سوريا ← كوسوفو الحقيقة المرة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

 السيناريو الأمريكي المرسوم لسوريا هو سيناريو البوسنا وكوسوفو ، وهذا السيناريو المعتمد لم يتغير رغم كل ما حدث … فالتداخلات والتعقيدات الكثيرة التي أجلت تنفيذ الحلقات النهائية منه لم تستطع أن تغيره … لذلك عاجلا أم آجلا ستتدخل قوى التحالف وتطيح بالأسد إذا لم يتنح هو تحت الضغوط أو بنصيحة حلفائه، أو يذهب بانقلاب داخلي مدبر … فالضربات الجوية هي العلاج الأخير الذي سينهي هذه العلة (ميلوزوفتش استراتيجي)… والمشكلة ليست أن أمريكا تريد الإبقاء على الأسد إلى الأبد ! لا فهي تريد فعلا تغييره، لكن المشكلة هي تأجيل هذا التغيير انتظارا لاستكمال حصول تغيرات على الأرض يصعب العودة عنها، هي بحد ذاتها لا تقل ضررا على سوريا وشعبها من نظام الأسد الذي حكمها .. فما يجري بانتظار سقوط الأسد هو الذي يشعرنا بالمرارة التي لن تعوضها فرحة اسقاطه بعدها … وهذا بحد ذاته هو جوهر المشكلة اليوم، إنها إدارة الصراع ، واللعب على الوقت بهدف الاستنزاف الذي ينهي كل شيء مادي ومعنوي قامت عليه سوريا كدولة مصطنعة صنعها الانتداب الفرنسي ولم تكن معروفة قبله ، والتي يبدو أنها لن تعود لسابق عهدها مهما فعلنا … فالأسد سيسقط حتما … لكن بعد موت سوريا ، التي أعلن أنها هو (سوريا الأسد) . فهي مزرعته التي لن يذهب الا بذهابها ، ولن يتنحى قبل قتلها ، ولن يقتلوه قبل أن تفارق هي الحياة.

ومع ذلك فموت (سوريا الأسد) صنيعة الانتداب والمصالح الاستعمارية ، لن يعني في واقع الأمر إلا ولادة خريطة جديدة تفرضها الجغرافيا والتاريخ والهوية ، لكن بصيغة أخرى وحدود مختلفة … فالفوضى التي تنجم عن دمار كل البنى والأشكال القائمة ستسمح بظهور الأساس المتين المكون للمنطقة تاريخيا و التي تسمى بلاد الشام ، وكل ما نراه من تجارب ومحاولات هنا وهناك لن تستقر، طالما هي لم تستند إلى ذلك الأساس ، وستبقى في تحول وتغير حتى تستقر على الحق والحقيقة . ولو ذهب تصورنا لسقوط الأسد في بداية الثورة أو قبلها بضربات جوية، فإن فتح باب التغيير كان من شأنه أن ينتهي بفوضى لا تستقر في النهاية إلا على ذات النتيجة التي تنتظرنا ، فهذه هي طبيعة التاريخ التي تلزم البنى الفوقية على تبعية البنى التحتية دوما وبشكل قاهر ، ولو سمحت لها بسلوك دروب مختلفة . ولنا فيما يحدث في ليبيا واليمن ومصر خير مثال على ذلك .

المزيد في المقال التالي:

