حتى لا يبقى الأسد

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

اعتمدت الدول مبدأ الإبقاء على مؤسسات الدولة السورية ، و غاب عن تفكيرها أن الدولة في سوريا أصبحت مرتبطة بشخص الأسد بفعل سياسة الديكتاتور والده ، وأن بنيتها العميقة والسطحية هي عبارة عن مزرعة خاصة به وطائفته وعصاباته . لم يقدر المجتمع الدولي تمسك الشعب بمبدأ إسقاط الأسد ، فهو بنظر الشعب رمز كل شيء والمتحكم بكل شيء ، يختلس وعصابته نصف الناتج القومي ، بينما يذهب الربع لمؤسسات الدولة ، ويبقى الربع للشعب ، يمسك شخصيا بدفة التشريع والتنفيذ ، ويرأس الجيش والأمن أيضا … ، وبمقدار ما جسد حافظ شعار (سوريا الأسد)  بشكل جدي، بمقدار ما ركز الشعب شعاراته الثورية على اسقاط الأسد وآله …

سعت الدول الغربية للحفاظ على النظام الذي يدير الدولة نظريا عبر الفصل بين الأسد ومؤسسات الدولة ارضاء لمشاعر الشعب ، بينما أدرك الروس أن التمسك بالأسد هو عنوان الإمساك بالدولة،  وهكذا حصدت روسيا ثمار سياسات الدول الغربية ، بينما خسر الشعب مطلبه الوحيد والكلي ، عندما نتج عن جهود الحفاظ على الدولة والنظام أن بقي الأسد ورحل الشعب وفشلت الدولة …

تنبه الغرب الذي ضغط كثيرا لتخفيض سقف المطالب الثورية لهذا الموضوع متأخرا جدا ، لذلك أصبح أمام حلين هما اما اغتيال الأسد بهدف تقليص النفوذ الإيراني والروسي الذي يعتمد عليه وهذا يحمل خطر تفكك ما تبقى من سلطة ، أو جره لمحاكمات دولية بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها . لكن بقي كل ذلك مؤجلاً حتى ضمان أن لا يكون البديل عنه هو المنظمات الإسلامية الجهادية ، فالأسد يقتل شعبه نعم ، لكن هذه المنظمات تضرب في أكثر من مكان مصالح الدول النافذة . أي وفقا لوجهة نظر الغرب (الأسد حليف سيء للحرب على الإرهاب ) ، يجب أن لا يسقط قبل استكمال الحرب على الإرهاب باعتباره العدو رقم واحد بالنسبة للمجتمع الدولي ، عندها يصبح التفكير بترحيل الأسد واردا أي بعد المرحلة الانتقالية التي تشترط كل ذلك .

المشكلة التي يقع فيها الغرب أن الجهات التي تعمل على القضاء على الجماعات الجهادية هي نظام الأسد ومنظومة الميليشيات الإيرانية بالتناغم مع الروس ، وهذا يخلق واقعا يعني تخليهم الكامل عن المنطقة ، لذلك ابتدعوا مصطلح المعارضة السورية المعتدلة ، وحاولوا بلورتها ودعمها ، لكن الوسائل والبوابات التي اعتمدوها فشلت كليا في الحفاظ عليها ، بل قدمتها لقمة سائغة لتبتلعها المنظمات الجهادية ، وبذلك لم يجد الغرب سوى في الميليشيات الكردية المنظمة جيدا حليفا استراتيجيا لهم يحقق مصالحهم ، بعد أن فشلت عدة محاولات هزيلة لتجنيد العرب والسنة لقتال داعش من دون النظام ، بل إن أغلب هذه المجموعات عندما دخلت إلى سوريا بعد تدريبها وتسليحها انهارت تماما أمام النصرة وداعش .   مما أدى لحصول افتراق كامل بين مصالح الشعب السوري ومصالح الدول الغربية تجلى بتخليهم عن دعم الثورة وقبولهم بالحل الروسي ، الذي يحقق لهم الهدف الأول وهو القضاء على بؤر الإرهاب (أي بؤر الثورة ذاتها)  التي سيطر عليها بشكل متزايد الجهاديون الأشد فالأشد ، وصولا لسيطرة داعش والهيئة المرتبطان بالقاعدة .

تلاقي المصالح الروسية والإيرانية مع المصالح الغربية هو لقاء مؤقت ينتهي بالانتهاء من الإرهاب ، وعندها يراهن الحلف الروسي الإيراني الذي تحاول تركيا دخوله ، على فرض نفوذهم كأمر واقع على الأرض ، وفرض شروطهم التي تعني الإبقاء على شخص الأسد على رأس نظامه كما هو ، أو استنساخه كما حدث يوم مات والده ، فهو الدولة والدولة هو ، وبالتالي لن يعود معظم المهجرين للعيش تحت رحمته بعد أن تنسموا رائحة الحرية ، بينما أمعن من بقي في الداخل في التذلل والهوان والوضاعة طلبا لشفقته …

أي أن بقاء الأسد يعني بقاءنا في الغربة ، وإذعان بقية الشعب السوري في مزرعته يفعل بهم ما يشاء ، وخروج نهائي وكامل للنفوذ الغربي والعربي ، مقابل مكسب وحيد هو عدم تحول سوريا إلى قاعدة للقاعدة ، فما بالكم لو أن هذه القاعدة تعمل باشراف وتنسيق مع المخابرات الإيرانية والروسية ، عندها سيكون الغرب قد خسر وتسبب بخسارتنا أيضا ، بسبب انطلاء لعبة الإرهاب عليه التي صدقها بعد عدد من المسرحيات الهوليودية ، فداعش ليست أيديولوجيا كما يتوهمون ، داعش مال وسلاح وجهد استخباراتي وترهيب ، ولا علاقة لها بالفكر ولا بالعقائد ولا بالدين من أصله …

في هذه المرحلة من الحيوي والضروري تحرك المعارضة السياسية الفاعل وتواصلها مع الدول واشتراكها في أي عملية تسوية للوضع في سوريا ، فالمشكلة كما تبدو في قسم كبير منها هي عسرة تفاهم ، ونقص في المعرفة التحليلية ، وهذه المهمة تحتاج لسياسيين محنكين يستطيعون تقريب وجهات النظر وتوضيح الأمور وكشف الزيف . لذلك نحن (رغم يأسنا من سلوك الدول الراعية ) نعول على أي جهود جديدة لاعادة تشكيل جسد سياسي يمثل المعارضة بشكل يتجاوز أخطاء الماضي .

إن غياب السياسيين السوريين الوطنيين في هذه المرحلة سيكون له نتائج وخيمة بعد تبريد الجبهات ووقف القتال ، كما أنه من غير المقبول أن يبقى تمثيل الشعب السوري بيد الانتهازيين وبيد المنظمات العسكرية ، بل لا بد من تمثيل المجتمع المدني السوري بشكل فاعل لأنه هو الغاية ، وهذا يتقاطع مع مصالح الدول الغربية والعربية ، ويتناقض مع مصالح ايران وروسيا ويلغي موضوع بقاء الأسد ونظامه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.