخوته وخوفه عليهم من النار التي ستأكل أجسادهم، وتقول: «وبعد حوار طويل مع الطفل تبين لي أن كل ما يلقيه على الأسرة من محاضرات ليس إلا ما تلقاه في المدرسة».
أما خلف الرقاوي المقيم في أحد المخيمات، فقد حدثنا كيف ترك ابنه الصلاة بعد أن ثابر عليها مشيرا إلى أنه «في المخيم هناك مسجدhن، ويقوم على إدارة المسجد الغربي معلمون بتوجه إخواني، حيث يقومون بتعليم الأطفال بعض المناهج الدراسية مع الكثير من التربية الدينية والاخلاقية، أما المسجد الشرقي فيقوم عليه معلمون أيضاً ينتمون للفكر السلفي، ويخصصون معظم وقتهم لتعليم الأطفال القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف».
يتابع «ابني عمر يحضر صباحاً في المسجد الغربي ومساء في المسجد الشرقي لكنني تفاجأت أنه رفض الذهاب معي إلى صلاة العصر، ولم أناقشه بالموضوع إلا بعد عودتي من الصلاة، فكان جوابه أنه لا يعرف كيف يجب عليه أن يكون وكيف ستكون صلاته وهل سيتوضأ ويتلو الأدعية التي تعلمها في الجامع الشرقي أم تلك التي تعلمها في الجامع الغربي».
بينما يتلقى الأطفال توجهات أخرى مختلفة في المراكز الترفيهية والتعليمية التي تشرف عليها منظمات ذات تمويل أوروبي، إذ أنها تخلو من التربية الدينية وتتجه إلى زرع مفاهيم الحداثة لدى الطفل، وكثيراً ما يصدم الطفل بأن كل ما تلقاه من أسرته التي يغلب عليها الطابع المتدين يتضارب مع ما يتلقاه ضمن تلك المراكز.
وتشرح أم محمود ذلك بقولها «محمود يذهب إلى مركز ترفيهي تعليمي قريب، حيث الرسم والتلوين وألعاب مختلفة أخرى، إلا أنه يعاني من الخجل الدائم إذ أن المركز يستقبل الأطفال من الجنسين وهذا ما لم يعتد عليه محمود، وهو لا يرغب بالاختلاط ولا يشعر بارتياح عندما تقوم بتدريبه وتعليمه سيدة، فنحن من بيئة محافظة لا يختلط بها الذكور مع الإناث مطلقاً، ونتمنى أن يراعى ذلك حرصاً على نفسية الطفل الذي يلاقي صعوبة في التأقلم».
تحاول كل جهة تعليمية أن تفرض اتجاهاتها الفكرية وحتى السياسية وأن تعلمها للطفل وتزرعها في نفسه دون مراعاة البيئة التي نما فيها الطفل، ودون النظر بعين الاعتبار إلى حجم معاناته وضياعه، كما أن المؤسسات الإغاثية أيضاً تحاول فرض ما تحمله من عقائد ومناهج على الأطفال السوريين مقابل الزيت والسكر والبرغل، أو تصورهم وهم يحملون شعاراتها دون أذن من آبائهم حيث ان أعمارهم لاتسمح لهم باتخاذ قرار كهذا.
أما منى طالبة الثالث الثانوي في مدرسة سورية في أنطاكيا، فقد طلب المدير منها أن لا تأتي إلى المدرسة إن لم تلبس «مانطو للأرض» حسب قولها، لذا تركت المدرسة لا لأنها رفضت الفكرة بل لأنها لا تملكه، وليس لدى أسرتها المال الكافي في الوقت الراهن لشرائه.
محمد إقبال بلو – القدس العربي