تقدير موقف تجاه الحل الروسي

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

البديل لدى الغرب عن القبول بالحل الروسي هو اعتماد سياسات أكثر جدية تتطلب مساعدة الشعب السوري على إعادة انتاج مؤسساته ونظامه الجديد، وهذا يتطلب صرف موازنات كافية والدخول في مواجهات عسكرية بالوكالة أو مباشرة، وطالما أن الحل الروسي المطروح [والذي يتجاهل كليا مطالب الشعب] هو الأرخص ثمنا، فمعظم السياسيين في الدول النافذة يميلون إليه، ويتوقعون من الروس أن يضمنوا مصالحهم، خاصة وأن الروسي يقدم وعودا للجميع بغض النظر عن تناقضها، وعن رغبته أو قدرته على تحقيقها، ( وهنا تكمن عناصر فشله، وإمكانية العمل على ذلك).

الحل الروسي يعتمد أساسا على إبقاء الأسد ونظامه الطائفي في السلطة فنفوذ روسيا قائم على سلاحها الجوي وولاء مجموعة من الضباط العلويين الذين يتحكمون بالسلطة والأمن والجيش ، وقد فشلت كل المساعي لثنيها عن ذلك، ومعظم الدول قبلت تباعا بالشرط الروسي في الإبقاء على الأسد بما فيها الدول العربية، وهي جميعا تضغط على المعارضة للقبول به تحت عنوان الواقعية السياسية، طبعا لا أحد ينظر لمعاناة ورغبة الشعب، ولا يجب توقع ذلك، خاصة بعد أن أهمل السوريون قضيتهم وسلموها لقيادات انتهازية فاسدة، وتيارات متشددة متنازعة تم تقويضها بضغط عسكري روسي وإيراني مشترك، وتخلي عربي ودولي عنها بسبب طبيعتها، والتي وصلت حاليا لمرحلة الهدنة التي تسبق الاستسلام، وبعد أن عمل ممثلي الثورة على تحقيق منافعهم الخاصة على حساب القضية الوطنية، وتنازعت الفصائل والقوى والشخصيات وتلاعبت بها الدول، واستبعدت الرموز الوطنية من قيادة العمل بطرق متعددة ( اغراق المعارضة بوكلاء الدول والانتهازيين، وشراء ذمم البعض بالمال السياسي وإفساد المؤسسات التي تمسك بالمال والإدارة والقيادة العسكرية وإفشالها) … ما يجري اليوم هو التحضير لإعادة صياغة شكل تمثيلي للمعارضة والشعب يقبل بهذا المسار عبر هيئة المفاوضات أو عبر مجالس وطنية جديدة محدودة السقف والمطالب، لفرض حل مسبق مكرس بدستور يراد فرضه بقرار دولي. يعفي الأسد من كل جرائمه ويبقيه في السلطة، ولا يقدم أي ضمانات لوقف الاعتقال والتصفيات والإضطهاد ولا بالعودة الآمنة للمهجرين، بل يكرس الاحتلال والوصاية الدولية، وسلطة القمع والتشبيح …

لم نستطع عرقلة هذا الحل بالرغم من انعدام أخلاقيته ومرارته، لكن أيضا من غير الوارد القبول به:  أولا بسبب تناقضه مع حقوقنا وتضحيات شعبنا ومصالحنا الوطنية، وثانيا بسبب إمكانية إفشاله وإحباطه فيما لو عرفنا كيف نتعامل مع تناقضات مصالح الدول وتنوع العوامل وأدوات الضغط … هذا الحل لن يقبل به إلا شخصيات كرتونية تعمل في فلك النظام ووكالة الدول، وبالتالي هو يفتقد حتما لأي دعم شعبي. والاستمرار في رفضه يجب أن يكون موقفاً سياسياً ثابتاً يستمر بغض النظر عن الوضع العسكري ، أي يجب فصل المسار السياسي عن المسار العسكري ونتائجه مهما كانت، وعدم إعطاء أي شرعية لقادة الفصائل في تمثيل مطالب الشعب السوري السياسية.

