هل ينجح المشروع الإيراني في سوريا ؟

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

مفهوم أن النظام في ايران يسير وفق خطة للسيطرة على الشرق الأوسط ، ويحلم بالتحول لدولة شيعية عظمى مركزها ايران ، يتمد نفوذها حيث أمكنه نشر التشيع السياسي على حساب التواجد العربي السني في عموم المشرق العربي … فهو يعتبر نفسه ممثلا للشيعة ، وللاسلام الصحيح ، وفق منهج طائفي حاقد راغب في الانتقام التاريخي الذي يعتبر أساساً في صلب العقيدة المتمحورة حول مقتل الحسين ، لا يهتم بمشروع اسلامي أو حضاري جامع ، كما لا يتورع من أجل تحقيق هدفه عن ارتكاب جرائم حرب وضد الانسانية بحق السنة ، ويقوم تحت هذا الغطاء بنشر الفوضى وعدم الاستقرار في كل الدول المستهدفة . لكنه وقبل أن يستهدف دول وشعوب المنطقة ، استهدف شعبه بمنظومة قمعية فاسدة تتحكم به وتلوي ذراعه بالقوة والقهر ، وتجيش المشاعر الطائفية والحقد القومي والتعصب العنصري ، لذلك وللجواب على هذا السؤال لا بد من طرح سؤال آخر : هل ينجح حكم الملالي بالبقاء في ايران ؟
يتوهم النظام في ايران أنه يستطيع أن يحول سوريا لدولة تحت وصايته ، ويسعى لإحداث تغيير ديموغرافي واسع فيها كضمانة دائمة لوصايته … ويرتكب كل أنواع جرائم الحرب لإفراغ المدن والحاضرات … لكن مشروعه هذا لا يكتمل من دون التمكن من نقل ملايين الشيعة وتوطينهم في الديار الشامية أو على الأقل في مناطق متواصلة جغرافيا عبرها ( وسط العراق مرورا بالبادية السورية وصولا لحمص وطرطوس ، أو عبر دمشق والقلمون ثم البقاع وسلسلة لبنان الغربية وصولا للضاحية ، وربما كخيار بديل عبر شريط كردي تابع للنفوذ الإيراني يمر بالشمال السوري ) .
مشروع إيران الصفوية الطائفي العنصري الذي يشبه المشروع النازي لا يراعي أي من مصالح الشعوب المستهدفة ، بل يقوم أساسا على حساب وجودها ، قتلا وتهجيرا … الشيعة في مجمل بلاد الشام لا يتجاوز عددهم مليون ونصف شيعي معظمهم في لبنان ، وعملية نقل واستقرار ملايين الشيعة من العراق وايران وأفغانستان يتطلب أكثر من النصر العسكري وجرائم الإبادة ، يتطلب تأمين الاستقرار والأمن ( أي سحق المقاومة التي تصبح رد فعل طبيعي ، محرض بشدة ويعتمد أساسا على العنف الترهيبي الذي يمارس على المستوطنين كأهداف مشروعة للدفاع الوطني )، وبالنظر لتواجد وامتداد وخبرة المنظمات الإرهابية السنية ، فهي ستكون العامل الحاسم في زعزعة استقرار الغزو الاستيطاني الصفوي الجديد، وتجعله خاسر اقتصاديا وعسكريا مع مرور الوقت ، حيث لا تستطيع ايران تحمل نفقات وتبعات هذه المواجهة المفتوحة مع الطائفة السنية التي تتضامن عبر الحدود وتنتشر في مساحة واسعة وتشكل قرابة خمس سكان العالم ، ناهيك عن كسب الاعتراف الدولي ، وعن رضى الدول الإقليمية خاصة تركيا والسعودية واسرائيل ، ورضى القوى الدولية التي لا تخفي تخوفها من المشروع الصفوي الطامح بشدة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، والسيطرة على أهم موارد المنطقة .