Untitled

موت سوريا الأسد ، موت الثورة ، تشرد الشعب السوري

عندما أعلنت مستشارة الأمن القومي للرئيس بوش يومها الوزيرة فيما بعد كونداليزا رايس في بداية هذا القرن أن خريطة الشرق الأوسط قد شاخت كثيرا وحان الوقت لتغييرها ، معتمدة على تعويم التكوين الحقيقي لهذه المنطقة ( بحسب نظرية الفوضى الخلاقة ) إثر حادث 11 أيلول، وقامت بتصنيف النظم في المنطقة لثلاث فئات ، واحدة تحتاج لمساعدة من أجل تطوير نظامها ، وواحدة تحتاج لضغوط كبيرة لإجبارها على تطوير ذاتها ، وثالثة لا أمل منها ويجب هدمها … وهكذا تحدثت أمريكا لأول مرة عن تغيير في سوريا ، وبعكس فرنسا التي سعت دوما لإصلاح ما بنته ، ليتم هذا التغيير أمريكيا باعتماد ( ميلوزوفيتش إستراتيجي ) أي الضربات العسكرية التي تجبر الأسد على التنحي، لأن الأسد ممعن في القمع وداعم رئيسي للإرهاب ، ويرفض أي فكرة عن الاصلاح السياسي الذي سيطيح به سلميا . وقد وضع هذا السناريو قيد التنفيذ بعد مقتل الحريري لولا أن سحبت سوريا جيشها نهائيا من لبنان ومن دون شروط ، وبنصيحة من حسني مبارك . ثم عادت الخطة للظهور في ربيع 2006 بسبب تدفق المقاتلين والسيارات المفخخة من سوريا للعراق ، عندما أمعن النظام السوري في تخريب العراق وارسال المقاتلين ودعم المنظمات الإرهابية في كل المنطقة بما فيها حزب الله والقاعدة . وكادت أن تنفذ مرة أخرى في عام 2007 عندما منعت سوريا انتخاب رئيس للبنان كما تفعل الآن ، لولا أن سلم النظام منظومته النووية طوعا وسرا في دير الزور بناء على نصيحة القذافي وعملا بنهجه في 6 أيلول من ذاك العام .

وهكذا لم يكن الحماس لتطبيق هذه الاستراتيجية حاسما في كل مرة ، بسبب مراعاة مطلب إسرائيلي كان يأمل في توقيع سلام مع الأسد يتم تثبيته بإجراءات دولية قبل الشروع في عملية التغيير في سوريا ، لآنها عملية غير مضمونة النتائج، وفهم النظام السوري هذا جيدا لذلك ماطل وماطل في توقيع السلام حفاظا على بقائه ضمن سياسة الممانعة وليس المقاومة ولا التحرير ( لأن مفهوم الممانعة بحسب قواميس اللغة ينطبق على من تريد وتباشر لكنها تتمنع وتؤجل لتحصل على مكسب )، فإذا ضربت الممانع الذي يصر على استثارتك على قفاه سوف يحتفظ بحق الرد عليك ، ولن يفكر فيه إلا إذا فقد الأمل في الود والقرب . وهذه هي السمة التي اتصف بها النظام والتي أطالت عمره فهو كالعاهرة التي لم تستلم أجرها يعرض تقديم كل ما يريده الغرب واسرائيل ، لكنه يريد ضمان بقائه بالسلطة قبل ذلك … واستمر هذا العهر في علاقة النظام مع الأمريكيين حتى اندلعت الثورة بشكل عفوي طالبة التغيير ، وممسكة بزمامه بيدها . ومع ذلك تكرر التهديد بضرب النظام عدة مرات ليس آخرها يوم استخدام السلاح الكيميائي ، عندما تفاداها بتسليم سلاحه بوساطة روسية عاجلة .

فالسياسة الأمريكية تجاه سوريا لم تتغير … والدليل أنه قد طبق في سوريا ذات السياسة التي طبقت في يوغوسلافيا السابقة . حيث سمح للنظام المدعوم من روسيا بارتكاب المجازر والتهجير طيلة سنوات ورسم حدوده كما يشاء في البوسنيا ثم في كوسوفو ، كما سمح لكرواتيا المدعومة أوروبيا أن ترسم حدودها كما تشاء ( ونفس الشيء يحدث مع العلويين والشيعة في غرب سوريا ومع الكرد في شمالها ) ، وفرض في يوغوسلافيا حظر التسليح فقط على المسلمين بقرار دولي منعت بموجبه الدول المسلمة من التدخل الفاعل لنصرتهم ، مع العلم أن روسيا لا تلتزم به متذرعة بنفس الحجة (اتفاقات سابقة بين الدولتين ) . مما حرم الضحايا المسلمين من امكانية الدفاع عن أنفسهم ، وعرضهم لمجازر وتهجير وابادة تشبه ما حصل للسنة في سوريا وتمتد مدة قريبة من المدة التي تركت فيها مأساة الشعب البوسني من دون أي جهد فاعل ، وبنفس الطريقة لم تتدخل الأمم المتحدة لحمايتهم إلا متأخرة جدا وبشكل فاشل أدى لحدوث مذبحة سيربينيتشا كنموذج لنوع الحماية الدولية المقدم ( حيث أعلنت بعد طول عناء منطقة آمنة بحراسة الناتو الذي ارتدى القبعات الزرق )، وبالرغم من ذلك دخلت إليها ميليشيات الصرب وذبحت من احتمى فيها … وهو ما يخطط له أن يحدث في حلب على يد الأمم المتحدة ذاتها وبيد ذات الشخص وبكل وقاحة واستهتار بعقولنا…

