الحل الوحيد في سوريا

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

السوريون ينتظرون من الدول أن تقدم لهم الحلول ، والدول تنتظر من السوريين أن يقبلوا بما تمليه عليهم من سيناريوهات للحل ، ثم تذهب هذه السيناريوهات تلو السيناريوهات أدراج الرياح ، لعدم وجود توافق دولي ، وانعدام امكانية حصول توافق بين القوى المتحكمة بالسوريين ، ولا يبدو أن هناك أي أفق للحل مهما طال الزمن ومهما تعددت المحاولات والمساعي والمسارات ، فكل الجهود والطروحات لايمكنها تحقيق النجاح من دون مشاركة فاعلة من الشعب السوري صاحب الأرض والمعني بما يجري عليها …

عبثا تحاول كل دولة فرض حل يتناسب مع مصالحها ، وعبثا تحاول تدمير المعترضين واقصائهم من الساحة العسكرية والسياسية ، حتى وصلت الأمور لحالة من الاهتراء الكامل والتفكك السياسي التام … ولم ينضج أي حل واضطرت الدول للتدخل المباشر لتنظيم الأمور على الأرض، لأن كل محاولات تزوير أو اهمال إرادة الشعب انتهت للفشل ، وتسببت بشيوع حالة عامة من الفوضى العارمة ، فالشعب حتى لو هزم وقتل ودمرت بيوته وهجر ، وتم تزوير ارادته والتلاعب بتمثيله السياسي ، فهو يستمر بالرفض ، ولن يعطي الشرعية لمن قتله ودمره و طرده. حتى من بقي في مناطق النظام تحولت حياته لجحيم لا يطاق … وهو أيضا ينتظر الخلاص .

تثبت الأيام والتجارب أن الخيار الوحيد أمام الشعب هو متابعة الثورة بكل الأشكال والظروف … ليس هناك طريق للرجعة ، وليس هناك طرق أخرى ، ومهما كان التأثير الدولي كبيرا يبقى ثانويا عندما يتعلق الموضوع بعودة الاستقرار وبناء الدولة ، حتى لو فرضت وصاية دولية موحدة أو احتلالات متعددة فهذا لن يكون حلا ، أما اعادة انتاج النظام فتعني تماما استمرار حالة الحرب التي لن تتوقف ، فما يقدمه هذا النظام من حلول هي استمرار الاعتقال والتشبيح والقتل والتهجير والحصار والافقار والتجويع ، وزيادة في تمكين قوى الاحتلال الإيراني وغيره ، أما اعادة انتاج سوريا كوطن للسوريين فهي هدف الثورة التي يجب أن تستمر لتحقيقه ، والذي لن يأتي به الآخرون ، بل هي مهمة السوريين أنفسهم ، فالثورة ليست فقط عسكرة وعمليات ، بل هي بناء وتنظيم وتوحيد قدرات وتوافقات سياسية ، عمل طويل وشاق لا بد من القيام به ، ولا يجوز تصور طريق آخر … أو انتظار ذلك من الآخرين …

سوريا تستطيع الاستمرار في ثورتها ، واعادة بناء نفسها بقدراتها لو أحسنت التنظيم ، فالمسألة كانت وستبقى مسألة ادارة وتوافقات وبرامج ، ولدى سوريا من الإمكانات ما يكفي وتستطيع أن تدخل في تحالفات اقليمية ودولية تقيها شر التدخل والاحتلال لو أحسن سياسيوها صنعا ، بل لو أنتج الشعب تمثيل سياسي فعال ومقنع والتزم به وألزمه تمثيل مصالحه …

ما نحتاجه هو إعادة بناء نظم التعاون المجتمعي  والسياسي التي تدير أحوال السوريين وتنظم جهودهم ، وهذا العمل لا يستطيع الآخرون القيام به ، وهو عمل تراكمي يبدأ بمبادرات محلية وجزئية وعلى المستوى العام ، لتشكيل قيادة سياسية وعسكرية وإدارة اقتصادية وخدمية في الداخل والخارج …

فنحن لا نفتقر للحوافز لاستمرار ثورتنا ، بل فقط لتمديد هذه الثورة لتشمل قطاع الإدارة والتنظيم التي بدأت إرهاصاتها عبر المحاولات المحلية التجريبية ، التي يجب أن تتطور وتستفيد من خبرات بعضها لاحداث تغير نوعي في صعيد الإدارة … ما نحتاجه هو تجديد الأمل والإرادة لأن كل الحوافز للعمل واستمرار الكفاح متوفرة طالما هناك ملايين البشر تحت نير الاستبداد أو ذل التشرد والهوان … وكما قال الشاعر :

يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل

لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسلل

نيرون مات ولم تمت روما بعينها تقاتل

وحبوب سنبلة تجف لتملأ الأرض سنابل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.