ما فائدة هذا المشروع بالنسبة للشعب الإيراني الذي يتم تغذيته بالحقد الطائفي ونزعات الانتقام ويتعرض للتضييق والفقر ويدفع شبانه لساحات القتال ؟ … وماذا سيقدم لأجيال جديدة لا تقيم للدين أهمية ، وتريد العيش وفق نمط الحياة العصري الذي يتقدم بسرعة لا تقاوم ، والذي يحمل معه قيم ومعايير مختلفة جذريا عما يقوم عليه مشروع الملالي الصفوي الخرافي في طهران …
نظريا يمكن للاحتلال العسكري أن ينجح في البقاء إذا استطاع استيعاب الشعوب المحتلة ضمن مشروع سياسي اقتصادي اجتماعي يحقق مصالحهم ، لكن مشروعا يقوم على الحقد والإبادة ، يجب أن يتوقع استمرار المقاومة ، والإيراني يفهم جيدا معنى الاتجار بهذا الشعار … فهل يتوقع أن يتشيع الناس ويتخلوا عن طائفتهم بارتكاب مثل هذه الجرائم بحقهم … هل يتوقع أن نصره العسكري المحدود بدعم جوي روسي ، وتساهل غربي سيحقق مشروعه ، ألا يفهم أن مشروعه يستخدم كورقة ضمن سياسة استنزاف قوى ودول وشعوب المنطقة ، التي بدا وأنها تقف على عتبة تحول تاريخي يعيدها لمجدها الحضاري ، وسط تراجع التفوق الغربي ؟ والتي تجلت أساسا في النهضة الاقتصادية التي لا تشكل تركيا نموذجها الوحيد ، والنهضة السياسية التي عمت معظم الدول العربية التي اندفعت شعوبها للشوارع مطالبة بالحرية والتقدم … طبعا في مواجهة هذا الخطر القادم من الجنوب والذي يهدد الشمال وجدت إدارة أوباما أن المشروع الصفوي الإيراني ورقة يمكن استخدامها للجمه وتحجيمه وإلهائه بصراع مذهبي واسع تعمل إيران بشكل طبيعي عليه … لكن إدارة ترامب اكتشفت أن ذلك يحول ملايين المسلمين للتشدد وربما لممارسة الإرهاب الذي يزداد شعبية وانتشارا بمقدار التمادي بالجريمة ضد الإنسانية التي تمارس بحق المسلمين السنة … فالجنون والحقد الإيراني يتناغم مع الجنون والطمع والكراهية الغربية ، لكنه يستولد عنف وكراهية وحقد وإرهاب سني واسع وخطير بذات الوقت … فلم يعد خافيا على الخبراء أن هكذا سياسات تتحرك بهكذا دوافع وتدار بهكذا قيم هي لعبة جهنمية شيطانية ، لن ينتج عنها انتصار لأي طرف ، بل خسارة للانسانية جمعاء ولشعوب المنطقة وأولها الشعب الإيراني ، ولن تسلم منها الشعوب والمصالح الغربية …
برعاية دولية ودعم روسي قد يهجر الإيرانيين سكان الزبداني والقصير وداريا واليرموك وأحياء من حمص وحلب … لكنهم لن يستطيعوا تغيير هوية بلاد الشام التاريخية … نحن لا نخاف على الوجود العربي ولا على الدين الاسلامي المتمثل بمذهب أهل الجماعة والسنة ، بل نحزن لهذا الانحطاط القيمي والسياسي الذي وصل إليه حكام ايران وحكام العالم المتحضر … وبشكل أشد منظومة الأمم المتحدة ، والنظام العالمي الذي يرعى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية علنا من دون خجل ، ويتغاضى عنها متجاهلا أن مليار ونصف مسلم ، بينهم نصف مليار ناطق بالعربية قادرين على الدفاع عن أنفسهم وهويتهم ودينهم وتحقيق النصر ، على كل من يستهدفهم ، ولا تنقصهم الشجاعة ، ولا يعوزهم المتهورين ، فأين تذهبون ؟
صحيح أن الدول العربية في حالة ضعف وتفكك وهزالة ، عبرت عنها قمتها الأخيرة ومواقفها من القضايا والمخاطر الوجودية التي تتهددها ، لكن الشعوب العربية الفتية تغلي وتفور وتزداد تعصبا وتشددا وانتشارا في العالم ، والإرهاب الإسلامي مزدهر وعابر للحدود بشكل غير مسبوق ، وقد تواءمت أجياله الجديدة مع ظروف العصر والعولمة ، وتشابكت مع القضايا التي تحظى بدعم شعبي وعجزت الحكومات عن تلبيتها … فهل تريدون المزيد ؟
أنا حزين جدا لما وصلنا إليه ، فنحن قد خرجنا بثورتنا من أجل القيم ، ولكننا أجبرنا على خوض حرب طائفية قذرة، حزين ليس فقط لما تعرض له أبناء الشعب السوري ، بل أيضا لما سيتعرض له شعوب أخرى مستضعفة يجري تحويلها لأهداف عسكرية مشروعة لمن يدافع عن وطنه ووجوده وأهله ، لم يترك المجتمع الدولي له وسيلة أخرى للدفاع عن النفس غير العنف والانتقام ، عندما تخلى عن قيمه ومسؤولياته ، وتغاضى عن جرائم الحرب ، وعن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب على نطاق واسع ومعمم ضد الشعب السوري ، دون رادع ولا حساب ، ببلادة لا يفسرها غير الكراهية والعنصرية …
دائما في ظل غياب العدالة يصبح الثأر هو الوسيلة الوحيدة للبقاء وردع الجريمة … ويصبح تعميم القتل والوحشية هو نوع من العدالة أيضا ، عندما تفقد هذه العدالة معاييرها وقدرتها … فالمشروع الإيراني الصفوي يشبه المشروع النازي ويدفع بالعالم نحو المزيد من الصراعات والعنف … ولن ينجح في هزيمة المسلمين السنة ولا الشعوب العربية ، ولا حتى الشعب السوري ولا سكان حي الوعر أو القصير أو الزبداني … فمن يدافع عن وطنه وبيته وحقله وأرضه وكرامته ليس كمن يغتصبها بقوة المرتزقة … ستخسر إيران الحرب مع الشعب السوري ، ثم سينتفض شعبها على نظامها ، حتى لو لم يبذل جهد إقليمي دولي سريع لتحجيمها ، وإن غدا لناظره قريب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.