وبعد سنوات من الحرب والمجازر التي كانت كفيلة بتقويض أي فكرة عن اعادة وحدة يوغوسلافيا ، وهذا هو هدف السياسة الأمريكية الأول في يوغوسلافيا ( التي هي تاريخيا مساندة للروس ) وحان الوقت لتفكيكها بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي ، والهدف الثاني فتح جرح جديد لا يندمل بين المسلمين والمسيحيين في وسط أوروبا وعموم العالم . واستخدام مأساة المسلمين فيها لاستثارة وتجييش الصراع المسيحي الاسلامي في عموم أوروبا المعادية تاريخيا ، واستثمار ذلك في اضعاف أوروبا وارتهانها خاصة عندما بدأت مسيرة وحدتها تهدد هيمنة الولايات المتحدة الأحادية على العالم ، فأوروبا هي شريك لأمريكا لكنه شريك منافس يجب أن يبقى تحت الضغط والتهديد وبناءه علاقات جيدة مع العالم الاسلامي المجاور له يهدد مصالح الولايات المتحدة ..

وفي سوريا نفس الأهداف تفكيك سوريا لإضعاف الوجود العربي في المنطقة ، أو تحويلها لكيان تعددي على الطريقة اللبنانية ، واستحضار جرح سني شيعي لا يمكن أن يندمل لتصريف طاقة المسلمين في صراعات داخلهم . لاحظ كيف سكت الغرب تماما عن تدخل حزب الله ، وعن تطور منظمات التطرف السني ، وكيف يصرون على أن سوريا دولة اتحادية ويساعدون الكرد بكل الوسائل على اقتطاع دولتهم ..

وبعد أن فتحت حرب يوغوسلافيا جرحا لا يندمل (مسيحي اسلامي) في وسط أوروبا مذكرا المسلمين جنوبها بعدوهم التاريخي ، ومبعدة فرص التقارب والتحالف بينهما والذي سيكون على حساب الهيمنة الأمريكية ، قررت أمريكا التدخل لصالح المسلمين ضد المسيحيين ، لإزاحة ميلوزوفيتش المسيحي بسيناريو الضربات الجوية المتصاعدة حتى تنحيه ، وهكذا تنحى ميلوزوفتش شكلا وبقي النظام ، وتوقف إطلاق النار وبقي التقسيم على الحدود القائمة التي تمنع عودة ملايين المهجرين لمناطقهم ، حدث ذلك أخيرا لكن بعد قتل وتهجير واستباحة غير مسبوقة للوجود المسلم هناك ، وتعطيل لكل أنواع العدالة والقصاص أو التعويض .

ومن يقارن ما يحصل في سوريا مع ما حصل في البوسنا يدرك مدى تطابق السيناريو المعتمد ذاته وبحذافيره ، فالروس يقومون بذات الدور في مساعدة النظام بالسلاح والخبراء والحماية الدولية ، والغرب عاجز طوعا عن تقديم العون لأنه قيد نفسه على غير عادته بالقانون الدولي الذي يعطله من يريد وساعة يريد . ويمنع توريد السلاح للشعب السوري فعليا وعمليا ، بالرغم من وجود دول صديقة جارة تحاول … لكنها تخضع لضغوط غربية هائلة لمنعها ولجمها ، وكذلك الأمم المتحدة مشلولة تماما وترسل الوفود المعتوهة الواحد تلو الآخر ، والمنظمات الدولية أفلست فجأة عندما تعلق الأمر بجوع وبرد وحياة السوريين السنة … والنظام متروك على هوانه ليقتل ويدمر ويهجر ويسحق الشعب السوري ، ومعه كل تفكير بالثورة عند الشعوب العربية الأخرى عبر جعل شعب سوريا عبرة لمن يعتبر … وكل ذلك يتم من دون أي أزمة دولية بل بتناغم دولي وتقاسم أدوار غريب عجيب ، بانتظار تحقيق أهداف هذا السيناريو الذي عبر عنه بالأمس أمير خليجي مبديا مدى مقته وامتعاضه من اسم الثورات العربية ضد الظلم والفساد ، ولا عجب من ذلك فلنظام الفساد شركاء في كل مكان ، وله عملاء مأجورين أيضا مثلهم بالأمس رئيس اتحاد المحامين العرب وشلة من المأجورين لأنظمة الفساد عندما هتفوا لبشار وجيشه الذي يحمي الدار !!!.

