يثب

مبررات الدعوة للتعاون مع اسرائيل

د. كمال اللبواني

يقول أينشتاين : أسهل علي تحطيم الذرة من تغيير فكرة في دماغ انسان ،

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

أنا ممنون لكل الأصوات التي انتقدت وناقشت الأفكار الجديدة وبحثت عن مبرراتها وعيوبها ، لأن هذا هو الطريق الطبيعي لتطوير الفكر ونحن هنا بصدد تطوير الفكر السياسي طبعا ، لكنني بدوري لم أفهم وجهة النظر الطاغية التي تقول أن النظام حليف اسرائيل ويحظى بحمايتها (قصة منع الضربة الأمريكية إذا صحت )  وبالتالي لا يجب علينا الذهاب اليهم لأنهم كذلك ، بل علينا أن نقاتلهم الى جانب النظام إذا ما فكروا في العدوان على (سوريا يقصد النظام السوري )  . ( عملا بمثل  أنا وأخي وابن عمي والغريب ) . وطالما أن النظام وايران يقتلون الشعب ويدمرون سوريا كما لا يفعله أشد عدو ، وطالما ميزان القوى لصالحهم بسبب حلفائنا المترهلين ، فالمطروح أمامنا هو حرب كل هؤلاء وحرب اسرائيل معا ، في معركة غير متكافئة جربناها ثلاث سنوات وقدمنا فيها ما لم يقدمه شعب من شجاعة وفداء وصبر وثبات .. وأن نستمر في استعداء اسرائيل المجاني خدمة للنظام وحلفه ولا نفكر أبدا في امكانية تغيير وجهة نظرهم بسبب تغير الكثير جدا من العوامل بعد الثورة ، وأن نعتبر أن من يقتلنا (أخونا ) وهو لم يترك وسيلة لإبادتنا الا واستعملها .. ولم يقدم أي مشروع منطقي للوفاق ، ولم يترك لشبابنا سوى خيار الموت في الداخل والسجون أو الذل والعار والجوع في المخيمات التي تتحول رويدا رويدا لمعسكرات اعتقال وتجويع .

بكل تأكيد الغرب بل الدول العربية الشقيقة والحليفة لن تسمح بسقوط النظام بيد الإسلاميين المتطرفين ، ولن تكون مسرورة من بقائه ، لذلك علينا أن نختار بين فوضى طويلة تستمر فيها معاناتنا وعذاباتنا ، وبين مشروع مقبول من الغرب القادر على حسم الصراع وموازنة حلفاء النظام وهزيمة مشروعهم في سوريا ، والقادر على اعادة بناء المنطقة بشكل يليق بأهلها .. والمدخل السريع والحاسم الى ذلك جميعا هو السلام في الشرق الأوسط والذي لم نباشره نحن بل سبقتنا اليه كل دول المنطقة .. وأصبح خيارا الزاميا حتى لحماس وحزب الله الذين أجبروا على توقيع الهدنة اثر الهدنة . أي أنني لم أتنازل عن أي شيء أملكه أو يمكنني أن أملكه في ميزان قوتي عندما طرحت مشروع التعاون مع الغرب عبر بوابته الأوسع (دولة اسرائيل) بسبب قيمة الوقت والحاجة لاختصار الطريق وإلحاح الظرف ..

بالتأكيد من يده في الماء ومستريح يستطيع أن يرفع الشعارات الحربية كما وكيف يشاء ، وهو غير من يده في النار وأهله تحت الحصار وشبابه يموتون الواحد تلو الآخر ومن يفقد حتى أمل البقاء في وطنه ويتشرد متسولا في شوارع العواصم .. ومثالنا الدامي حمص .. كنت أتمنى أن أسمع أصواتا من هؤلاء ، أو حتى من المطلعين على هشاشة الوضع وتعقيداته والذين فضلوا الصمت بانتظار أن نستكمل استكشاف الطريق . وهذه عقلانية تعلموها من تجربة سنوات صعبة ، وهي ما يلامون عليها الآن من قبل الكتاب البعيدين عن الواقع والمنغمسين في التصورات المسبقة التقليدية ..

طبعا نستطيع أن نفكر بهذا العقل البراغماتي إذا غادرنا العقل التقليدي الأسطوري : الذي يعتبر أن العداء مع اليهود هو الغاية من وجودنا كعرب مسلمين ، حيث الغرض من الوجود كله ينتهي بقتل كل يهودي (يقف خلف شجرة تدل عليه .. ) و يتبعه نزول المسيح عليه السلام بعد مذبحة اليهود وحرب عالمية نووية يذهب ضحيتها ثلاثة ارباع سكان بلاد الشام ، والذي يفترض بالمقابل أن هدف كل يهودي هو تدمير العربي والمسلم وملاحقته على لقمة عيشه وموطنه في كل مكان والتآمر والتحالف مع كل الدول والشعوب حتى التي أحرقته في أفران النار.

