الفرصة الأخيرة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

بعد أن وصلت ثورة الشعب السوري لما وصلت إليه ، و أحواله لما لا نحسد عليه ، لم يعد مفيدا الاستمرار في التغطية على الحقائق خدمة للحرب الإعلامية والأيديولوجية ، بل صار يتوجب التنبيه والتحذير قبل أن تضيع الفرصة الأخيرة المتبقية للحصول على بعض من مطالب الشعب بالحرية والكرامة والمواطنة ، عبر جهد سياسي وديبلوماسي مختلف عما سبقه، تتنطح له نخبة جديدة من الشعب السوري ( بعد توقف الجبهات عمليا ) ، وتناحر وتفكك الفصائل العسكرية وهيمنة المتطرفة ، وتدخل قوى وجيوش دولية في الشأن الداخلي … لقد بقيت فرصة أخيرة لخوض معركة تفاوض سياسي ليست سهلة أبدا مع الدول المهيمنة خاصة روسيا ، التي أمسكت عمليا بالملف السوري ، وهي كما نعلم جميعا وقفت سياسيا وعسكريا مع النظام من دون تردد  باصرار وعزيمة حتى سلمت الدول الغربية ومعظم الدول العربية والجارة بهذا الواقع ، ولم تعد بوارد الدخول في مواجهة من أجل تغييره فالنظام السوري مشكلة بل مصيبة سوريا وشعبها ، وليست مشكلة الدول الأخرى التي زاد من تخليها نمو الجماعات المتشددة على جسد الثورة .

هذه المعركة الديبلوماسية التفاوضية الصعبة لا يمكن خوضها من دون تشكيل فريق سياسي معارض فاعل وقادر على استخدام الأوراق المتبقية بيده ، بهدف انضاج حل آخر غير العودة لسلطة ورحمة الأسد وشبيحته ومعه سلطة الاحتلال الإيراني بالشكل الذي تسير عليه الأمور حتى الآن . أما عملية تشكيل هذا الفريق فقد تنطحت لها المملكة العربية السعودية بلسان وزير خارجيتها الذي أبلغ المعارضة واقعتين هو فشلها الذريع كمؤسسات ، وخسارتها للقوة وللدعم الدولي على أرض الواقع . وأشار إلى ذلك أيضا عدد من الأصوات الواقعية علنا ، بينما سارعت شخصيات وتنظيمات لمراسلة موسكو سرا والإعراب عن قبولها ببقاء الأسد أملا في الحصول على جائزة ترضية من نظامه على حساب تضحيات الشعب .

ما نراه ونضعه أمام أهلنا وأمام من تبقى من قوى ودول تنظر بعين العطف لمعاناتهم (خاصة المملكة ) هو ما يلي:

يفترض الإقلاع عن محاولات تمثيل القوى السياسية لأنها غير موجودة ، ما يوجد هو شخصيات تسلقت المشهد السياسي وعملت لتحقيق مصالحها الخاصة . وهذا يشمل كافة المنصات من منصة الائتلاف لمنصة القاهرة وموسكو وغيرها . فلا يوجد عمليا في سوريا وخارجها كيانات سياسية ذات بناء تنظيمي واجتماعي ، بل عصبويات مشكلة من انتهازيين ساهموا بشكل أناني في تخريب كل جهد لدعم وتنظيم أمور الشعب وثورته، وهم مسؤولون عن حال الفوضى العارمة التي ضيعت التضحيات .

كما يفترض استبعاد المنظمات العسكرية أو ما تبقى منها عن ساحة التمثيل السياسي ، فهي قد فشلت عسكريا ، ولا شيء يمنع فشلها سياسيا لذات الأسباب ، فما عجزوا عن تحقيقه  في الخنادق سيعجزون عنه في طاولت التفاوض الديبلوماسي الذي يجهلونه .

ليس المطلوب حاليا في هذا المشهد تشكيل مجلس وطني يمثل الشعب السوري ، بل المطلوب تشكيل جسد سياسي معارض لسلطة الأسد ، معني فقط في إراحة الشعب السوري منها ومن جرائمها والتوصل مع الدول لحل يستبعدها ويعيد لسوريا الحياة ولشعبها العيش الآمن .

أي المطلوب هو التركيز على تمثيل المجتمع المدني السوري الذي تهجر أو حوصر في الداخل ، و فرض عليه الإذعان بالقوة والتجويع والقصف والترهيب من قبل النظام وبعض الفصائل وأمراء الحرب والمنظمات المتشددة دينيا وعنصريا ، يكون هذا التمثيل بدعوة رموز وطنية (نظيفة من الدم والفساد المالي ) لتمثل جغرافيا المحافظات الأساسية ( حلب ادلب حماه حمص دمشق درعا الرقة والدير ) من دون انتماءات وشعارات آيديولوجية حزبية ولا محاصصات طائفية وعرقية ، مستبعدين من تنطحوا سابقا لمهام في المعارضة فقد أخذوا فرصتهم كاملة وشاهدنا ما أوصلوني إليه ، لكن يجب الاعتناء بشكل خاص بمشاركة الذين لديهم أبواب مفتوحة مع روسيا والدول النافذة المؤثرة ، ثم يجب بعد تشكيلها سحب الاعتراف والشرعية والتمويل عما عداها وسبقها ، وحشد الدعم والتأييد الشعبي التفاعلي معها ، وتطوع الجميع لوضع خبراتهم وامكاناتهم في خدمتها ، وليس تخريب عملها بشرط أن تبقى تحت الرقابة المالية والسياسية من الشعب .

فلكي نستطيع تحصيل شيء معقول من خلال الحل الروسي المقترح  ( وهو اخراج النفوذ الإيراني من سوريا ، وتحييد مجرمي الحرب عن السلطة ) يجب أن نستخدم بحنكة الأوراق التي بقيت بأيدينا ، وأهمها جرائم النظام ( الكيماوي ، المفقودين ، التعذيب ، تدمير المدن ، التهجير ، التغيير الديموغرافي ، سرقة الثروات العامة والخاصة ) حاشدين دعم الدول الأخرى والمنظمات الدولية لهكذا مطالب محق تم نسيانه بسببين هما انشغال المعارضة بالسياحة ، وانشغال العالم بالمنظمات الإرهابية ، حيث أصبحت كل هذه القضايا الفظيعة في المرتبة الأخيرة من الاهتمام .

نقول ذلك لكل أبناء وطننا الذين ينتظرون واهمين أن هناك من يعمل من أجل قضيتهم ، فقضيتكم ليس هناك من يحملها ويمثلها حاليا وهذا ما صرح به السفير الأمريكي راتني عندما قال ( لا يوجد تمثيل للمعارضة ) ، كما نضع ذلك في خاطر المملكة التي تملك اليوم زمام المبادرة لتشكيل تمثيل مقبول وغير فاسد وغير انتهازي ، وغير عميل لمخابرات الدول والنظام … أي اعتماد معايير منطقية سبق وتحدثنا عنها ، وتكليف لجنة تحترم نفسها بتوجيه الدعوات … لكي لا نخيّر كسوريين بين البقاء في المهجر والتشرد ، أو العودة الذليلة لرحمة نظام الأسد والاحتلال الصفوي ، أي كي لا تضيع سدى دماء شهدائنا وعذابات أهلنا بفعل ابتعاد الوطنيين أو استبعادهم عن قضيتهم في أحلك الظروف وأخطرها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.