سوريا: قصف غامض المصدر بقنابل حارقة على أحياء وسط دمشق

تعرضت عدة مناطق شرق العاصمة السورية دمشق لقصف قذائف يعتقد بأنها عنقودية حارقة، في حادثة غير مسبوقة.
وأظهرت صور ومقاطع مصورة تعرض كل من شارع الثورة ومنطقة سوق الهال القديم وجسر فكتوريا وساحة المرجة لقصف بقذائف حارقة، حيث بدت جميع هذه المناطق خالية بشكل شبه تام. وتعتبر جميع هذه المناطق حيوية في دمشق وتشهد اكتظاظا بالحركة المرورية لقربها من الأسواق الأثرية والمراكز التجارية في العاصمة.
وأسفر القصف عن احتراق عدة سيارات، فضلا عن تضرر منازل وأبنية، فيما تحدثت مصادر إعلامية موالية عن مقتل وجرح عدد من الناس.
وقالت صفحة «يوميات قذيفة هاون»، وهي إحدى أكبر الصفحات الإخبارية الموالية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن أكثر من أربعة مدنيين قتلوا وأصيب ما لا يقل عن تسعة آخرين إثر سقوط أكثر من 15 قذيفة على أحياء متفرقة.
ونقلت عن مصدر في قيادة الشرطة قوله إن شخصين قتلا إثر سقوط قذيفة صاروخية على حي المجتهد، إضافة إلى شخصين آخرين قتلا بسقوط قذيفة أصابت مسلخا في محيط كلية الزراعة في حي مساكن برزة. واكتفت وسائل إعلام النظام بالحديث عن قصف بقذائف هاون مصدره الغوطة الشرقية، فيما قالت مصادر المعارضة أن القصف تم بالقنابل العنقودية الحارقة التي لا يمتلكها إلا النظام وحلفاؤه الروس.
هذا وأجلت المعارضة المسلحة المئات من عناصرها في ريف دمشق، بعد اتفاق مع موسكو والنظام السوري، قضى بتسليم المعارضة مدينة حرستا في ريف دمشق الشرقي، لقوات لنظام، مقابل سماح النظام السوري لمقاتلي «حركة أحرار الشام» الاسلامية بالخروج بسلاحهم الفردي من مدينة حرستا التي تبعد نحو 5 كم من مركز العاصمة دمشق، إلى الشمال السوري، برفقة الأهالي الرافضين لعقد «مصالحة او تسوية وضعهم» مع النظام، وترافق ذلك مع وقف إطلاق النار وقصف المدينة.
المتحدث الرسمي باسم حركة أحرار الشام الإسلامية، منذر فارس، أوضح في تصريح خاص لـ«القدس العربي» أن اجتماعاً سابقاً لحركة أحرار الشام ووفد مدني من مدينة حرستا مع وفد للنظام وموسكو، انتهى بالاتفاق على خروج فصائل الثوار بسلاحهم مع من يرغب من المدنيين، إلى شمالي سوريا بضمانة روسية، مشيراً إلى ان الاتفاق شمل «تأمين الأهالي الراغبين بالبقاء في المدينة بعد تسوية أوضاعهم مع النظام السوري»، فيما سيبدأ خروج فصائل المعارضة وعوائلهم ورافضي المصالحة إلى مناطق الشمال السوري.
وأشار إلى أن العدد الإجمالي لعناصر الحركة وعوائلهم، والأهالي الرافضين للتسوية، والراغبين بالخروج من حرستا «غير دقيق»، فيما قالت مصادر مطلعة ان العدد الإجمالي يقارب 7000 شخص بينهم 1500 مقاتل، ورجحت المصادر ان تستغرق عمليات التهجير أكثر من 48 ساعة.
وإزاء هذا الواقع، يبدو أن عملية تهجير مدينة حرستا ستمثل بداية انفراط عقد المعارضة المسلحة التي تسيطر على مساحات شاسعة في محيط العاصمة السورية، بما تمتلك تلك المنطقة من رمزية جيوسياسية، ولعل الدليل على عظمة أهمية تلك المنطقة هي إيلاؤها الأولوية على مناطق أخرى في ريف دمشق الجنوبي تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة، فضلا عن كونها حلقة من الحلقات الأخيرة في انفراط عقد الثورة.
أوضح «فارس» للقدس العربي، ان «الاتفاق بين حركة أحرار الشام الإسلامية ـ التشكيل العسكري الذي يفرض سيطرته على مدينة حرستا ـ وموسكو، ضم في أحد بنوده «تشكيل لجنة مشتركة من أهالي حرستا في الداخل والخارج من أجل متابعة أمور من بقي في المدينة ومتابعة أمور المعتقلين وتسيير شؤون المدينة»، وهي اتفاقية «نسخة طبق الأصل» عن كافة الاتفاقيات التي عقدتها روسيا مع مدن وبلدات الغوطة الغربية قبيل تهجير أبنائها الرافضين للمصالحة، منذ أكثر من عام، حيث لم تخرج تلك البنود عن كونها حبرا على ورق، ولم تضغط روسيا لاخراج أي معتقل من سجون النظام السوري، كما ان تلك المناطق لم تزل ترزح تحت وطأة تهميش واضح من طرف النظام السوري، والضغط من أجل سحب جميع كل من هو قادر على حمل السلاح لزجه على الجبهات المشتعلة.
تبادل أسرى
أجرت «حركة أحرار الشام» امس الخميس قبيل تنفيذ اتفاق التهجير، عملية تبادل أسرى مع النظام السوري، وذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية أن 17 أسيرًا كانوا لدى «أحرار الشام» خرجوا مقابل خمسة من مقاتلي الحركة، كانت قوات النظام قد أسرتهم خلال العمليات العسكرية.
مدينة حرستا إحدى أكبر مدن ريف دمشق، شهدت خلال الشهر الفائت تصعيدا عسكريا غير مسبوق بأنواع الأسلحة منها المحرمة دوليا، للضغط على فصائل المعارضة من اجل الموافقة على القبول بأي اتفاق يجنب المدينة محرقة تبيد أهلها، ويفضي الى تهجير أصحاب الأرض من غير رجعة، كأول خطوة في بدء تهجير الغوطة الشرقية وتأمين محيط العاصمة.