وإذا هبطنا قليلا من صراع الأساطير التخيلية اللاعقلانية التي تشبه حكايات الجان والغيلان التي تحكى للأطفال المشدوهين، متجهين نحو صراعات الواقع الفعلي البسيط الذي يعيشه بشر متشابهين، نستطيع أن نشرح لماذا نقترح في هذا الظرف الصعب انشاء أرضية مشتركة للتعاون مع دولة اسرائيل  ومن خلالها مع الشعب اليهودي نحن كشعب سوري وعربي .. أو إذا أردتم كما هو شائع في لغة اليوم (كعرب سنة يسكنون سوريا منذ 1400 سنة ويعطونها هويتها )

إن من يستغرب هذه الخطوة (المتطرفة المشبوهة نحو الأعداء )، لأنها حدثت قبل البحث عن الحلفاء الحقيقيين  ممن يشبهوننا أو يقعون معنا في ذات الخندق المعادي للصهيونية والاستعمار الغربي الصليبي .. هل هم يقصدون الدول العربية ؟ هل يقصدون تركيا ؟ ماذا نحن نفعل منذ ثلاث سنوات ولماذا كانت النتائج على هذا المستوى ؟ لقد قبلنا بكل شروطهم بل بشعاراتهم و جعلنا وكلائهم يقودونا … فماذا قدموا ؟  بل ماذا كانت النتيجة حتى لا نلومهم؟؟    :

ايران و النظام تتقدم والشعب يموت تحت الحصار والبراميل أو يتشرد ويهيم على وجهه … وسوريا تقسم وحمص تصبح مدينة ايرانية صرفة وغدا دمشق لا سمح الله .. هل يقصدون الدول الأبعد مثل شمال افريقيا ؟ ، أم يقصدون الباكستان والأفغان والشيشان ؟  وما يمنعهم من المساعدة وهم الذين يرسلون لنا المجاهدين الذين ضجرت منهم جبال تورا بورا ، ألم تلومونا عندما لوحنا بقبول ما يطرحه هؤلاء (الحلفاء الطبيعيين) علينا من شعارات اسلامية سنية جهادية !! في مواجهة الضغط علينا للتصالح مع المجرم في حنيف ؟؟؟ ، كيف كانت السلطات التي أقامها هؤلاء الحلفاء على الأراضي ( المحررة ) كيف تعاملوا مع شعبنا كأصدقاء أم كمحتلين ؟ وأي نموذج حضاري قدموا عن الاسلام والخلافة والأمارة والدولة ؟ .. هل سنقبل بسلطاتهم بعد أن خبرناها واقعا ؟

كيف ستقدم الدول الصديقة المستبدة الدعم الجدي للثورة وهي تخشى من الشعارات الديمقراطية المعدية إذا لم تضمن تجديد الاستبداد عندنا ؟. ألا تلاحظوا معي أن سبب تلاشي دعم الثورة هو ذاته شرط دعمها!!!  أقصد الشعارات الجهادية الطائفية المشجّعَة من الدول والجهات الداعمة لنا (لكن نحو الخراب والفشل )؟؟

أم أن من ينتقدونا يطرحون علينا ضمنا وبشكل موارب التصالح مع ( الأخوة ) في دول الممانعة: ايران والعراق ولبنان والجزائر وتونس وتقديم التنازلات ومن ثم الاستسلام للنظام الممانع من أجل التصدي للعدو التاريخي، أي التصالح مع من قتلنا وشردنا وهو ذاته من تصالح مع العدو التاريخي سرا وتمكن من هزيمتنا لمدة خمسين سنة بسبب ذلك .. أي يقترحون علينا عمليا أن نكون عبيدا عند حماة وعملاء اسرائيل ( الممانعين ).. ولا نتصالح معها كأحرار من العبودية لهم.. ( يا حيف )

الغريب العجيب أن معظم ، بل جل من يتاجر في الموقف القومي التاريخي من اسرائيل هم من الذين أقاموا جسور التعاون معها منذ زمن طويل . واستمدوا فرص البقاء بدعم وحماية اسرائيل . ولا داعي لتذكيرهم بما حصل في حرب لبنان وغزوة 82 ، ولا فيما يحصل في داخل سوريا وتوازنات السلطة الأقلوية فيها، ولا فيما حصل في العراق، فكل الأقليات تتعيش من دعم غربي وحماية اسرائيلية مباشرة وغير مباشرة ، ليس حبا بها بل نكاية بالعرب السنة الذين لا عمل لهم سوى التهديد والوعيد الفارغ الذي لم يثمر ولم يغن حتى اللاجئ الفلسطيني المعذب المضطهد الملاحق من العرب أكثر من ملاحقة اسرائيل.

