جرحى يبرود يلملمون جراحهم في عرسال استعدادا للعودة إلى القتال

مقاتل سوري في «النصرة» لـ «الشرق الأوسط»: أفجر نفسي بحزب الله إذا انتقلت المعركة إلى لبنان

عرسال (شرق لبنان): شيرين قباني
صفوف من أهالي الجرحى السوريين في بلدة عرسال البقاعية، على الحدود مع سوريا، تزنر مدخل الطوارئ في مشفى الرحمة. صوت الطبيب يعلو في المكان مستنجدا حاملي فئة الدم «ب+» التوجه عند الممرضة للتبرع بالدم، وإنقاذ حياة المقاتل السوري أبو إيهاب، الذي هرب إلى لبنان بعد سقوط يبرود في قبضة قوات النظام السوري. فأصابته شظايا البراميل المتفجرة في رأسه ورجله ويديه.

ثيابه ممزقة بالكامل، وبقع الدماء تظهر الحالة الصحية السيئة التي وصل إليها المقاتل إلى المشفى. يصف الدكتور باسم القلح الوضع الطبي للجريح بالخطير جدا: «لا نعلم إذا كان سيعيش، فدماغه مصاب بكسور خطيرة ويحتاج إلى عناية تفوق الإمكانيات المتوفرة في المشفى». وعن عدد الجرحى الذين تلقوا العلاج في عرسال، يقول: «لحظة سقوط يبرود لجأ إلينا 22 جريحا إصاباتهم تتنوع بين متوسطة وخطيرة، وفي اليوم الثالث والرابع وصل العدد إلى ستة جرحى أغلبهم عادوا إلى منازلهم في المخيمات ويتابعون علاجهم بالأدوية والمسكنات».

في مخيم الأمان المجاور لمخيم شهداء القصير، قصص مقاتلين جرحى يتألمون من وجع الهزيمة أكثر من وجعهم الجسدي وتمنيات بالشفاء العاجل بما يمكنهم من «حمل البارودة والـ(آر بي جي)» للانخراط في المعركة، والقتال على الجبهات السورية من جديد.

يضحك أبو يوسف متذكرا: «كنا نقاتل بـ14 ونص (مدفع رشاش مضاد للطيران) شبه معطل، يطلق ست رصاصات، ثم يتوقف، فأنظر إلى الطائرة الحربية متوقعا أن أُدفن حيا وأقول في سري عندما تقترب من مكان وجودي (سأموت) وعندما تبتعد (لن أموت)». ويضيف ساخرا: «المؤذي في قصة السوري أنه دفع طوال 40 سنة المال والضرائب لجيش بلاده فاشترى له الأسلحة والدبابات والمدافع والطائرات الحربية ليأتي الأخير ويقتله بما اشتراه له من عرق جبينه». ويكمل حديثه قائلا: «عدد سكان يبرود بلغ 150 ألف نازح سوري جاءوا من الغوطة الشرقية والقصير وحمص وريف الشام وعند حصار يبرود، هرب أغلبهم خوفا من الصواريخ؛ فأين هم المقاتلون الذين كانوا يُحكِمون سيطرتهم على المنطقة؟».

يعاني أبو يوسف، وهو مدرس لمهنة الميكانيكا في المعهد الصناعي المتوسط، من شلل نصفي وبتر في يده اليمنى ورجله اليسرى، جاء إلى عرسال عبر الحدود السورية مع 15 مقاتلا، توفي عشرة منهم، وبقي الخمسة الآخرون على قيد الحياة، بينهم أبو يوسف.

يجلس إلى جانبه ابنه رعد، الرقيب أول المنشق عن الجيش النظامي والمقاتل في صفوف جبهة النصرة في سوريا والمستعد للقتال في لبنان إذا انتقلت المعركة إلى الأراضي اللبنانية «انتقاما من حزب الله وإيران و(الرئيس السوري) بشار الأسد» على حد قوله.

ويشير إلى أن «انشقاقه عن جيش الأسد جاء بعد سنة من اندلاع الثورة السورية»، ويقول: «شاهدت اقتلاع أظافر الأطفال الأبرياء الذين رفعوا كلمة (الله أكبر)، كنت أول من شاهد مآسيهم وشعر بأوجاعهم في وقت كان ابن خالة الأسد الضابط عاطف نجيب يستمتع بأنين أصواتهم المؤلمة».

