يثب

الدولة العميقة في روسيا

د . كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

إذا كانت الشركات الصناعية والتجارية الكبرى هي الدولة العميقة في أمريكا ، وإذا كانت الحركة الوهابية وتحالفات العشائر مع آل سعود هي الدولة العميقة  في السعودية ، وإذا كان تحالف الضباط العلويين الفاسدين مع عائلة الأسد  المجرمة بشراكة مع كبار تجار وملاك سوريا الذين اغتنوا بالحرام هي الدولة العميقة في سوريا ، فإن شبكات وتحالفات عصابات المافيا بقيادة عصابة بوتين هي الدولة العميقة في روسيا اليوم …

معلوم لمن عاش في زمن النظام الاشتراكي كيف كان هناك اقتصاد أسود موازي ، وكيف تحول الحزب الوحيد الحاكم والقائد لشلل وعصابات فساد وافساد ، هي ذاتها من قامت بالسيطرة على القطاع العام ونهبته بعد التخلي عن الاشتراكية بسياسة غورباتشوف وعهد يلتسن الذين كانوا يتوهمون أنهم نجحوا في تفكيك هذا الحزب … لكن في الواقع  انتقلت الشلل المخابراتية الحزبية ( العصابات الداخلية للحزب الشيوعي الروسي ) لتتحول لشبكات من العصابات المافيوية التنظيم تتحكم بشكل كامل بالاقتصاد والسياسة معا ، وهي من أنتجت وتدير نظام بوتين ميدفيديف .

بحلول عام 1989 لم تنهار الشيوعية وتتحول روسيا للديمقراطية ، بل انهار النظام الاقتصادي الشيوعي واستبدل بنظام اقتصادي رأسمالي لا تديره الشركات الكبرى التي تتحكم بالسوق القومية، بل عصابات تمتلك المال بالجريمة والتي نشأت وترعرعت داخل الحزب الشيوعي ذاته، وكانت وما تزال تحكم روسيا  … وهكذا فإن الشعب الروسي لم يشعر يوما بالحرية لا في زمن الشيوعية ولا في زمن الرأسمالية ، ولم يشعر يوما بالأمن من البطش ، والنهب وسياسات الإفقار والاستغلال. فالاستلاب بحسب كلمات ماركس ذاته ما يزال هو العنوان السائد في دولة القياصرة التاريخية التي لم تتغير بنيتها الاستبدادية المجرمة يوما . وما تمارسه روسيا تاريخيا في شرق وجنوب أوروبا لم يخرج عن هذا الدور … وما يسمونه بالشعوب السلافية ما هم إلا عبيد الأرض (  slaves  ) الذين استعبدهم الروس القساة المتوحشون القادمون من الشمال البارد ، والذين لم يحملوا في يوم قيما غير قيم الغزو والحرب والبطش. ومن يتذكر الحكم الروسي في أوروبا الشرقية يشعر بذلك تماما ويدرك مدى تشابهه مع الحكم العلوي في سوريا . 

السياسة الخارجية الروسية أيضا محكومة بذات المنطق ، وممارسات روسيا حاليا في سوريا تعبر عن وجه روسيا الهمجي ذاته وتذكرنا بتاريخها القيصري الاقطاعي المتوحش ، أو الشيوعي الأكثر همجية ، والتي انتقلت إلى الاستبداد الرأسمالي المحكوم ليس بالتنافس الحر بالسوق ، بل بعصابات المافيا الأكثر إجراما … المافيا التي تدير السياسة الخارجية التي تخضع ليس لحسابات ومصالح الأمة والشعب بل الدولة العميقة التي تتحكم بهم ، وتتصرف بحسب نزواتها لتبتز شعبها والعالم ، وتتخذ الفيتو لمجرد أن هناك من آل مخلوف من يدفع ثمنه ، بعد أن سرق الشعب السوري عبر 50 سنة من الحكم المستبد بصيغته الاشتراكية والمافيوية التشبيحية التي تشبه إلى حد كبير نظام بوتين الصديق والحليف بنيويا  ، وتؤجر جيشها لصالح من يدفع للمافيا المتحكمة بالدولة ، التي تنتقل لسوية جديدة من الجريمة المضادة للإنسانية بشراكة كاملة مع سوريا … الدولة العظمى المفترض أنها مسؤولة في المجتمع الدولي … لكنها تسلك سلوك شبيح عند آل الأسد مخلوف الذين يملكون ثروات ما تزال تفوق ثروات بوتين حتى الآن  وتجعله طامعا في رضاهم.

لذلك لن نستغرب قرارات مجالس الدوما في روسيا والدمى في سوريا التي تعبر عن عمق التحالف المافيوي بين النظامين … ولذلك أيضا ونظرا للتشابه الكبير بين النظامين السوري والروسي ولتشاركهما البنية والسلوك وبالتالي المصير ، لذلك نعتقد أن لعنة الدم السوري ستطال روسيا بأحد طريقتين : إما أن تدخل في حرب عالمية جديدة كعادتها … أو تدخل في حرب أهلية مريرة كعادتها أيضا …

صبرا أهل حلب … فالله هو المنتقم … ودعونا نأمل أن تكون الحرب الأهلية القادمة في روسيا بين عصابات المافيا المتناحرة ( أن تكون حربا أهلية نووية )  .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.