التحريض على وجود اللاجئين السوريين في تركيا يصل مراحل خطيرة

وصل الاحتقان في الشارع التركي على اللاجئين السوريين إلى أخطر مراحله على الإطلاق منذ بدء اللجوء السوري في تركيا قبل نحو ثماني سنوات، وذلك عقب أشهر من حملات التحريض التي انجرت لها معظم الأحزاب التركية في الدعاية للانتخابات التي شهدتها البلاد على جولتين في آذار/ مارس ويونيو/حزيران الماضيين.

وطوال سنوات اللجوء السوري في تركيا شهدت العلاقة بين اللاجئين السوريين والمواطنين الأتراك الكثير من الاحتكاكات والمواقف التي بقيت في إطار الحوادث الفردية، وصنفت على أنها الأقل من بين دول اللجوء الأخرى مقارنة بعدد اللاجئين السوريين في تركيا والذي يقترب من 4 ملايين شخص يتوزعون في أغلب المحافظات التركية الـ82.

غالبية من الأتراك تؤمن بأنهم سبب الصعوبات الاقتصادية التي يعانون منها

لكن مع تصاعد حملات التحريض والاحتقان الشعبي على اللاجئين وقعت حوادث غير مسبوقة شملت الاعتداء الجماعي على اللاجئين وممتلكاتهم، في ظل شكوك بوجود جهات تعمل على افتعال فتن وأزمات، وهو ما دفع بالكثير من الأطراف الرسمية والشعبية والإعلامية من الجانبين السوري والتركي للتحذير من وصول الأوضاع إلى «مرحلة خطيرة»، محذرين من إمكانية وصولها إلى مرحلة «أخطر بكثير» في حال عدم التدخل والقيام بإجراءات جدية لتخفيف الاحتقان المتصاعد.
وقبل يومين هاجم مئات المواطنين الأتراك الغاضبين في أحد أحياء إسطنبول السوريين في الحي الذي يقطنون فيه وقاموا بتكسير محلات تجارية وسيارات وهاجموا بعض المنازل، قبل أن تتدخل قوات الأمن التركية وتضطر لاستخدام مدافع المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لوقف أعمال الشغب هذه، وتعتقل العشرات من المشاركين.
هذه الحادثة غير المسبوقة من حيث عدد المشاركين تفجرت عقب ورود أنباء عن وقوع حادثة تحرش من قبل سوري بطفلة تركية، وهي الأنباء التي سرعان ما تبين أنها غير دقيقة، حيث اضطرت المديرية العامة للأمن في إسطنبول والوالي ووسائل الإعلام إلى اصدار بيانات ونشرها على نطاق واسع لإبراز الرواية الرسمية ونزع فتيل الأزمة.
وأكدت بيانات الشرطة ووالي إسطنبول أن ما جرى هو حادثة لفظية طفيفة بين طفلين لم يتجاوزا الـ12 عاماً، ولم يكن هناك أي حادثة تحرش أو اغتصاب أو لمس، وحذرت من «مفتعلي الفتن» على الأرض وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وتوعدت بالملاحقة الأمنية والقضائية لهم.
ومنذ أسابيع يتصدر في أغلب الأيام هاشتاغ «وسم» على موقع تويتر يطالب بطرد اللاجئين السوريين من تركيا، لا سيما إسطنبول، وترافق ذلك مع الحملة الانتخابية التي شهدتها البلاد في الأشهر الماضية، والتي تمحورت حول ملفي اللاجئين والأوضاع الاقتصادية في البلاد.
وتقول دراسات إن غالبية الشعب التركي من التوجهات السياسية المختلفة تعتقد أن اللاجئين السوريين هم سبب أساسي في الأزمة الاقتصادية التي وصلت لها البلاد، ويتهمون الحكومة بالاهتمام باللاجئين السوريين أكثر منهم وتقديم رواتب ومساعدات مادية وطبية وتعليمية مجانية لهم، وهو ما نفته الحكومة مراراً. وأوضحت أن المساعدات المحدودة المقدمة لهم تأتي من منحة الاتحاد الأوروبي.
وطالب كتاب أتراك بضرورة العمل على تدارك الأزمة المتصاعدة في أقرب وقت ممكن، وتحدثوا عن ضرورة وقف حملات التحريض لدى كافة الأحزاب، حيث استخدام المعارضة ملف اللاجئين بشكل غير مسبوق في الانتخابات الأخيرة، قبل أن يجد الحزب الحاكم نفسه مضطراً لتقديم خطاب بدا أكثر تشدداً في بعض الأحيان من خطاب المعارضة تجاه اللاجئين، حيث جرى تقديم وعود بإعادتهم إلى سوريا في أقرب وقت ممكن.
في المقابل، طالب نشطاء سوريون الائتلاف السوري والهيئات السياسية والمدنية السورية التابعة للمعارضة بضرورة التحرك والتنسيق مع الحكومة التركية على كافة المستويات، والعمل على توجيه اللاجئين للحد من التصرفات والأخطاء الفردية التي تؤدي إلى افتعال المشاكل وإثارة غضب الأتراك بشكل أكبر ضد اللاجئين.
وعلى هامش مشاركته في اجتماعات قمة العشرين في اليابان، جدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان طرحه على قادة الدول الكبرى في العالم بضرورة مساعدة تركيا في بناء مدن سكنية في مناطق آمنة شمالي سوريا من أجل إعادة اللاجئين السوريين إليها.
وتحدثت مصادر تركية عن احتمال لجوء الحكومة إلى إعادة توزيع اللاجئين السوريين داخل البلاد للحد من المشاكل المتصاعدة، وذلك في ظل انعدام الخيارات أمام إعادتهم إلى الداخل السوري الذي ما زال يعاني من الحرب والقصف الجوي من قبل النظام وروسيا.

القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.