موجات نزوح بين شبان دير الزور هربا من تجنيد اجباري فرضه “داعش”

فور سماعه بقرار تنظيم الدولة الاسلامية فرض التجنيد الاجباري في دير الزور حتى حزم محمود العلي امتعته وفرّ مسرعا مع عائلته على غرار شبان كثر من ابناء تلك المحافظة التي يسيطر عليها”داعش” في شرق سوريا.

واعلن تنظيم الدولة الاسلامية مؤخرا فرض “التجنيد الاجباري” على شباب دير الزور، آخر المحافظات السورية التي لا تزال تحت سيطرته.

ودفع هذا الاعلان بموجات نزوح جديدة من المحافظة ليلجأ المئات الى مخيم للنازحين يبعد سبعة كيلومترات عن منطقة العريشة في محافظة الحسكة (شمال شرق) المحاذية لدير الزور.

ويقول العلي (26 عاما) “ابلغنا التنظيم بان الجهاد بات فرضا علينا وعلى كل الشباب الذين تترواح اعمارهم بين 20 و30 عاما الالتحاق بصفوفه للقتال في كل سوريا”.

ويضيف الشاب الذي فرّ مع عائلته من بلدة العشارة في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، “رفض غالبية الشباب القرار وتركوا مناطق سيطرة التنظيم بالآلاف”.

ويعكس ذلك على حد قوله “المزاج العام برغبة الاهالي التخلص من التنظيم”.

ولجأ تنظيم الدولة الاسلامية الى الخطابات الدينية خلال الصلاة في المساجد فضلا عن المناشير والمكبرات الصوتية في الشوارع لدعوة شباب دير الزور الى التجنيد الارهابي، وفق ما افاد سكان والمرصد السوري لحقوق الانسان.

ومنح التنظيم المتطرف الشباب اسبوعا واحدا فقط للالتحاق بمكاتب “الاستنفار”.

وسرعان ما ساء الوضع مع رفض الكثير من الشباب الاوامر الجديدة.

فرّ صلاح المحمد (28 عاما) مؤخرا من الميادين التي تعد ثاني اهم مدن محافظة دير الزور، ولجأ الى المخيم الذي يعاني فيه النازحون من ظروف معيشية صعبة.

ويتذكر صلاح “الوضع في الميادين بات مأساويا بعد قرار التنظيم الأخير فرض التجنيد الإجباري”، مشيرا الى ان الجهاديين “يداهمون يومياً المنازل بحثاً عن شباب لسوقهم للقتال”.

وافاد مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن عن “اعتقالات يومية في محافظة دير الزور على خلفية التجنيد الاجباري”.

وفي المخيم الذي تتصاعد على بعد كيلومترات منه اعمدة دخان اسود ناتجة عن تكرير النفط بطرق تقليدية في منطقة قريبة، يقول احمد العبد (23 عاما) ان المجند من قبل التنظيم المتطرف “يخضع لدورة (تدريبية) لمدة شهر، قبل ان يبقى معهم اربعة اشهر للقتال”.

وطغى الشبان على النازحين في مخيم العريشة الذي تنتشر فيه مخيمات بيضاء اللون كتب عليها شعار مفوضية الامم المتحدة للاجئين.

وان كان الكثير من الشبان تمكنوا من الفرار من ايدي الجهاديين، لم يحالف الحظ آخرين.

ويضيف العبد الشاب الاسمر ذو اللحية السوداء الكثيفة “الكثيرون لا يزالون عالقين ولا يستطيعون الخروج”، موضحا “دفعنا نحن مليوني ليرة سورية (حوالى اربعة آلاف دولار) عن خمسة عشر شخصاً من أفراد العائلة”.

ويجازف المدنيون الفارون من مناطق سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في الرقة ودير الزور بحياتهم للوصول الى بر الامان متكلين على مهربين يدفعون لهم مبالغ مالية طائلة غير كفيلة بحمايتهم من النيران او من اعين الجهاديين.

ويخوض تنظيم الدولة الاسلامية حاليا معارك عنيفة ضد قوات سوريا الديموقراطية (تحالف فصائل كردية وعربية) التي طردته من اكثر من نصف مدينة الرقة، معقله الابرز في سوريا. كما يتقدم الجيش السوري على محاور عدة تمهيدا لعملية عسكرية واسعة بدعم سوري ضد الجهاديين في محافظة دير الزور.

واعتبر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ان دير الزور “تعكس بشكل كبير، كي لا نقول بشكل كامل، نهاية القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية”.

وفي ظل هذا الضغط الميداني الكبير، يبدو ان التنظيم المتطرف بات يبحث عن حلول اضافية تمكنه الدفاع عن معاقله في سوريا.

وابلغ الجهاديون الشبان، بحسب ما يقول حازم السطم (25 عاما) احد سكان المخيم “نريدكم لمساندتنا لتحرير دير الزور، وطرد “النصيرية” منها”، وهي تسمية يطلقها التنظيم على ابناء الطائفة العلوية التي يتحدر منها الرئيس السوري بشار الاسد وعلى الموالين له.

برغم فرارهم من قرارات وقواعد تنظيم الدولة الاسلامية الصارمة، وجد الفارون من دير الزور انفسهم في ظروف معيشية صعبة في مخيمات تقل فيه الخيم ذاتها وتشهد نقصا حادا في المياه النظيفة والمواد الغذائية وحتى الادوية الاساسية.

واقيمت عشرات المخيمات في مناطق صحراوية نائية في محافظتي الحسكة والرقة المجاورة.

وتقول المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر انجي صدقي لفرانس برس “تلك الخيم موجودة في قلب الصحراء حيث تشكل الافاعي والعقارب تهديدا يوميا للناس”. وتضيف “ترى اطفالا يلعبون بالنفايات السامة ويشربون مياه ملوثة ويستحمون بها”.

ويعيش في مخيم العريشة سبعة الاف ومئة شخص فيما لا تتوفر فيه سوى 400 خيمة، وفق ما يقول احد مسؤولي المخيم.

واضطرت بعض العائلات الى البقاء في العراء بانتظار الحصول على خيمة، وعمدت اخرى الى تعليق بطانيات بين الشاحنات والسيارات لتقيها حرارة الشمس.

وتحت بطانية صغيرة علقت بين شاحنة ودراجة نارية، جلس سبعة اطفال بدا عليهم الانهاك يحتمون من حرارة الشمس الحارقة.

وبرغم الوضع الصعب في المخيم، يعتبر كثيرون انهم واخيرا نجوا بارواحهم بعيدا عن تنظيم الدولة الاسلامية الذي يتشدد في منع السكان من المغادرة.

وبانفعال شديد، يقول الشاب ابراهيم خالد (28 عاما) “نحن استطعنا الفرار والنجاة بأرواحنا، وأنا متأكد أن من تبقى أصبح خروجه شبه مستحيل”.

النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.