يسأل سائل إذا كانت اسرائيل تقيم هذه التحالفات المعادية لنا فما فائدة التقرب منها إذا ؟؟ ، والجواب هو لماذا أقامت اسرائيل والغرب كل هذه التحالفات ضد الأغلبية ، أليس بسبب موقف الأغلبية ذاته !! ، فإذا غيرت الأغلبية موقفها الافتراضي الديني الأسطوري أو القومجي الديماغوجي، وفكرت بشكل واقعي ألا نتوقع من اسرائيل التخلي عن الأجير والوكيل للتعامل مع الأصيل لإيجاد حل نهائي لن يكتمل من دون مشاركة المعنيين به وليس بتغييبهم؟

أنا أريد استعمال المعادلة بشكل معكوس ، فبدل دعم اسرائيل للفتنة والأقليات والديكتاتوريات والنزاعات لإضعاف الجيران المتطرفين المتعصبين المعادين ، يمكنهم اقامة سلام معهم ودعم صيغ التعاون والعيش المشترك بين الجميع ، بالمساعدة على فتح مسار حقيقي للاعتدال والسلام والحرية والعدالة .. فمسار الأحداث الراهن خطير جدا علينا وعليكم .. التطرف والفوضى والدويلات الفاشلة والطائفية  والأمارات والمربعات والارهاب ..  وكذلك تراكم واشتداد الكوارث والأزمات في محيطكم هي ما يهددنا ويهددكم ويهدد العالم كله .. وهذه الحرب المفروضة علينا تدفع شبابنا للتطرف والتعصب وتدمر كل امكانية للاعتدال والتسامح والسلم والاستقرار.

هل فكرنا بخطورة ما يحصل على الأرض؟ هل فكرنا في كارثية ما يجري من تقسيم حقيقي أصبح أمرا واقعا ، واحتلال أجنبي لم نبالغ فيه ، وتطهير مدن بكاملها واستبدال سكانها برعاية دولية، وتحويل (الأغلبية 74% ) من العرب السنة لأقلية فعلية في سوريا بالإبادة والتهجير وتغيير الهوية والطائفة ، واقامة كيان من مجرمي ايران والعراق في وسط سوريا، (لأن أصحاب العقل والحضارة لا يتركون أوطانهم للسكن في مناطق غريبة) ، وذلك بهدف تغيير هوية المنطقة وتدمير صيغة عيشها التاريخي .. ناهيك عن ملايين المحاصرين المضطهدين الجائعين الخائفين المهددين بالطرد والابادة، وملايين المشردين بلا مأوى وبلا عمل ، وملايين اللاجئين في الدول الصديقة اللئيمة معا ، وعن الدمار الهائل والعدد الرهيب من الضحايا والمشوهين .. كل ذلك ومن دون أمل ولا حتى خلال عشر سنوات لوجود حل ما لهذا الصراع .. والذي لم يترك أي مجال لإنهائه من دون اذعان الأغلبية واستسلامها ، وهذا هو المستحيل عينه بعد كل ما جرى وما لحق بها .

من يستطيع أن يغير مسار الأحداث المأساوي الرهيب هذا، هل واجبنا كسياسيين أن نفكر ونستكشف الطرق الممكنة ونضع الخيارات الحضارية أمام الشعب ليختار؟ أم واجبنا أن نسير وراء شعارات الموت الجماعي البطولي الملحمي؟

 رأينا خلال ثلاث سنوات كيف أدار التفاهم الأمريكي الروسي الملف السوري بطريقة أدت  لإعطاء ايران نفوذا أكبر في المنطقة ، وإلى الامعان في تفكيك سوريا والعراق ولبنان، ومن ثم فشلهم في ايجاد أي مخرج ، والحديث اليوم عن استخدام سوريا كورقة استنزاف للأعداء من قوى التطرف ..  لكنهم في الواقع يدعمون ويقوون كل أشكال التطرف والتعصب والارهاب  ويستنزفون قوى الاعتدال وشعوب المنطقة ومستقبلها ويهددون بفوضى عارمة في محيط واسع …

