حدود التدخل التركي في سوريا: سيناريوهات المواجهة أو انعدامها لدى «تحرير الشام»

استنفرت فصائل منطقة درع الفرات شمال سوريا بعد إبلاغها من الجانب التركي، بتحضير نفسها لإرسال مقاتلين إلى «منطقة خفض التصعيد» في إدلب. ولا يعلم قادة فصائل درع الفرات العدد الذي ستقوم تركيا بنقله إلى منطقة باب الهوى بعد، وترجح المصادر أن النقل سيتم على دفعات تبلغ الأولى نحو 1000 مقاتل من مختلف الفصائل. وستنتخب هذه مجموعات من المقاتلين الإدالبة التابعين سابقا لفصائل الجيش الحر في منطقة إدلب، على اعتبار أنها مناطقهم الجغرافية وهم أكثر خبرة بشعابها.
أغلبهم كانوا يتبعون إلى جبهة ثوار سوريا وحركة حزم وفصائل أخرى قضت عليها «جبهة النصرة» على عدة مراحل امتدت بين أيلول (سبتمبر) 2014 ونهاية شباط (فبراير) 2015، عندما هاجمت آخر معاقل حركة حزم في الفوج 47 قرب بلدة الأتارب، في ريف حلب الغربي شمالي البلاد.
ومن المتوقع تجميع مقاتلي «درع الفرات» في معسكرات مجاورة لمنطقة معبر جيلوة غوزو والجهة المقابلة لبلدتي عقربات وأطمة شمال المعبر. فيما تكون النقطة الأخرى هي منطقة بابسقا المشرفة على مدينة ريحانلي التركية حيث يعزز الجيش التركي مواقعه على الجبل المقابل لبابسقا منذ نحو سنتين. ولا شك أن أي تدخل تركي باتجاه حارم، التي تعتبر أبرز معاقل «هيئة تحرير الشام» الحدودية، سيكون من الجهة المواجهة في قرية بيش أصلان.
تجهيز معسكر للمقاتلين القادمين من درع الفرات وعدم زجهم بالمعركة مباشرة يعني أن هناك رغبة تركية بإيجاد حل تخلي فيه «تحرير الشام» الشريط الحدودي، خصوصا في المنطقة الممتدة من أطمة حتى جبل الشيخ بركات ودارة عزة، من أجل إغلاق كامل الجبهة المشتركة مع «وحدات حماية الشعب» في منطقة عفرين. وسيخف هذا الخيار لو فعلته «تحرير الشام» من كلفة المعركة بين الطرفين.
ويمكن اعتبار نقل مقاتلي «درع الفرات» بمثابة عصا غليظة وتهديدا تركيا واضحا في أن خيار الدخول قد اتخذ وسيدخل حيز التنفيذ، وليس أمام «تحرير الشام» إلا الانسحاب أو المواجهة.
إلى ذلك، لم تبلور أنقرة بعد عدة اجتماعات مع فصائل المعارضة العاملة في إدلب وحماة وحلب فكرة العمل العسكري من الداخل باتجاه الحدود التركية، بسبب صعوبة تحريك أي قوات إلى الحدود التركية السورية التي تسيطر عليها بشل كامل «تحرير الشام». حتى منطقة دارة عزة، التي كانت تحت سيطرة كتائب ابن تيمية الخارجة مؤخرا من تحالف «تحرير الشام»، تم إخضاعها بعد عملية أمنية كبيرة قامت بها «قوات النخبة» التي يشرف عليها الجولاني بشكل مباشر وتعتبر قوته الضاربة داخل التنظيم، حيث اعتقلت قيادي ابن تيمية وسيطرت على مقراتها الرئيسية ومستودعاتها.