الدول الغربية التي تضغط حاليا للقبول بالحل الروسي، تظن أنها تستطيع اعتماد خطة لتفكيك النظام بالوسائل الناعمة فيما بعد، فهي تدرك أن هذا النظام لا يقبل ولا يستطيع أن يقدم أي تنازلات، وهي مصرة على ملاحقته على جرائمه، وترفض البدء بعملية إعادة الإعمار قبل التوصل لسلطة انتقالية لا تبدد الأموال وتسرقها، وهنا يبقى المجال مفتوحا لمواصلة الشعب السوري نضاله المطلبي ورفضه لهذه السلطة، وبشكل خاص العصيان المدني وحرب العصابات ورفض العودة قبل توفر الضمانات الكافية للأمن والحرية وعدم الاضطهاد والملاحقة، وأهم القضايا التي يجب التركيز عليها هي المعتقلين والمفقودين في سجون النظام  و المحاصرين المعرضين دوما للقصف ، والمشردين في مخيمات البؤس.

الروس يريدون التحكم بسوريا والسيطرة عليها وإضعاف النفوذ الغربي فيها ، وهذا أيضا هدف ايران، وهو ما يشكل الأرضية الرسخة لتحالفهم معا ، أدوات الروس على الأرض هم شبيحة النظام والميليشيات الإيرانية، وبالتالي المرجح أن الروس سيكذبون ويتهربوا من تنفيذ أي استحقاق أو وعد يقطعونه، وغالبا لن يستطيعوا الوفاء بوعودهم التي قطعوها للغرب بإلغاء تسلط الشبيحة وإخراج إيران من سوريا ( كشرط للقبول بالأسد ) ، وإذا حاولوا جديا تقويض سلطة الشبيحة فذلك سيضعف النظام ويقوي إيران، أما إذا حاولوا إخراج إيران التي تجيد فن المراوغة والخداع، فإن هذا سيعزز ويقوي سلطة التشبيح ، أما إذا فشلت إيران في الاحتفاظ بنفوذها تحت خيمة النظام والروس ، عندها قد تنقلب عليهم وتتجه لتعزيز توافقاتها مع المجموعات الإسلامية التي تهيمن عليها تركيا ، وهم معا يملكون الأرض في كلا طرفي الصراع ، وقادرون على فرض ادارتهم التي تعني بالنسبة للإيراني استمرار نفوذهم بدلا من الخروج بكفي حنين، وبذلك يتقلص نفوذ الأسد وروسيا للحد الأدنى وينحصر في الساحل فقط، ومثل هذا الحلف الذي يتطور بسرعة بين ايران وتركيا ويقف على أرضية ثابتة، ويغطي نفسه بشعارات الممانعة ورفض النفوذ الدولي ، فإنه إذا أضيف له اسقاط الأسد فيسحظى بشعبية كافية، وهذا كفيل بإضعاف موقف روسيا والنظام معا والغرب أيضا ، وبواسطته تستطيع تركيا تقاسم النفوذ مع ايران  في سوريا ، بالتحالف مع الإخوان المسلمين وبقية الفصائل الإسلامية التي يمكنها أن تهيمن على جزء واسع من شمال سوريا ، بينما تهيمن إيران على حمص ودمشق ومعظم الجنوب بدعم المجموعات الإسلامية أيضا، هذا إذا لم يتوصلا لتفاهم تركي-إيراني على سلطة مركزية مشتركة ، عندها لن يتبق للغرب سوى المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية ، وللروس الساحل فقط ، وهذا أكثر احتمال مرشح للنجاح،  أكثر بكثير من التوصل لتفاهم على حل سياسي من شأنه أن يخرجهم جميعا ومعا في النهاية لصالح الدول العظمى البعيدة.