إدارة روسية ومراقبة أمريكية

ما نشهده من تهجير قسري للدمشقيين في محيط العاصمة بإدارة روسية، واعادة هندسة الخريطة السورية بناء على المصالح الدولية، يجري في ظل مراقبة أمريكية دقيقة، ويوضح أنّ هناك نيّة علنية لدى موسكو في إعادة تأهيل النظام السوري بحجة أنّه شريك في الحرب على الإرهاب، مستخدمة بشار الأسد ونظام حكمه كأدوات لها لا أكثر من أجل تحيين الفرص لاستعجال موسم الحصاد الروسي الذي دخلت موسكو الحرب من أجله.
وفي إشارة ضمنية على ان ما يجري شرق دمشق هو بضوء اخضر امريكي، قالت وزارة الدفاع الروسية ان وزير أركانها فاليري غيراسيموف ناقش مع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جوزيف دانفورد أمس الوضع في سوريا وتحديداً وضع الغوطة الشرقية، للوقوف على متابعة مجريات الأحداث وتبادل وجهات النظر.
ممثل القاعدة الروسية في سوريا، أليكسندر إيفانوف قال ان مركز المصالحة الروسي سيستمر في تحييد المدنيين خارج مناطق سيطرة من وصفهم بالتنظيمات الإرهابية في الغوطة الشرقية تمهيداً لتنفيذ الحلول المناسبة برأي موسكو، مشيرا ان حكومة بلاده ستدعم تحرك النظام السوري في عملياته العسكرية المرتقبة برياً وجوياً في مناطق ريف دمشق الجنوبي.
ميدانيا قتل 12 جنديا من قوات النظام وأصيب العشرات بجروح، خلال مواجهات مع فصائل المعارضة على جبهة «الريحان» بالغوطة الشرقية لريف دمشق، وذكر «جيش الإسلام» على لسان المتحدث العسكري «حمزة بيرقدار» أن 12 عنصرا لقوات النظام قتلوا بألغام م.د (مضادة للأفراد) خلال معارك جبهة الريحان في الغوطة الشرقية، مشيرا إلى تدمير دبابة للنظام، مضيفا أن عناصر جيش الإسلام تصدوا اليوم لثلاث محاولات اقتحام من قوات النظام لجبهة الريحان الواقعة شرقي الغوطة.
فيما بلغت حصيلة قتلى الساعات الماضية اكثر من 30 مدنياً في غارات جوية للمقاتلات الحربية الروسية والسورية على مدن الغوطة الشرقية، فيما ارتكب سلاح الجو الروسي مجزرة في مدينة زملكا في الغوطة الشرقية، حيث قتل 15 مدنيا في إحصائية أولية بينهم نساء وأطفال.
مقتل 17 طفلا
وثقت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» الأربعاء، مقتل 84 مدنيا في يوم واحد نتيجة قصف قوات النظام السوري وروسيا على مدن وبلدات محاصرة في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، وقالت الشبكة في إحصائية لها إن 84 مدنيا بينهم 17 طفلا وست نساء قتلوا الثلاثاء، جراء قصف لقوات النظام وروسيا على مدن دوما وسقبا وعربين وحرستا وبلدة عين ترما، وأظهرت الإحصائية توثيق مقتل 56 مدنيًا بينهم 14 طفلا وست نساء في دوما، و18 مدنيا قتلوا في سقبا وأربعة آخرين في عربين بينهم طفلان، بينما أدى القصف على عين ترما لمقتل ثلاثة مدنيين.
