د. كمال اللبواني
أجرى فورد مقابلة في صحيفة الشرق الأوسط بعنوان (الأكراد سيدفعون ثمن ثقتهم بالأمريكيين)
في بداية عام 2013 حدثت مجازر مروعة ، وأنباء المعتقلات كانت رهيبة ، شرحت لفورد المستوى الفظيع من الجريمة التي يرتكبها النظام ، وقلت له لا يعقل أن تبقى الولايات المتحدة صامتة ، أليست هي من وضعت النظام الدولي بعد الحرب الثانية ، لماذا مجلس الأمن ، والأمم المتحدة … قال لي إذا أردت أن تطلب شيء لشعبك فعليك الذهاب لموسكو ، أمريكا لن تفعل شيئا … وكان واضحا من لهجته أنه قد وصل درجة الغضب من حكومته ، وقبلها في دمشق نهاية عام 2011 و كنت قد خرجت من السجن حديثا كانت تزورني في منزلي سكرتيرة السفارة يومها إيمي تاشكو بشكل دوري كما هي العادة منذ أن عدت من أمريكا واعتقلت عام 2005 ، وعندما توافقنا على تقييم خطورة ما تسير إليه الأمور ، وأن الحل يبدأ بتنحية الأسد ، قالت لي ، هذا مفهوم بداهة لكل السياسيين عندنا ، لكن المشكلة أنه في البيت الأبيض محامي وليس رئيس ، أنا ضميري يعذبني يوميا ، وقريبا سأطلب نقلي أو أستقيل ، أما فريدريك هوف وفي لقاء في استانبول ، سألته هل تعرفني أنا سجنت 6 سنوات لأنني زرتكم عام 2005 يومها حذرت إدارة بوش شخصيا إذا لم تجري إصلاحات جدية في سوريا فنحن ذاهبون لحرب أهلية ، قال نعم ، قلت هل تعتقد أن ما أقوم به غير أخلاقي ، قال لا ، لو كنت مكاني هل كنت ستفعل ما أفعل ؟ قال نعم ، قلت هل ما نقوم به يهدد المصالح الأمريكية ؟، قال لا ، قلت له لماذا لا تدعموا موقفنا ؟ … سكت ثم قال حكومتنا لا تريد . أما جون مكين بعد خسارته للانتخابات، إلتقيته في استانبول فقال : لا تتوقعوا مساعدة من أمريكا طول فترة أوباما ، لو كنت أنا رئيسا لما سمحت لديكتاتور أن يقتل شعبه ، عظمة أمريكا في قيمها ودورها في الحضارة والعالم ، وما يجري في سوريا عار عليها وعلى هذا العالم …
ما أريد قوله ، ولا مرة لم يكن فيها فورد صريحا وواضحا ، ولا مرة قدم وعدا ثم انسحب منه ، هو كشخص كان يقول لي منذ أن كنت في دمشق نهاية عام 2011 النظام قوي يجب أن تتفاوضوا معه ، وكان ذلك بالنسبة لي غير وارد لخبرتي بهذا النظام بعد تجربة اعتقال دامت عشر سنوات ، فالنظام لا يريد تقديم أي تنازل ، ولو أراد لن يستطيع . وبقي طوال فترة عمله يدعم السياسيين الذين يقبلون بالتفاوض مع النظام فقط ، وعندما أطلق معاذ مبادرته واعترضنا عليه سهر الليل يراسلني لكي أغير رأيي ، وعندما بدأ النظام باستخدام الكيماوي ، وكنت قد سلمت الإدارة ملفا عن الكميات المرعبة والنوعيات ، جهد مع إدارته ليصرح أوباما أن الكيماوي خط أحمر ، وكنت في كل مره أذكره فيقول أوباما قال خط أحمر ، نريد اثباتات يقينية فقط وعندما جاءت الاثباتات لم يفعل أوباما . لكن هو مثلنا صدق خطوط أوباما وهذا ليس ذنبه .
وعندما رفضت وحيدا في الهيئة السياسية للائتلاف الورقة الكردية التي جاؤوا بها على عجل عشية اتخاذ الكونغرس الموافقة على الضربة ، ووقف السفراء الأربعة فوق رؤوسنا لنوقعها عتب علي كثيرا وقال كنا نتوقع موافقتك ، قلت له أنتم تخدعون الكرد ، وتريدون فقط فتح بوابة لتقسيم سوريا طائفيا ، قضية الكرد لا تحل بتقسيم الدول المصطنعة في المنطقة بل بالاتحاد الفيدرالي لمنطقة الشرق الأوسط كله . فالكرد موجودين في أربع دول والعرب موجودين فيها أيضا والتركمان وبقية الشعوب . ولا مكان لدول قومية عندنا ، قدرنا أن نعيش معا بسبب التداخل الدموغرافي الكبير ، أنا حريص على أن لا يراق الدم الكردي في معارك غيره .
وعندما هوجمت السفارة في ليبيا وقتل السفير الأمريكي ، جاء غاضبا وقال لا تتوقعوا منا أي مساعدة بعد الآن ، لقد ساعدناكم في ليبيا انظر النتيجة ، لقد قتلوا صديقي هناك ، جاري بالبناية دق الباب وقال لي لا تساعد العرب انظر ماذا فعلوا بزميلك … قلت له لا تغضب لو فتشت عن دعم هذه المجموعة التي قامت بذلك العمل ، لوجدت أحد أصدقائك هو من يمدها بالمال … وثبت ما قلته لهم ، فلم يعد يتطرق للموضوع .
وعندما بدأت تتمدد داعش ، طلبنا منهم تقديم المساعدة للجيش الحر للوقوف في وجهها خاصة بعد انتفاضة جمال معروف وريف حلب والرقة … كان الجواب مزيدا من التجفيف لمصادر الدعم خدمة لمسار جنيف الذي انطلق بعد تسليم الكيماوي …
فورد بالنتيجة كهوف وكليتنون وبترايوس ، كلهم كانوا يقدرون الموقف بطريقة صحيحة لكنهم اصطدموا بموقف أوباما ، لكن هذا لا يلغي أن عدد من الفريق الذي اشتغل في الملف السوري هم من مؤيدي النظام وبقاءه … وخاصة ذوي الأصول العربية والأفغانية وغيرهم ، فقد كانوا وقحين في تعاملهم معنا وكذابين أيضا …
في النهاية وبالعودة للقضية الكردية فإن الأمريكيين يفضلون استخدام قوات الكرد لأنهم لا يريدون لقوات عربية أن تدحر داعش ، لأنها ستكون بشكل ما ازديادا للنفوذ التركي في شمال سوريا حيث تتطابق المصالح التركية العربية ، بينما الكرد لن يكونوا حلفاء تركيا بأي شكل وهذا هو سبب اهتمام الأمريكيين بهم وحدهم ، لكنهم لن يذهبوا بعيدا وراء المشروع القومي الكردي فهم في النهاية يعتبرونه ورقة جيدة ، وتنتهي كورقة عندما تصبح دولة لذلك يجب أن تبقى مجرد ورقة… وهذا يتماشى أيضا مع ما قاله فورد ، الذي وجد في هذا العمل مخالفة للأخلاق ، والسؤال لفورد وغيره في الإدارة الأمريكية القديمة والجديدة ، متى كانت الأخلاق هدفا لهم .