وتناور قيادة «تحرير الشام» على عدة مستويات، فهي تحشد حاضنتها ضد التدخل التركي وتهدد بالرد العسكري ضده. وتحاول عبر وساطات غير مباشرة تجنب الصدام. وهي ستقع في ورطة كبيرة في كل الأحوال، خاصة أمام مقاتليها من المهاجرين الذين تربوا على عداوتهم لتركيا. وستخسر قسما كبيرا من مقاتليها السوريين غير المؤدلجين والذين التحقوا بـ»تحرير الشام» من خارج البنية الصلبة لـ»جبهة النصرة» أو «جند الأقصى». وسيعرضها التدخل إلى حملة اغتيالات كبيرة من خلايا نائمة تابعة للفصائل التي قامت باجتثاثها، وللكثير من السوريين الذين يحملون حقدا على «النصرة» التي اعتدت عليهم وسلبتهم حقوقهم. وسيصبح كل فرد من أفرادها عرضة للاغتيال والصيد السهل من الغاضبين وأصحاب الثأر معها.
يضاف إلى ذلك ما تحدث عنه وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو صراحة عن وجود دول أجنبية «تبذل جهودا لتشجيع الانشقاق عن هيئة تحرير الشام لتفتيتها وعزلها وتقليص قدرتها على التصدي لنشر القوات التركية داخل إدلب». وعن آليات عمل هذه الدول، أضاف أنها «تعمل عن طريق عمليات مخابراتية قد تشمل اغتيالات وحملات لتقليص التأييد الشعبي لها، والهدف هو تشجيع المقاتلين المتشددين من غير الأعضاء في تنظيم القاعدة على الاندماج في المجتمع».
ويؤكد كلام أوغلو عمليات الاغتيال التي استهدفت عددا كبيرا من الشرعيين وقياديي الصف الثاني والثالث في «النصرة»، في حين تجنبت أي من المنضوين الآخرين في تحالف «تحرير الشام» العريض.
في المقابل، من الواضح أن بنية جبهة النصرة نفسها هي أمتن مما يتوقع الكثير من المراقبين والمتابعين، فعمليات الاختراق الاستخباراتي لم تفلح حتى الآن في قتل قادة الفريق الأمني المتحكم ببنيتها وقرارها العسكري والسياسي، رغم تمكنها من قتل القائد العسكري للنصرة النقيب المهندس أسامة نمورة الملقب «أبو عمر سراقب»، والذي كان يدير عمليات معركة حلب.
الخارجون من تحالف «تحرير الشام» أساسا لم يحظوا بثقة الجولاني ورفاقه، وخصوصا حركة نور الدين الزنكي، والتي بقيت خارج القرار الشرعي والعسكري في «تحرير الشام»، حتى أنها لم تبلغ بقرار الحرب على «أحرار الشام» ولم تسأل أو تدعى للمشاركة. أما بقية الفصائل فهي غير مؤثرة بشكل نهائي وخرجت بعد أن سلبها الجولاني عتادها وسلاحها ومقراتها، كما حصل مع «جيش الأحرار» الذي يقوده القائد العسكري السابق في أحرار الشام أبو صالح طحان، وخرجت خالية اليدين. أما الفصائل الصغيرة وبعض ألوية أحرار الشام التي بايعت أميرها المستقيل، هاشم الشيخ، ففعلت الشيء نفسه معها، أو ألزمتها الصمت نهائياً.
ومن غير المستبعد أن يفضل الجولاني الانسحاب من منطقة أطمة وباب الهوى، كبادرة حسن نية وتجنب رغبة الصدام التي ستكون بمثابة إعلان حرب على تركيا تبدأ قرب باب الهوى، ولا يعلم أين تنتهي.
دهاء «النصرة» سيمضي ضد الصدام. فخيار الانسحاب سيتركها تفتح المجال لفصائل أستانة، لاختبار المرحلة الثانية ما بعد التدخل التركي، أي مرحلة رسم الخرائط وتثبيت نقاط المراقبة وخفض التصعيد ورؤية ما إذا كانت إيران فعليا ستكون شريكا على الأرض من عدمه، وكيف ستتقبل الفصائل مرارة هذا الخيار.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.