فإذا كان الصديق المفترض والأخ حاقد إلى هذا الحد، فماذا سيفعل العدو المجنون، وكم هي كبيرة المساحة من الحرية التي تركت له ليستبيح كل شيء … نعم الأسد هو الفاعل المجرم ، لكن المسؤولية عن هذه الجرائم تطال الدول العربية والأوروبية وأمريكا تحديدا ، وهذا ما عبر عنه الكثير من ثوار سوريا عندما انضموا للعدو اللدود لكل هؤلاء وهو التطرف والارهاب ، ليس حبا به بل تعبيرا عن خيبة الأمل والشعور بالمرارة واستنكارا لبشاعة الخيانة والغدر والتآمر على حساب حياة الطفل والشيخ والمرأة والمعاناة التي طالت الملايين … كما طالت البيت والشجر والدين والقيم والانسانية …

وغدا وبعد انجاز الأسد للمهام المتبقية عليه دفاعا عن بقية الأنظمة العربية والاستبداد والفساد ، وبعد انتهاء رسم الحدود الجديدة التي تعبر عن قسمة النفوذ على سوريا بين الروس والأمريكان والايرانيين ، وبعد تثبيتها سيتم بعد كل ذلك مكافأة الأسد بعزله ككل مستخدم قذر يرمى في سلة المهملات بعد استخدامه، ويتم التدخل للإطاحة بالأسد فقط ، والابقاء على نظامه وكيانه ودويلته الطائفية، واعلان التقسيم بقرار دولي ، فالحسم العسكري ممنوع ( لأن ذلك سيجر أقدام الأطراف الدولية للحرب المباشرة ) ولا بد من توافق وتقاسم بالتراضي حتى لا تنتقل المعركة من أرض سوريا لأراضي الدول المتدخلة فيها ، والحل السياسي المسموح هو فقط ما يكرس التقسيم التوافقي بين المصالح الخارجية ، في ظل تسعير العداء المستفحل المدعم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ….ترتسم خريطة الشرق الأوسط الجديد على وقعها ، في سوريا ولبنان ، والعراق أيضا … وأي خريطة وأي مستقبل … . وهذا ما حصل في تقسيم يوغوسلافيا سابقا حيث انتحر ميلوزوفيتش ، وأقفلت القضية التي تبحث عمن قتل مئات الآلاف من المسلمين وهجر الملايين بسبب وحيد يتعلق بدينهم ، فتتعطل العدالة الدولية ويستمتع المسؤول عن الجريمة بجريمته .

عندما أوهمنا أوباما أنه سيتحرك بدافع التزامه بالمعاهدات الدولية التي تحظر استخدام سلاح الدمار، وارتكاب مجازر بحق الانسانية ، أو بدافع أخلاقي أو قيمي من دولته ، اكتشفنا أنه استخدم التهديد بالضربة لابتزاز ايران في مفاوضاته النووية المتعسرة، ثم تبين لنا عمق التفاهم الروسي الأمريكي في جنيف وما بعدها بالرغم من سلوك روسيا الأرعن في جزيرة القرم ، واكتفى أوباما بأن سحب السلاح الكيميائي من المجرم وأباح له كل أنواع السلاح الأخرى، فالجريمة لا تعنيه بل تخدمه ويجب أن تستمر خدمة لمصالح الدول الكبرى ، وقد شكل ذلك أبشع رسالة حقد أرسلتها أمريكا للشعب السوري التي ترجمت عمليا في احتضان الجهاد العالمي واصراره على رد الإهانة والتحدي بكل الوسائل حتى الترهيب الإجرامي الذي يتسبب بهز المجتمع الذي يسكت عن سلوك قادته . الذين لم يكونوا ليفكروا جديا في التدخل لولا داعش واعدام الرهائن … ومع ذلك هم يتدخلون فقط بشكل محدود لا يؤثر على التوازنات المدروسة للصراع الذي يرعوه .