كما أن أي تغيير في شكل السلطة القائمة حاليا (على شخص واحد) سيؤدي لتفككها وانهيارها تحت ضغط المطالب الشعبية ، وأي تخلي يقوم به الأسد عن شبيحته لصالح سلطة متفق عليها ، سيقوض أساس نظامه أيضا ، فالأسد هو زعيم الشبيحة وهو بدونهم لا شيء وهم من دونه لا قيمة، والروسي يستند أساسا عليهم …

وهكذا نرى أن كل الاحتمالات سوف تؤدي في النهاية لشيء واحد هو فشل الحل الروسي الهادف للإبقاء على النظام ، فهذا الحل لا يعتبر في الواقع سوى محاولة لتأجيل التصادم ليس أكثر :

  • الاحتمال الأول والأكثر حظا هو استمرار النظام  وشبيحته وايران وروسيا وتركيا وأمريكا بالشكل الراهن في سوريا وهذا عنصر استنزاف لهم جميعا ، ومرفوض غربيا وشعبيا، و يعني استمرار المقاومة والحرب ، وقد يستدعي في النهاية استخدام القوة لتقويضه .
  • الاحتمال الثاني أن يسعى النظام وروسيا جديا لاستبعاد ايران ( وهذا سيقوي موقف المعارضة الإسلامية ويضعف النظام ، ويهيئ لتحالف سني شيعي ( إيران تركيا ) على نموذج حماس حزب الله ، ليصبح هو البديل الفعلي عن تحالف النظام وروسيا ، وهذا سيدفع بالغرب للتدخل العسكري، من دون اعتراض روسي، ويقوض فرص النظام بالبقاء، ويعيد رسم خريطة المنطقة كلها.
  • الاحتمال الثالث : أن ينجح النظام وروسيا في استبعاد ايران خاصة إذا فشلت في إقناع الاسلاميين بالتحالف معها نتيجة تعصبها الطائفي وجرائمها السابقة، هذا من شأنه أن يفقد النظام أهم عناصر قوته على الأرض وأن يعتمد كليا على سلطة الشبيحة التي ستبالغ في سلوكها الإجرامي .
  • الاحتمال الرابع : أن تنجح روسيا مع الأسد ولو بعد زمن طويل في إخراج ايران وتقليص سلطة الشبيحة بواسطة حكومة وحدة وطنية لا تمارس القمع كما هو مفروض في وثيقة التفاهم في فيينا وجنيف التي هي أساس الحل السياسي الراهن، هذه الحكومة الضعيفة جدا بسبب تخليها عن عصا القمع ستضطر لتقديم التنازلات تباعا تحت ضغط الحاجة والمطالب الشعبية بحيث تجبر في النهاية على تحقيق إرادة الشعب ومصالحه . وهذا ما تراهن عليه القوى الغربية، لكنه بكل أسف هو الاحتمال الأضعف بسبب قوة العوامل المضادة .

يبقى العامل الأهم في المعادلة هو استمرار الرفض الشعبي لسلطة الجريمة ، والاستمرار في طرح مشروع ديموقراطي بديل يحترم حقوق الإنسان والعدالة ، وفق برنامج مغري للغرب يتعلق بمستقبل جديد للمنطقة يجنبها الصراعات ، والعنصر الفاعل القادر على قلب هذه المعادلة هو تشكيل تحالف اسلامي غير طائفي بديل عن الاستسلام لسلطة الأسد، يقوض فرص الدول الكبرى في فرض نفوذها ، وإن كان يضحي بالحرية والديموقراطية مرحليا … وهذا ما تلعبه السياسة التركية بنجاح بعد وقوعها بين فكي كماشة شرقي – غربي ويجد أذنا صاغية في إيران  .

في كل حال استمرار الثورة ليس خيارا بل ضروروة ، ضرورة تفرضها الاحتياجات الأساسية لعموم السوريين وبشكل خاص أولئك تحت الحصار والتضييق ، و الذين يسكنون خيم التشرد واللجوء منذ سنوات ، وأجيال جديدة تترعرع من دون تغذية ولا تعليم ولا أمل في المستقبل … ناهيك عن الوفاء للشهداء الذين سقطوا في طريق الحرية ولا يكاد بيت واحد يخلو منهم …

فيما يلي ترسيم تبسيطي لعناصر الصراع  وتفاعلاتها مع الحل الروسي :

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.