بدورها ناشدت الأمم المتحدة في سوريا من اجل إيصال المساعدة العاجلة للمعالجة الفورية لما وصفه بالوضع الكارثي للأهالي الخارجين من الغوطة الشرقية وعفرين. كما دعت لتيسير الوصول وحماية المدنيين، والطواقم الطبية، ومقدمي الخدمات، والعاملين.
من جهته قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أعددا كبيرة من المدنيين السوريين غادروا مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة بالغوطة الشرقية يوم الخميس، وذكر أن حوالى 1500 شخص غادروا المدينة في وقت مبكر من صباح يوم الخميس وغادر 2000 يوم الأربعاء، وأظهر بث على موقع وزارة الدفاع الروسية ما قيل إنها لقطات حية من معبر الوافدين الذي يربط بين دوما والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

دعوات أممية لوقف إطلاق النار

جدد الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، دعوته النظام وجميع الأطراف السورية إلى الإسراع بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2401، القاضي بالوقف الفوري للقتال، وفرض هدنة مدتها 30 يوما لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.
جاء ذلك على لسان المتحدث الرسمي «استيفان دوجريك»، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في المقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك، حسب وكالة الأناضول.
وأوضح دوجريك أن «الأمين العام يدعو مجددا اليوم إلى الوقف الفوري للقتال، واحترام حقوق المدنيين وضمان حمايتهم» مضيفا «لكن للأسف ما زلنا نواصل رؤية معاناة المدنيين (في مناطق القتال في سوريا).
وتابع «لذلك فإن السيد غوتيريش يدعو مجددا جميع الأطراف المعنية إلى الإسراع بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2401، وهو يريد أن يرى فعلا سريعا على الأرض لتنفيذ هذا القرار».
وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع في 24 فبراير / شباط الماضي، بوقف فوري لإطلاق النار في سوريا لمدة 30 يوما، ورفع الحصار عن الغوطة الشرقية بريف العاصمة دمشق، غير أن النظام لم يلتزم بالقرار، وفي مقابل قرار مجلس الأمن، أعلنت روسيا في 26 من الشهر نفسه «هدنة إنسانية» في الغوطة الشرقية تمتد 5 ساعات يوميا فقط، وهو ما لم يتم تطبيقه بالفعل مع استمرار القصف.
وقال المتحدث الرسمي «لا تزال الأمم المتحدة تشعر بقلق بالغ على سلامة وحماية المدنيين في الغوطة الشرقية»، مضيفا يعش « المدنيون في يأس مطبق، وعدم توافر الخبز، أو المياه الصالحة للشرب».
وتابع «لا يزال وصول المساعدات الإنسانية محدودا للغاية. وكانت القافلة الإنسانية الأخيرة قد وصلت إلى الغوطة الشرقية في 15 آذار/ مارس الجاري، حيث قدمت معونات غذائية لنحو 26100 شخص في بلدة دوما.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.