هكذا يبدو لنا التناقض جليا جدا بين القيم وبين السياسة ، فالحياة القيمية الانسانية المعلنة شيء يخص الشعوب ، أما السياسيين فهم معنيون بتأمين التمويل والموارد لدولهم بكل الوسائل حتى تلك التي تعاكس ما يدعونه من قيم … وهذا يبرر لهم سلوكهم العدواني والاستغلالي الذي يقومون به ضد شعوب أخرى، اعتبرت تاريخيا شعوبا معادية وأرضا مستباحة لكسب الغنائم … منذ الاحتلال الروماني وبعده الغزو الصليبي ثم الاستعمار الأوروبي وصولا للأنظمة المستبدة العميلة ، و قد حرصت كلها على إضعاف المنطقة ونهبها ، وتكبيل شعوبها وإثارة المشاكل الداخلية فيها وتفتيتها الذي كان عنوانه الأكبر الحروب الصليبية ، ثم تقويض الخلافة الاسلامية العثمانية وتقاسمها … تلك التي ستحاول العودة من جديد بقوة الشعوب وزخم قوى التغيير ، ليس حبا بالخلافة كنظام ، لكن تعبيرا عن رفض الهيمنة والتبعية والاستغلال . فأغلب الشعارات والأيديولوجيات لا يقصد منها مضمونها بل توظيفها في تحقيق الاستقلال والكرامة والحرية .

هذا التاريخ الغربي العدائي للمسلمين هو ما جعل حزب التحرير الإسلامي وأقرانه كحزب الإخوان ( الأب الفكري للإسلام السياسي ) يعيد زج الدين في السياسة للرد على العدوان الغربي (الصليبي كما يسميه ) ، و ينتج في النهاية عقيدة الجهاد ضد هذا الغرب ، والتي ستتظاهر نهاية بالإرهاب ، الذي أصبح الوسيلة الوحيدة المتبقية للانتقام الانتحاري بيد الشعوب التي تشعر بالإهانة والذل والعدوان ، ويعجز عقلها الجمعي عن قبول هذا الرضوخ والخنوع الذليل ، بعد أن كبلت هذه الشعوب بأنظمة مأجورة موالية للأجنبي … تعجز عن الدفاع عن مصالح شعوبها ، فلم يبق من قوة للمواجهة غير ما يسمى العنف والارهاب التطوعي الانتحاري المنفلت من رقابة أي نظام أو روادع ، لتتحول المطالبة بحياة الحرية ممارسة للفوضى القاتلة ، والمطالبة بالكرامة ممارسة للتزمت ، وبالعدالة ممارسة للإرهاب والانتقام … وهكذا تكرس السياسات الغربية نزعة العداء والحقد وتمارسها ، ثم تجعل من نفسها ضحية للتهديد الارهابي لكي تسكت شعوبها، التي لا تفهم لماذا يفكر شبان مسلمون في تقويض أمنها انتحارا …

وعندما ظهرت الجماعات الاسلامية في الثورة وطغت عليها بسبب تدني مستوى تسليحها وتنظيمها ، تحولت أمريكا عن سيناريو ميلوزوفتش مؤقتا ، وهذا ما أطال عمر بشار مرة أخرى والمتفق عليه ( حتى عام 2014 ) ،عندما عادت أمريكا لاستعمال سياسة الاحتواء المزدوج المعتمدة عندما يتصارع عدوان … والتي استعملت في الصراع العراقي الإيراني حيث وازنت الصراع لينهك كلا الطرفين من دون امكانية الحسم العسكري ، وهو ما تفعله الآن بين السنة والشيعة … وقد تأجل تنفيذ سيناريو ميلوزوفتش سنتين إضافيتين حتى عام( 2017 )بينما سوريا تنتظر أن تنتهي مأساتها فقط عندما تسمح أمريكا بذلك .

