حق العودة الآمنة هو كل ما تبقى للمعارضة

د. كمال اللبواني

الدكتور كمال اللبواني

           الدكتور كمال اللبواني

عندما طالبنا بإعادة هيكلة المجلس الوطني الذي تشكل بالخارج واعترفت به الدول      ( مجموعة أصدقاء سوريا كونها ساهمت في تشكيله واختيار أعضائه)، وقلنا لا يمكن ادّعاء تمثيل الشعب من دون انتخابات حرّة، وأن ما نحتاجه هو مجلس لقيادة الثورة، على أن يضم 50 % على الأقل من الحراك الثوري في الداخل، وأن يشكّل جسداً تنفيذياً يمسك بالمال والسلاح وأركان العمليات، ويحكم الأرض المحرّرة، وبعد نضال مرير وتهديد بالانقسام، أجبرنا دول أصدقاء سوريا على فرض هذه العملية، وبدأ التفاوض بيننا وبين المجلس صيف عام 2012.

ماطل المجلس بقياداته المعروفة (المكتب التنفيذي المكوّن من 13 شخصاً، غير المبشرين بالجنة ) وبعد أخذ وردّ، واجتماعات مطولة، أعلن وفد المجلس أنه غير معنيّ بتلبية هذا الطلب، كونه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، وأنه إذا وجد حاجة فالمجلس الوطني سوف يعيد هيكلة نفسه بنفسه … وهكذا أجبرت الدول على تشكيل الائتلاف، بدلاً عنه بناء على تعهدها بسحب الاعتراف من المجلس الوطني إذا لم يوافق على إعادة الهيكلة، لكنّ أعضاء عصابة المجلس بارتباطاتهم المعروفة نحجوا في الانتقال كما هم لقيادة الائتلاف مرة أخرى … ثم لهيئة التفاوض .. وهكذا استمروا هم ذاتهم في قيادة المعارضة.

كان قادة هذا المجلس (عصابة المعارضة) مقتنعين تماما بأن النظام سيسقط بفعل ثورة الشعب، وأن دورهم محصور في البقاء في قيادة المجلس لينتقلوا لقيادة سوريا، وأيّ مشاركة أو قبول لتغييرات أو حتى انتخابات ستودي بفرصتهم النادرة لتسلّم السلطة، فأعلنوه نادياً مغلقاً وخالداً، وما يزالون يتحكّمون حتى الآن بالائتلاف وهيئات التفاوض هم بشخوصهم ذاتهم، كأيّ عصبة تجمّعت حول وليمة وهي جائعة.
مرّت السنوات وتشرذمت قوى الثورة وتصارعت وسقطت المناطق المحررة تباعاً، وصاروا يستجدون الحلّ السياسي الذي ربما يجبر النظام على إشراكهم بالحكم، وقدّموا التنازل تلو التنازل، وسلّموا المناطق منطقة تلو المنطقة، ولكنّ النظام رفض وما يزال أيّ حلّ تفاوضي، وتابع انتصاراته العسكرية التي كان ثمنها مليون شهيد ومفقود، ومليون جريح ، وعشرة ملايين لاجئ ووو … وبقيت عصابة المعارضة تحلم بالكرسي في فنادق استانبول …

وجدت الدول أن المعارضة مشرذمة، وإسلامية الهوى، وفاسدة، فلم تعد تعتبرها بديلاً عن النظام أو قادرة على أن تكون، لذلك ساهمت في تسليم المناطق المحررة للنظام، وأصبحت تركّز على طريقة التغيير من داخله وليس عبر المعارضة، أي أصبحت الخطة الدولية المعتمدة ليست اسقاط النظام وجلب المعارضة مكانه كما يحلمون، ولا إيجاد سلطة انتقالية عبر التفاوض في جنيف، بل هي أن يقوم النظام بإعادة هيكلة نفسه بنفسه، من دون أي حلّ تفاوضي مع المعارضة … فالمعارضة التي رفضت قيادة الثورة واعتبرت نفسها حاكمة لا محالة، وأعادت هيكلة نفسها بنفسها لتستأثر بالكرسي، خرجت خارج المعادلة وبقيت في الهواء، وسقطت أحلامها، وبقي النظام على الأرض، والذي سيعيد هيكلة نفسه بنفسه … ولم يبق أمامها سوى تسوّل حقّ العودة الآمنة منه، أي من علي مملوك وديب زيتون، قادة سوريا القادمين، بحسب سياق التغييرات الداخلية الجارية .

في داخل النظام، وبعد أن بدأ غبار الحرب بالانقشاع، ظهرت التحولات الكبيرة في قاعدته الاجتماعية وفي مؤسساته وأشخاصه، وتبيّن للجميع أنهم خاسرون ودفعوا ثمنا باهظاً لتعنّت شخص وأنانيته ، وأنه كي يستمر في السلطة مستعد للتشبيح على الجميع، واستحضار ميليشيات وجيوش احتلال، وخنق الناس بالتحكم بأنفاسها وطعامها، وسوقها لساحات الموت من دون أي اعتبار، ذهب البعبع الذي كان يهدّدهم، وبالتالي صاروا مستعدين لخيانة القائد الذي دمّر سوريا بشقّيها الموالي والمعارض إذا وجدوا الضمانات اللازمة، هنا وجدت الدول أن الاعتماد على شخصيات رفيعة داخل النظام هو الطريق السهل للتوصل للاستقرار، وهؤلاء طبعا قد يمنّون على المعارضة بحقّ العودة عن ذل وهم صاغرون … لكنهم قد لا يستطيعوا حمايتهم من الجماهير التي ستبصق عليهم إن كانوا من مؤيدي الثورة أو ضدها …

يعاد اليوم ترتيب البيت الداخلي الأمني والعسكري في النظام، ويحضّر لعملية التغيير من الداخل بحركة تصحيحية بإشراف روسي ومساعدة غربية، وكلّ من ربط مصيره بطهران سيخرج معها ومن ضمنهم بشار ذاته، ليحلّ محلّه من يقوم بإخراج ايران باستخدام قوة الجيش السوري الممانع ذاته، ولا مانع من تطعيمه بقوى من المعارضة، بعد أن يفتح النظام الجديد باب حقّ العودة، وبذلك سيكون ضباط النظام ذاتهم أكثر ثورية من قيادات المعارضة، مع أنّهم هم من سحق الثورة، ولكنّهم هم أيضاً من سيخرجون سوريا من هذه الحرب ، وليس جهابذة المعارضة التافهين .
حتى لو انتهت الفترة الانتقالية بنظام سياسي ديموقراطي، فإن أحداً من قادة المعارضة لا يجب أن يحلم بالوصول للسلطة عبرها، كون الشعب قد جرّبهم وعرفهم جيدا ً، وما أنصحهم به هو أن يرتّبوا أمورهم للبقاء خارج سوريا، والإفادة مما تسوّلوه أو اختلسوه من إغاثة هذا الشعب المنكوب بسياسييه كلّهم. أي يتخلّوا طوعاً أيضاً عن حقّ العودة الآمنة، الذي قد يمنحه لهم حكام سوريا القادمين من داخل النظام .

ملاحظة : جماعة الإخوان التي تحكّمت بهذه العصابة من المعارضة، ومنعتها من العمل مع الشعب والثورة ، على أمل أن تتحكم هي بالثورة وتحكم سوريا لوحدها بطريقة الحزب القائد، هي الخاسر الأكبر كونها هي أيضا متحالفة مع ايران .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.