صدقية واشنطن في سوريا على المحك

حذر تقرير نشرته، مجلة “فورين بوليسي” الاميركية، من أن مصداقية الولايات المتحدة في سوريا باتت على المحك بسبب انتهاكات روسيا ونظام الأسد لاتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع روسيا والأردن.

ويشير التقرير، الذي أعده الباحثان جون بودستا وبريان كاتوليز، أنه في الوقت الذي يستعد فيه الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين لقمتهما المرتقبة في هلسنكي في 16 تموز، فإن ثمة مخاوف متزايدة من تراجع مصداقية الولايات المتحدة على الساحة العالمية، وبخاصة في أعقاب سلوك ترامب في قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبري (G7) خلال الشهر الماضي، إذ يبدو أن ترامب يقوض الحلفاء في أوروبا، في حين أنه فشل في ردع التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة المقرر عقدها في تشرين الثاني.

ويتساءل التقرير عن مدى قدرة ترامب على فرض تنفيذ الاتفاق الذي وقعه شخصيا مع روسيا والأردن من أجل وقف اطلاق النار في جنوب سوريا؛ حيث أن موسكو تقوض بالفعل الاتفاق الذي تم في عمان في شهر نوفمبر الماضي وأكده ترامب بنفسه في اجتماع مع بوتين في فيتنام في وقت لاحق من الشهر ذاته. وخلال الأسبوع الماضي قصفت الغارات الروسية المستشفيات والمدنيين لدعم الهجمات التي يشنها نظام بشار الأسد ضد مناطق المعارضة في جنوب سوريا.

ويلفت تقرير “فورين بوليسي” إلى أن مثل هذه الانتهاكات لا تلحق الضرر بالسوريين فحسب، وإنما أيضاً تهدد اثنين من أقرب الحلفاء الأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط وهما إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم من تحذير وزارة الخارجية الأمريكية من أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات صارمة رداً على انتهاكات نظام الأسد لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته الولايات المتحدة مع روسيا؛ فإن إدارة ترامب لم تفعل أي شيء حتى الآن إزاء تلك الانتهاكات.

يكشف التقرير أن موقف الولايات المتحدة كان مختلفاً من الناحية العملية، حيث نقل مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية رسالة إلى قادة الجبهة الجنوبية (المعارضة) والنشطاء السوريين في يوم 23 يونيو (حزيران)، مفادها “أننا في الحكومة الأمريكية نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها، ومازلنا ننصح الروس والنظام السوري بعدم الإقدام على إجراء عسكري يمثل خرقاً لمنطقة خفض التصعيد، ولكننا نحتاج إلى توضيح موقفنا: إننا ندرك أنكم بحاجة إلى اتخاذ قرارات استناداً إلى مصالحكم ومصالح عائلاتكم وفصائلكم، ولكن يجب ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقع قيامنا بتدخل عسكري”.

ويعتبر تقرير “فورين بوليسي” أن ما يحدث في جنوب سوريا يكتسب أهمية كبرى بالنسبة للمشهد ككل، وليس فقط في سوريا؛ إذ تخشى إسرائيل أن يمنح هذا الهجوم فرصة لإيران للمناورة داخل سوريا ونشر أسلحة خطيرة بما في ذلك الصواريخ المتطورة.

وكذلك تخشى الأردن، التي تستضيف بالفعل قرابة 1,4 مليون سوري، من التعرض لموجة أخرى من اللاجئين، الأمر الذي يزيد من الضغوط التي تعاني منها الأردن بسبب الموجات السابقة من اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين.

ويؤكد التقرير أن الصراع السوري لا يزال ينطوى على تداعيات هائلة تتجاوز حدوده ومنطقة الشرق الأوسط؛ حيث أن انتشار ظواهر جديدة مثل “رهاب الأجانب” و”العنصرية المعادية للمسلمين” في الولايات المتحدة وأوروبا يرجع بصورة جزئية إلى النزاع الذي لم يتم حله حتى الآن في سوريا. وقد أثارت الحرب موجة جديدة للآمن العالمي تقوم على نهج “المجتمعات المغلقة”، أي بناء الجدران وفرض تدابير قاسية على اللاجئين، والتقاعس عن الالتزام بالمساعدة في حل الصراعات، مثل التزام ترامب بوقف إطلاق النار في جنوب سوريا.

ويختتم تقرير “فورين بوليسي” بحض ترامب على التمسك بتنفيذ الاتفاق خلال قمة هلسنكي المرتقبة مع بوتين، لأن دولاً أخرى وخاصة كوريا الشمالية سوف تراقب عن كثب ما يحدث، وستكون مصداقية الولايات المتحدة على المحك، وليس فقط ترامب.

(فورين بوليسي)

المستقبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.