النظام الوحيد الذي يعبر عن فهم واضح للدور الغربي الاستعماري هو نظام أردوغان ، سليل الخلافة العثمانية الحقيقي ، وخليفة المسلمين الفعلي، لذلك هو عرضة بشكل دائم لكل أنواع الضغوط والمحاولات للإطاحة به بل بتركيا التي أنجبته . والمسكين في هذه اللعبة ليس الإنسان المسلم التي تعلم كل فنون المقاومة ، وحول الدول المصطنعة لدول فاشلة لا يمكن حكمها من قبل العملاء ، والذي لم يعد لديه ما يخسره بعد كل ما جرى به ، بل المسكين هو الانسان الأوروبي الذي يعيش تحت خيمة من الأكاذيب صنعها له سياسييه ، وفي ظل رفاهية كاذبة مسروقة من استغلال الشعوب الأخرى التي بدأت تقاومه فدخل في أزمة مستمرة ومرحلة انحطاط متكامل تتجلى فصولها تباعا ، وصار عليه مواجهة ودفع ثمن ما اقترفه سياسييه من خيانة للقيم التي يدعون . وهذا يتطلب مراجعة ذاتية تسبق أي خطة للحرب مع التطرف الذي هو ليس فعل بل ردة فعل ، تتطور بتطوره وتتكيف مع تغيره.

ملايين المجاهدين يحتاجون لجواب ، من هو المجرم الحقيقي في هذه الحال ، بشار المعتوه أم من يستخدمه ؟… هل تظنوهم اغبياء لكي لا يدركوا هذه اللعبة ، وهل تتوقعون أن لا يفكروا بالرد عليكم … بعد أن تحولوا من طلاب حق لإرهابيين مطلوبين دوليا ، وبدورهم من طلاب حرية وحياة لطلاب موت في عواصم دولكم ؟

نلمس بعد أحداث باريس تغير في طريقة وسرعة التفكير ، ونتوقع حدوث مراجعات في عواصم الغرب وخاصة واشنطن … ولا يفهم من هذا أننا منزعجين من التركيز في الحرب على هزيمة داعش قبل هزيمة الأسد ، لأن سقوط داعش يعني أيضا سقوط بشار كما كان سقوط بشار يعني سقوط داعش ، فكلاهما وجهان لعملة واحدة ، يتبادلان شرعية الوجود .

ونتوقع لمنطق المحاصصة الدولية في سوريا أن ينهار أيضا لأن أوروبا لن تتساهل أكثر مع سياسات موسكو العسكرية التشبيحية التوسعية والعودة لتهديدها مرة ثانية ، لذلك ستواجها بسياسة أكثر حزما وجدية في كل مكان في شرق أوروبا والشرق الأوسط أيضا . والصراع العالمي يتجه نحو التأزم ، وهذا ما سيجعل التفاهم على ادامة الصراع في سوريا ينهار ، وتتجه الأمور فيها للحسم العسكري ، والحرب حتمية مع ايران إذا لم تسلم كل أوراقها للغرب ، وتفك ارتباطها بمحور موسكو … ونظام بشار آيل للسقوط كفرق عملة … حتى لو كانت الحرب على داعش تأخذ الأولوية الآن . لأن سيناريو ميلوزوفتش سينفذ عاجل أو آجلا حتى لو حدث في سياق حرب اقليمية واسعة . ولعنة الدم السوري ستطال الجميع ، ولن تكون مشاريع الهيمنة والتقاسم هي البديل عن نظم السجون ، فهي محكومة أيضا بالفشل لوجود عامل كان محذوفا قبل ثورات الربيع العربي ، ألا وهو الشعب الذي حمل السلاح وخرج للقتال، فثورة الحرية والكرامة ستحقق غاياتها في النهاية … لأنها حق ولأن الحق منتصر ولو كره الكافرون .

{ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }

دم الثوار تعرفه فرنسا          وتعلم أنه نور وحق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.