يخبئ رعد بطاقة انضمامه إلى جبهة النصرة في جرود عرسال، تعرّف المنظمة كل مقاتل إلى جانبها بـ«المجاهد» مع شعارها «لا إله إلا الله ومحمد رسول الله» مرفق بصورة أميرهم «الجولاني». جاء إلى عرسال ليرافق والده المصاب ويطمئن على حالة والدته الصحية، وهو يستعد ليعود اليوم (الجمعة) إلى القتال على إحدى جبهات القلمون».

وعن الانفجارات والسيارات المفخخة التي تتبناها «جبهة النصرة في لبنان»، يحمل رعد مسؤوليتها إلى تنظيم «داعش». ويقول: «إذا انتقلت حرب النصرة إلى لبنان فسأكون أول من يفخخ نفسه بين حزب إيران وكل حليف لجرائم الأسد». تنظر إليه والدته بفرح وتربت على كتفه قائلة: «والله كبرت وصرت بطلا».

في الخيمة المجاورة أحد المقاتلين أيضا من يبرود ويدعى أحمد حربا، يبلغ من العمر 27 عاما وهو سائق سيارة أجرة، اعتقل خلال عمله وبعد إطلاق سراحه انخرط في صفوف مقاتلي الجيش الحر. جاء إلى عرسال بعد يومين على إعلان قوات الأسد السيطرة الكاملة على منطقة يبرود، يروي لـ«الشرق الأوسط» الظروف القاسية التي عاشها خلال اعتقاله في فروع المخابرات السورية بدمشق، التي يقول إنها «ربت بداخله حقدا لن يمحوه من قلبه غير الانتقام».

ويشير إلى أنه عند اعتقاله، قال له أحد العسكريين: «نعلم أنك لم تفعل شيئا، ولكن هناك أوامر باعتقالك»، مضيفا: «سجنت سنتين وفي أول أربعة أشهر لم تترك أداة تعذيب إلا وجربت على جسدي وصدري ورأسي في سجون المخابرات، قبل نقلي إلى سجن حمص المركزي، فإبريق المتي المغلي شاهد على معاناتي اليومية، وآثار أشرطة الكهرباء على ظهري ما زالت ظاهرة».

خرج محمد من السجن تاركا وراءه خمسة آلاف مدني يرزحون، على حد قوله، تحت أدوات التعذيب. حمل السلاح في أول معركة في يبرود، وانسحب منها بعد تضييق قوات الأسد الحصار، هاربا إلى عرسال مع خمسة جرحى أصيبوا خلال قتالهم في المنطقة. ويجزم بعودته إلى منطقة يبرود عبر «الموتوسيكل» من خلال سلوك طرق فرعية.

يؤكد غالبية المقاتلين الذين وفدوا أخيرا إلى عرسال من مناطق يبرود وفليطا وراس العين السورية، أنهم «يستخدمون الحدود اللبنانية السورية مع عرسال براحة شبه تامة»، ويشير أحدهم إلى أن «وجود الجيش محصور على عدد من الحواجز التي ليس بمقدورها سد المعابر الفرعية التي يسلكها كل هارب من سوريا». وعند سؤالهم عن مكان أسلحتهم، يجزم عدد كبير منهم بأنهم تركوها على حاجز فليطة التابع لجبهة النصرة، التي «تحلل دم كل مقاتل خارج مع سلاحه، بوصفه ضعيف وخائن»، على حد قولهم.

أما أبو عبد الله، فله قصة أخرى. على الرغم من إعاقته وعدم قدرته على المشي بسبب قطع ساقه، فإنه أصر على المشاركة في المعركة إلى جانب الجيش الحر، فكان يمد المقاتلين بالأكل والغذاء والمعونات الإنسانية. لكن قصف يبرود بالصواريخ، أدى إلى بتر ساقه الثانية ليصبح رجلا بلا قدمين، ويأتي إلى عرسال لاجئا، شأنه شأن 100 ألف لاجئ سوري هربوا من البلدات السورية إلى بلدة عرسال الحدودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.