لا بد اذا من استراتيجية أخرى تأخذ بعين الاعتبار صيغ أخرى للمنطقة ولمستقبلها تقوم على التوحيد وليس التقسيم ، البحث عن المشترك وليس المختلف والبحث عن البناء وليس التدمير وهذا يتطلب خطابا آخر (غير اسطوري وغير عنصري وغير طائفي) تجاه الجميع ، وهذا يتطلب منا أن نخرج من أسر ردات الفعل ونعلو فوق جرحنا لنبني مستقبلا آخر مع شعوب المنطقة التي عليها جميعا أن تتفاعل ايجابيا مع تغير خطابنا ، وأخص بشكل خاص الأقليات والجوار من الشعوب الذين لا نجد فيهم أعداء تاريخين بل إن العداء معهم نتيجة سياسات وسلوك أنظمة للعقل وللسياسة يمكن تغييرها، والتغيير يبدأ من الذات . وهو جوهر ما أفكر فيه، والذي يساء فهمه ويعتدى عليه لأنه يخدش التابو الأسطوري التقليدي الصنمي ويخرج عن دوائر الصراع المغلقة التي لا أمل في حسمها من داخلها كما أثبتت التجربة ، ولا داعي للانتظار عشر سنوات أخرى للتفكير بعدها بتغييرها …

كما أنني أرفض اقامة السلام بين مجرمين ارتكبوا أبشع الجرائم بل إن السلام يبدأ باستبعادهم نظريا وعمليا واستبدالهم بآخرين ، فعقد السلم الاجتماعي لا يقوم إلا على قيم ونظم وهويات وشخوص مختلفة غير متورطة ومرتكبة وممعنة في الجريمة. لذلك قلت إن طريق جنيف هو طريق سيء لتحقيق حل سياسي شكلي عبر إعفاء المجرم وبالتعاون معه . وهو سينتهي بدمار أساس تكوين المجتمع وهي العدالة والحقوق والقيم .. وبدلا من ذلك المسار الغبي الذي فشل والحمد لله ..  لابد من دعم قوى جديدة تنظم نفسها على أسس جديدة ومفاهيم مختلفة عما شهدناه مبتعدة عن الجريمة والتعصب والأوهام . معتمدة ثقافة أخرى وهو الجزء الحقيقي من الثورة (أقصد التغيير الثقافي) لأن كل سياسة هي تعبير عن الثقافة بطريقة ما .. والثقافة عنصر تفاعلي قابل للتغيير والتطوير تبعا لخبرات الانسان وتعاملاته، والشعب السوري الثائر يريد التغيير ، وكل شعوب المنطقة متفهمة ومستعدة لقبول مثل هذه الخطوة ، ( نقول هذا لمن يتهمنا بأن لا شعبية لطرحنا لأنه سيتفاجأ بكونه قد صدق كذبة معلنة وقناع وهمي أخفى عنه حقيقة البشر )  .

أخيرا يا أيها القوميون المقاومون المصارعون. هل اسرائيل الصهيونية المتعصبة ( ولا أقول الشعب اليهودي ) تستشعر الخطر عليها من (صواوويخ وصواطير ) المقاومين والمجاهدين الذين يفنون بعضهم البعض في القصير والمليحة والدير وعين عرب ( داعش وحالش وأشايس ) ، أم من دعوات السلام ومستلزماته التي هي فعلا قادرة على تغيير طبيعة اسرائيل وسلوكها وتغير هويتها ودورها في المنطقة ؟؟؟ هل نتكل على الانسان داخل كل شعب ، أم على الشيطان الذي يركبه بنتيجة التعصب والعنف الأعمى والاستفزاز والحماقة ؟ هل العقل أسبق على الجنون .. هل الحب أسبق على الكره في الوجود ، هل دعوة الاسلام الأساسية هي دعوة للجنون وللحرب أم للعقل والسلم ، والسلم مع من ؟ السلم مع الصديق!!…  أم مع العدو المفترض ؟.

ومع ذلك أنا متأكد أنه اذا أهمل خيار السلام المشترك المعقول والمتوازن الذي نلام على طرحه في هذا الوقت .. فليس لدى الأغلبية من خيار آخر بكل أسف سوى التطرف والتزمت والانغلاق والعنف كوسيلة متبقية للبقاء ، أو تشارك الموت مع الآخرين في بحثها عن عدالة رمزية لكن سلبية .. فظلم الجميع وخسارتهم معا هو أيضا عدالة .

2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.